علي عبود
تستأثر عملية اختيار الكفاءات سلّم أولويات الدول الساعية لاستثمار إمكاناتها لتحقيق تنمية مستدامة بمنأى عن المساعدات والقروض الخارجية التي تنال من سيادتها وهيبتها ودورها في محيطها الإقليمي.
ولا يُقصّر المسؤولون بالحديث عن خططهم المستقبلية لاستثمار الكوادر والخبرات في وطنهم على مختلف متدرجاتها ومسمياتها، بل ويستعينون بباحثين “منظرين” كي يقدموا لهم المقترحات أو رؤية “نظرية” لزجج الخبرات في عملية التنميه والنهوض بالمجتمعات الطامحة إلى تحقيق الإزدهار للبلاد والرفاه للعباد.
وإذا جاز الحديث عن “منظّرين” قدموا استراتيجيات متكاملة وبعيدة المدى للحكومات في البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والصين وروسيا..الخ، فإن“المنظّرين” في البلدان النامية، وخاصة في الدول العربية أخفقوا في ممهمتهم، واقتصر عملهم في أفضل الحالات على إطلاق عناوين برّاقة وخلّابة ، أو اجترار لتجارب الآخرين غير مؤطّرة في خطة أو استراتيجية قابلة للتنفيذ اعتمادا على الإمكانيات والثروات الذاتية لأوطانهم.
بعض “المنظّرين” اقترح مثلا إجراء مسح لكل المؤسسات والإدارات بهدف تطوير الإدارة والإنتاجية والجدوى ومعرفة حجم العمالة الزائدة فيها، وهذا المقترح لايمكن وصفه بأقل من العجيب والغريب!
السؤال: هل توجد دولة في العالم مضى على تأسيسها مالايقل عن نصف قرن لم تقم حكومة واحدة فيها بمسح لعدد مؤسساتها وإداراتها وعدد العاملين فيها؟
أما الحديث عن العمالة الفائضة فهو نظري بامتياز، فالشركة التي تعمل بواردية واحدة ستعاني من العمالة الزائدة حتماً، في حين ستواجه مشكلة نقص العمالة إذا عملت بوارديتين أو على مدار الساعة، وبالتالي فإن دور إدارة الشركات يجب أن يركز على استقطاب الكوادر والخبرات من جهة، وتدريب العمالة لتكتسب أعلى المهارات من جهة أخرى، والأهم أن تنتج سلع قابلة للتصريف المحلي وللتصدير.
والحديث عن الفساد تحوّل إلى معزوفة، فما من بلد يخلو من الفساد الكبير والضخم، ولكن الأهم مكافحة الفساد الصغير الذي يرتكبه العاملون سواء كانوا من الكوادر والخبرت أو المهن الفنية بفعل أجورهم المتدنية التي لاتكفي لسد احتياجات أسرة أكثر من بضعة أيام.
وبما إن “الموضة” هذه الأيام هي الذكاء الإصطناعي فلا بأس أن يقترحها بعض “المنظّرين” لتقييم عمل المؤسسات الحكومية، حتى لولم يفهموا آلية عمل الذكاء الإصطناعي وفيما إذا كانت متوافرة أم لا!
أما أغرب مقترحات “المنظّرين الجدد” فهي اجترار مقترحات قديمة جدا أثبتت فشلها في الدول العربية التي تبنتها كعرض المؤسسات الحكومية غير المجدية على القطاع الخاص ليستثمرها لمدة لاتقل عن 30 عاما، وهذا المقترح يعود إلى تسعينات القرن الماضي، في حين إن الدول النامية التي تبنته أو ذهبت بعيدا فباعت مؤسساتها للقطاع الخاص المحلي والخارجي فقد وقعت في فخ القروض والتضخم والبطالة وشح في القطع الأجنبي..الخ.
ومع أن دمج المؤسسات سواء كانت رابحة أم خاسرة ومتعثرة كان كارثياً على الإقتصادات التي تبنته، فإن بعض “المنظّرين” يوحي أنه اكتشف جديدا بتكرار تنفيذ هذا المقترح بين الحين والآخر وكأنه الحل السحري للإستفادة من الخبرات والنهوض الاقتصادي والإجتماعي!
والمضحك المبكي أن يقترح أحد المنظّرين تطبيق مبدأ “النافذة الواحدة” لتجنيب المواطن التنقل من دائرة إلى أخرى لإنجاز معاملاته، وهذا دليل إن هذا المنظّر يجهل الواقع فلم يقرأ أو يسمع أن النافذة الواحدة مطبقة منذ سنوات في بلاده، بل بإمكان المواطن إنجاز بعض المعاملات الكترونياً.
ولا يقل غرابة مقترح دعم الصناعات الغذائية المعدة لٌلإستهلاك في الأسواق الداحلية أو التصدير للأسواق الخارجية ، فما من دولة نامية أوعربية لاتجيد تصدير منتجاتها الغذائية .
ولا تحتاج أي حكومة إلى “المنظّرين” لكي يقنعونها بأهمية قطاع الخدمات الإستراتيجي “كهرباء واتصالات ومياه ونفط وغاز ..الخ” للنمو الاقتصادي والإجتماعي ولجذب الإستثمارات الأجنبية!
الخلاصة: لاتحتاج أي دولة إلى “منظّرين” يكررون مقترحات منشورة في الإعلام ومحاضرات ألقيت في ندوات وورش عمل إقتصادية، وإنما إلى خبراء وأكاديميين تستعين بهم الحكومة مع خبراتها الموجودة في مؤسساتها الذين اكتسبوا المهارات العملية لمعالجة الأزمات .. لوضع رؤية أو خطة عشرية للنهوض في البلاد وفق برامج تفصيلية ترصد لها الإعتمادات المادية وتدعم بالخبرات الفعلية وليس التنظيرية!
(موقع اخبار سوريا الوطن-1)