- وسام كنعان
- الخميس 29 نيسان 2021
سلاف فواخرجي في العمل منذ تسعينيات القرن الماضي، أي عشيّة انطلاقة الدراما السورية نحو الفضائيات العربية وحتى اليوم، نادراً ما كانت تصادف هذه الصناعة المحلية رأسمال وطنياً نظيفاً، بمعنى أن يكون همّه إلى جانب الحالة الربحية، إنجاز مادة فنية متماسكة، تفتح العين ويشار إليها بثقل ونوعية! حتى تجربة أولى شركات القطاع الخاص التي دخلت السوق حينها بقوّة وثبات، كانت تسند إداراتها لممثلين مكرّسين، وأسهمت في انتشار المسلسل السوري عربياً، وكانت واجهة للسلطة لا يمكن الحديث عنها بأنها ذات غايات بريئة. غرقت شركات إنتاج أخرى في العمل تحت وصاية وسلطة المال الخارجي، وتنفيذ ما يريده حرفياً، ضمن صيغة مدروسة من قبل أصحاب هذا المال، حتى انحسر دورها لتصبح مجرد منتج منفّذ لا يملك من أمره شيئاً سوى تطبيق ما يُملى عليه! ومع اندلاع الحرب السورية، لم يبق أحد في الساحة المحلية، إلا المستفيد من فرق العملة بعد تهاوي الليرة السورية، واعتصام تلك الشركات عند سلوك دفع الأجور، بالعملة الوطنية، في وقت تبيع فيه منتجها بالدولار الأميركي! كانت كلّ مؤسسة تنتج خلال الحرب، ولو ساعة تلفزيونية رديئة، تحمّل منّتها لكل من يعمل معها، بصيغة شعاراتية، كونها من وجهة نظرها تقاوم داخل البلاد ولم تهرب من نيران الحرب. لاحقاً، اخترقت السوق مجموعة تجّار حرب ومحدثي نعمة، وغادروه سريعاً بعد أوّل تجربة إنتاج مهلهلة والغرق في شبر ماء في مكان لا يمكن لهم الاستثمار فيه بعقلياتهم المأزومة! على ضفة ثانية، لم يُكتب لتجارب أخرى أن تستمر بسبب الفشل في التسويق أو تعامل الوسط الفني معها على أنها «هبشة» لمرة واحدة، وبالتالي تناهب ميزانية العمل، والتعاطي مع المنتج على أنه جاهل دخل السوق ولن يعيد الكرّة مرة ثانية. امتثالاً لكل ما سبق، لا بد من الوقوف ملياً عند تجربة رجل الأعمال السوري ماهر البرغلي، عندما قرر خوض تجربة الإنتاج الدرامي هذا العام، وأسس مع ابنه جود البرغلي شركة MB بعد الاتكاء على النجم أيمن رضا ليكون مديراً تنفيذياً لأول مشاريع الشركة، على اعتبار أن الرجل يملك مجموعات اقتصادية منذ زمن طويل، إضافة إلى التوقيت الحسّاس الذي تعاني فيه سوريا من حصار اقتصادي خانق وتقف شريحة واسعة من ناسها على حافة العوز والجوع. لكن كلّ ذلك لا يعني أن تنتج الشركة عملاً رديئاً… هذه القاعدة التي انطلق منها كلّ من رأى أننا أمام عمل متهاوٍ هو «الكندوش» (تأليف حسام تحسين بيك – إخراج سمير حسين- إنتاج MB ــ بطولة: أيمن زيدان، سلاف فواخرجي، صباح الجزائري، سامية الجزائري، أيمن رضا، شكران مرتجى، همام رضا، هافال حمدي، فايز قزق، أندريه سكاف، فاتح سلمان، ومريم علي). وعلى الرغم من الحالة الفنية الرفيعة التي يقدّمها العمل على مستوى الفرجة، والاستعانة بالنفس الصوفي في بعض الأغاني والفواصل التي سجّلها عامر الخيّاط، والمتممات الفنية كشارة معين شريف، أو الصورة المترفة بالجودة واللون والعمليات الفنية الصائبة، إلا أنه مُني بهجمة سوشال ميديا ممنهجة انطلقت منذ الحلقة الأولى وبشكل بدا مقصوداً، زاد حدتها هجوم المخرج محمد عبد العزيز والنجم باسم ياخور. ربما يكون السبب وراءها لو نحّينا نظرية المؤامرة بأن الحملة الإعلامية التي رافقت العمل وأرادت إطلاق اسم الشركة علّت سقف التوقع، فيما كان يتم تداول التصريحات غير مسؤولة من قبل كاتب المسلسل، وبعض الممثلين الثانويين عن فتح درامي سيحققه «الكندوش». كلّ ذلك إضافة إلى تلاشي الحكاية بشكلها التقليدي في العمل، صار بمثابة ذريعة للحكم المستعجل! مع ذلك، يمكن القول بثقة بأنّ المسلسل في حلقاته العشرة الأولى، أتى خاوياً تماماً من الحدث. تدور الشخصيات بلا حكاية واضحة، أو تصعيد درامي كلاسيكي بمنطق التشويق. يتخلى المسلسل عن قاعدة شهرزاد التقليدية بمسك المتلقّي، عندما حكت لشهريار حكاية كي تلهيه عن قتلها، ومن ثم صارت تنهي له الحكاية وتقبض على تشويقه وشغفه، فتجعله يؤجّل قتلها لليوم الثاني، ويذهب للمراهنة على اقتراح شكل جديد للمسلسل الشامي، يواكب فيه الحقيقة السائدة آنذاك، ويكشف التباين الذي كان قائماً في المجتمع الضيّق، ويمرّن المتلقي على التعافي من عنتريات وسحب الشبرّيات والصراخ والعويل والأداء الخارجي المقيت الذي تكرّس منذ كارثة بسام الملا «باب الحارة» وتحدي حارة افتراضية منفردة للاحتلال الفرنسي كلّه!
عملياً ورغم الخلل الواضح في النص، وإعادة تدويره بمنطق الصورة إخراجياً بدون جهد يذكر، على مستوى التصعيد وتلافي العثرات، لا يمكن مقارنة «الكندوش» إلا بمثيله من المسلسلات الشامية. هنا يمكن القول بصراحة مطلقة بأن العمل تفوق على غيره من دراما شامية من ناحية البذخ الإنتاجي الصريح، والفرجة البصرية، وحشد النجوم السوريين الذين يؤدون أدواره، وقد يكون خسر من جهة التصعيد الحكائي وتواتر الحدث المفصلي بسرعة، وإنجاز الجذب المنطقي والمعهود لمثل هذه الأعمال!
لم يكن أمام MB لفهم السوق بدون أن تُمنى بخسائر فادحة سوى التجريب بالعمل الشامي، وهو المنفذ الوحيد المتروك إنجازه محلياً للسوريين من قبل الفضائيات العربية. وربما لو نجحت تجربة «بنت الشهبندر» على سبيل المثال (هوزان عكو وسيف السبيعي)، لسُحب البساط من تحت أقدام السوريين حتى في الدراما الشامية وصارت تنجز في لبنان أو الإمارات!
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)