عبد اللطيف شعبان
من المعهود في العقود الماضية أيام توفر الطافة بشكل كبير، وجود هدر كبير في استهلاك الطاقة الكهربائية أسريا ومنشآتيا، والهدر الأكبر كان في الإدارات العامة، بما في ذلك إدارات وزارة الكهرباء، إذ كان يتم تشغيل ملايين المصابيح الكهربائية لساعات طويلة – على مساحة البلاد – كل يوم دون الحاجة الماسة لضوئها، عدا عن تشغيل العديد من الأجهزة والمعدات وخاصة أجهزة التبريد والتدفئة، واستمر الحال نفسه حال توفر التيار في سنوات التقنين الأخيرة، وحقيقة الأمر أن السعر المنخفض جدا لكل كيلو واط مستهلك كان أحد أسباب هذا الهدرالكبير، أي واقع الحال أتاح هدر استهلاك طاقة عن غير حاجة لها بسبب تدني سعرها.
في حين لوحظ خلال الأيام الأخيرة إثر الاعلان عن ارتفاع سعر الكيلو واط بشكل كبير، وجود مسعى أسري ومنشآتي لخفض استهلاك الطاقة المتاحة من خلال تخفيض عدد المصابيح المنارة، وحرص الكثيرين على عدم إضاءة أيًّا من المصابيح الضرورية إلا حال الحاجة الماسة، حتى أن الكثيرين عمدوا لفصل التيار عن بعض الأجهزة المنزلية بين جين وأخر، وأفراد كل أسرة وكل منشأة يتبادلون التنبيه لذلك، وسيتضح أن ارتفاع الأسعار تسبب في خفض الاستهلاك، ولكن يبقى التساؤل هل من يعمل لذلك في الإدارات العامة.
مدة توفر التيار الكهربائي التي كانت متاحة سابقا كانت أقل من حد الكفاف، ولكنها كانت قليلة الكلفة جدا، والمدة الجديدة المتاحة تقارب ثلاثة أمثال المدة السابقة، وتكاد تفوق حد الكفاف للكثيرين، ولكنها ذات كلفة عالية ما يجعل من الجائز السؤال هل بحثت أو تساءلت السلطات المعنية التي عملت لتحقيق المدة الطويلة الجديدة هذه وبشَّرت بها وتوحي يإطالتها لاحقا، عن مدى توفر الامكانية المادية الأسرية والمنشآتية لاستهلاك واستثمار هذه الطاقة المتاحة – في ضوء الحاجة الفعلية لها – في ظل السعر العالي جدا لكل واط مستهلك، بما في ذلك ماهو مستهلك ضمن الشريحة الأولى، والطامة الكبرى حال ازداد مؤشر العداد عن الحد الأعلى للشريحة الأولى ( ال 300 كيلو واط ).
سيترتب على ذلك أن تكون المشكلة الجديدة من خلال العزوف المُكره عن استهلاك الأسر لطاقة متوفرة – رغم الحاجة الماسة لها في أكثر من حالة – بسبب ضعف القدرة عن تسديد الكلفة المترتبة ( مثال ذلك سيكون عزوف عن التدفئة الكهربائية في أمكنة لايمكن بها التدفئة على الحطب أو على المازوت وسيكون عزوف عن التهوية الكهربائية الضرورية في أمكنة تحتاج لها حكما في الصيف … ) بالتوازي مع وجود حالات من هذا العزوف في الكثير من المنشأت، نظرا لضعف الجدوى الاقتصادية عند احتساب مردودية التشغيل، وبذلك تكون حالة توفر التيار هنا مع عدم القدرة على استهلاكه، كحالة أية سلعة أخرى متوفرة في السوق – كا للحوم الحيوانية التي لم تعد تستهلكها عشرات الآلاف من الأسرلسبب غلائها – إذ ما من قوة شرائية تسمح بشرائها، وبذلك يكون التُّوفر المديد للتيار مقرون بالتَّحسر العنيد عن امكانية استخدامه، ويكون الحال أقرب مايكون لمقولة ” تشوَّق ولا تتذوَّف ” المعهودة باللهجة المحلية ” شوقْ شوقْ ما بدوق ” عند الأطفال، عندما يلوِّح أحدهم للآخر بقطعة حلو أو حبة فاكهة ما زحا ويقول له ” شوق شوق ما بدوق ” ـ أي يشوِّقه ولا يطعمه.
وهنا لابد من الاعتراف بأن التشريع الحكومي الذي صدر مؤخرا وقضى بإلغاء الرسوم المعهودة التي كانت تدفع سابقا مع فاتورة الكهرباء – قد وفَّر مبالغ على المشتركين، ولكن تبقى الشكوى قائمة من القيمة الكبيرة جدا للفاتورة الشهرية، والتي أصبحت بمئات الآلاف من الليرات قياسا بالقيمة القديمة التي كانت بالمئات منها، والارتفاع الكبير لنسبة قيمة الفاتورة من الراتب، قياسا بنسبتها الصغيرة سابقا، عدا عن التخوَّف القائم من ارتفاعات أخرى قادمة على غرار ارتفاع باقات خطوط الخليوي، وتوقُّع ارتفاع فاتورة المياه في ضوء تلميحات قائمة بهذا الشأن، والخشية من أن تكون هذه الحالات ناجمة عن شروط العلاقة القائمة مع صندوق النقد الدولي، إذ المعهود عنه ذلك، ولكن الامل بخبرة السادة وزير الاقتصاد ووزير المالية ومدير البنك المركزي، وأمل المواطنين معقود ايضاً على المزيد من حكمة السلطات في تحقيق التوازنات لما فيه مصلحة العباد والبلاد، في القريب العاجل والمديد الآجل، فقد ورد في الاعلام قبل أيام أن الواقع الراهن لوزارة الطاقة والمؤسسة العامة الكهرباء يسمح حاليا بتوفر الكهرباء يوميا لمدة 14 ساعة من أصل 24، والعمل جار باتجاه تحقيق الأفضل. وأن توفُّر الكهرباء طيلة يومي الجمعة والسبت الفائتين في عدة محافظات كان حالة عارضة، لغاية اختبار تحمُّل الشبكات والمحولات لقوة التيار واستمراريته.
الكاتب:عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية – عضو اتحاد الصحفيين
(أخبار سوريا الوطن-1)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
