باسل علي الخطيب
ماذا يحصل في الأردن؟…..
ثمة من يعتقد بأن هناك في الولايات المتحدة من لا يريد عبدالله ملكاً على الأردن، و هم بقايا الترامبية السياسية في البنتاغون و وزارة الخارجية، و هم يتفقون في ذلك مع بنيامين نتنياهو، و مع محمد بن سلمان ولي عهد الكيان الوهابي، ليس من مبدا أن عبد الله يقف ضد مخططاتهم، إنما من مبدا أن الدور الوظيفي للعائلة الحاكمة قد انتهى، لأن الدور الوظيفي للكيان الاردني قد شارف على الانتهاء…..
محمد بن سلمان يريد الوصاية على المقدسات في القدس كجزء من صفقة التطبيع مع الكيان الصهيوني، و نتنياهو- وقد عاد – يريد التطبيع مع الكيان الوهابي باي ثمن، عدا عن ذلك صفقة القرن لم تسقط بذهاب ترامب، و لاننسى في هذا السياق، أن العقلية الصهيونية تنظر إلى الأردن على أنه فائض جغرافيا، يمكنه أن يستوعب أي فائض ديموغرافيا…..
في المقابل تريد إدارة بايدن و بعض أجهزة الاستخبارات الأمريكية بقاء عبدالله حاكماً للأردن، من مبدأ أن إدارة بايدن لا تريد مشكلاتٍ إضافية في المنطقة، لكي تستطيع التفرغ لمواجهة الصين و روسيا في أماكن أخرى…
قد يكون دعم إدارة بايدن و بعض الاستخبارات الأمريكية لعبدالله الثاني نوعاً من النكاية السياسية بنتنياهو حليف ترامب، و محمد بن سلمان صبي ترامب. و تتفق إدارة بايدن في ذلك مع بعض اركان النظام السياسي في الكيان الصهيوني، الذين لا يريدون لنتنياهو أن يحقق أي إنجاز كان، حتى و لو كان ذلك على حساب مصلحة الكيان…..
تجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أنه وخلال العقود الثلاث الماضية، صار هم الأحزاب والشخصيات الصهيونية بالدرجة الأولى، تحقيق مصالحهم الحزبية أو الشخصية في سياق التنافس الانتخابي، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة الكيان الاستراتيجية، و هذه هي حالياً إحدى عوامل ضعف الكيان، لاسيما أن هذا الكيان قد فقد روح وعقلية الجيل المهاجر الأول، الذي كان هدفه إقامة الكيان مهما كانت الصعوبات أو التضحيات، عكس الأجيال التالية، وخاصة الجيل الثالث الحالي، هذا الجيل الذي لم يعاصر فترة الحروب العربية الصهيونية، وغير المستعد للتضحية.
لذلك نعتقد أن من أفشل الانقلاب في الأردن العام الماضي، هي بعض أجهزة الاستخبارات الأمريكية و الصهيونية، و التي حذرت ربيبتها الاستخبارات الأردنية مما يحاك، و ذلك كنوع من صراع أجنحة الحكم في الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني…..
أما بالنسبة للاستراتيجية الصهيونية، التي ترى الأردن فائضاً جغرافياً يمكن أن يستوعب أي فائض ديموغرافيا، فهي أساسية في الإيديولوجية الصهيونية و هي ليست خاصة بشخص أو حزب، بل هي ركن أساسي في المخططات الصهيونية، و لكن الخلاف على التوقيت و الطريقة و المجد الشخصي…..
المفارقة التاريخية، أن الأحداث الحالية في الأردن، تتزامن مع الذكرى المئوية لنشوء الكيان الهاشمي….
الأردن كيان وظيفي كغيره من الكيانات الوظيفية التي تم إقامتها في القرن الماضي، ومثاله ( المشيخات الخليجية ولبنان)، هذا الكيان الوظيفي لم يكن سوى مجرد رشوى قدمها وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرشل عام 1920 لعبد الله بن الحسين، عندما كان في طريقه لمساعدة أخيه فيصل في دمشق، بعد أن عزله الفرنسيون، بعد احتلالهم دمشق عام 1920، طبعاً هذه (الرشوة)، لم تكن كرمى عيني عبد الله، أو خشية منه، إنما كان هناك هدف استراتيجي بعيد المدى من إنشاء هذا الكيان، والذي كان يسمى (إمارة شرق الأردن)، وكانوا بحاجة شخص مثل عبد الله بن الحسين، سليل عائلة عربية كبيرة، يدعون أنهم ينتسبون للبيت الهاشمي، حتى يستطيعوا جمع قبائل شرق الأردن تحت حكمها، وترضى القبائل بذلك…..
الكيان الأردني أنشأ في سياق تفتيت سوريا الكبرى، وإضعافاً لدور دمشق المركزي من الناحية الجيوسياسية، فضلاً عن ذلك، أنشأ هذا الكيان كحاجز جغرافيا مابين العراق والخليج من جهة والكيان الصهيوني من جهة أخرى، الكيان الصهيوني الذي كانت تسير مراحل إقامته آنذاك بخطوات حثيثة…
كان لابد من وجود حاجز جغرافي مابين الكيان الصهيوني ومابين العراق، البلد العربي القوي، والشعب المستعد للانخراط في المواجهة مع الكيان الصهيوني… هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لعب الاردن أيضاً دور الحاجز الجغرافي مابين الكيان الوهابي السعودي والكيان الصهيوني، حتى يكون هذا الحاجز هو الحجة أو الذريعة للسعوديين، امام العالمين العربي والاسلامي – وعندهم الحرمين -، أنهم لايستطيعون الانخراط بكامل قواهم في الصراع مع الصهاينة، وأنه لايمكن لهم أن يشنوا على الكيان الصهيوني حرباً، كونه لاتوجد لهم معه حدود مشتركة….
نعم، قد يكون العامل الأساسي في استمرار الكيان الصهيوني حتى تاريخه، هو وجود الكيان الوهابي، بل إن هذا هو علة وجود الكيان الوهابي، المحافظة على الكيان الصهيوني، ودعكم من كل ذاك الضجيج والدعاية التي سوقت لها وسائل الإعلام والمنابر الممولة أو المملوكة للسعودية، من إن السعودية تقف مع القضية الفلسطينية….
بما في ذلك، تلك الهمروجة، التي نتغنى فيها في تاريخنا، عندما أوقفت تلك المشيخات ضخ النفط بعيد حرب تشرين عام 1973، تلك الهمروحة التي ندعي فيها أن ذلك كان أول مرة يستعمل فيها البترول العربي كسلاح، نعم تلك اول مرة يُستعمل كسلاح، ولكن ضد كل القضايا العربية لاحقاً، تلك الهمروجة كان متفقاً عليها، وكان نتاجها تلك الطفرة المالية الهائلة، والتي كانت خزان دعم الإرهاب لاحقاً، بدءًا مما كان يسمى المجاهدين في أفغانستان عام 1979، وصولاً إلى داعش والنصرة، أو أن ذاك الفائض قد صب لاحقاً في البنوك وأسواق المال واقتصاديات الغرب….
طبعاً كان لابد من اغتيال الملك فيصل ملك الكيان الوهابي حتى تكتمل المسرحية، و لإعطاء العائلة الحاكمة في السعودية مصداقيتها ومشروعيتها، ولإعطاء قرار وقف الضخ بعده العروبي والقومي والاسلامي المشرف….
قامت العائلة المالكة في الأردن بدورها الوظيفي على أكمل وجه، على مدى القرن الماضي، في سياق تنفيذ كل المخططات الصهيونية والغربية في المنطقة، و في كل مراحل الصراع العربي الصهيوني لعب الكيان الهاشمي الدور الوظيفي الذي أنشأ من أجله، وصولاً إلى هذه الحرب التي شنت على سوريا، حيث كان الأردن الجبهة العربية الأولى التي فتحت على سوريا، وإحدى الجبهات المشتعلة في سياق هذه الحرب حتى تاريخه….
من جهة أخرى تعتبر يهودية الكيان في إسرائيل ركن أساسي واستراتيجي في العقيدة الصهيونية، الأمر ليس له علاقة بالحزب الحاكم في الكيان، يهودية الدولة تفترض نقاءً ديموغرافياً، العقيدة الصهيونية لن تسمح بإقامة دولة فلسطينية بأي شكل على أي جزء من أراضي فلسطين التاريخية، لأن دولة كهذه ستشكل خطراً وجودياً على الكيان، ودعكم من كل الاتفاقيات والمفاوضات والتصريحات في هذا السياق، كل ذلك في سياق كسب الوقت وإضعاف الخصم للوصول إلى الهدف النهائي، النقاء الديموغرافي الكامل للكيان….
الأردن يشكل تلك الجغرافيا التي يمكن أن تستقبل فائض الديموغرافيا من فلسطين، و إعادة تدوير تلك الجغرافيا التي تسمى المملكة الأردنية الهاشمية لتكون مستوعباً لتلك الملايين التي سيتم تهجيرها من فلسطين، قد يظن البعض أن هذا السيناريو خيالياً، ولكن عندما ظهر وعد بلفور عام 1917 أعتبر الجميع أن تنفيذه ليس إلا ضرباً من الجنون أو الخيال….
الخناق يضيق على العائلة الحاكمة في الأردن، ودورها الوظيفي يكاد ينتهي، وهم يدركون ذلك، والصراع غير المسبوق على العرش الذي حصل مؤخراً ضمنها، والذي لم تعرف ولن تعرف تفاصيله، لم ينتهي، ولكن خطوطه العريضة تتمثل ببساطة في سعي أطراف هذه العائلة المختلفة إلى تقديم خدمات أكبر في سياق إطالة أمد دورها الوظيفي، كلٌ من وجهة نظره….
الصراع ليس له علاقة بأية أجندات أردنية داخلية، والعامل الحاسم في حسمه هو عامل خارجي بحت، وهو امتداد لتنازع العوامل الخارجية في نظرتها إلى الدور الوظيفي للكيان الهاشمي والعائلة الحاكمة الآن وفي المستقبل.
لذا نرى أن الملك عبد الله وقع تلك الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة الامريكية، والتي تعطي القوات الأمريكية صلاحيات واسعة ضمن الأردن، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى يجب ملاحظة تحركات الأمير حمزة واتصالاته، رغم الإقامة الجبرية المفروضة عليه، فمازالت له شعبيته وحضوره بين بعض القبائل، وبعض قيادات الجيش الاردني، وهذا ما أكدته تقارير غربية، وغطاء هذا التحرك وشماعته الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب جداً في الأردن….
الكل في تلك العائلة الحاكمة يسعى إلى تقديم نفسه الخادم الأكثر إخلاصاً وفائدةً للمؤسسات الصهيونية والغربية….
لكن السؤال الجوهري الذي يطرح هنا، ماهو البديل عن العائلة الهاشمية في إطار تدوير الكيان والجغرافية والدور الأردني؟….
البديل هم الإخوان المسلمين، يمتلك الإخوان في الأردن قاعدة شعبية واقتصادية قوية، ولهم حضورهم وتأثيرهم الكبير. من نافلة القول أن التأسلم السياسي قدم خدمات جليلة للمخططات الصهيونية والغربية التي استهدفت هذه المنطقة وصولاً إلى هذه الحرب التي شنت على سورية، حيث كان لفكر التأسلم السياسي وكل الحركات الأصولية والإرهابية التي انبثق من صلبه الدور الأساس في كل الخراب الذي حل بسوريا، بل إن علة وجود التأسلم السياسي وحركاته، وأصلها الإخوان المسلمين، مواجهة القومية العربية التي كانت تحمل مشروعاً تنويرياً نهضوياً علمانياً…
الاردن سيصير المركز الرئيسي الجديد لحركة الإخوان المسلمين العالمية، بعد أن تم التضييق عليهم في مصر، وتصفية حركتهم هناك، وبعد أن صاروا يشكلون عبئاً على تركيا، وبعد وفاة القرضاوي في قطر…..
إن وجود كيان إخواني على الحدود الجنوبية من سورية، سيشكل خطراً داهماً وشاغلاً كبيراً لسورية، التي يدرك الغرب أنه قد خسرها لمئة عام بنتيجة هذه الحرب، بالإضافة إلى ذلك فإن الفكر الإخواني التأسلمي، هو الوحيد القادر على تسويق فكرة الكيان الفلسطيني البديل في الضفة الشرقية لنهر الإردن، واستيعاب كل فائض الديموغرافيا من فلسطين….
الكيان الهاشمي قد يكون مقبلاً على تطورات خطيرة كل عواملها موجودة، والضرر الذي سيصيب الاردن سيكون له تداعياته السلبية على سوريا، القضية ليست سقوط عرش، فذاك لا اسف عليه، القضية دماء وخراب و جغرافيا تزول….
(سيرياهوم نيوز ٤-خاص بالموقع)