ما زالت قضية الخلافات بين الأردن والكيان تستحوِذ اهتمام الإعلام الإسرائيليّ والمُختّصين ومراكز الأبحاث الذين يُحاولون سبر غور العلاقات بين الطرفيْن في محاولةٍ لاستشراف المُستقبل، وذلك على خلفية العلاقة السيئّة جدًا بين رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو والعاهل الأردنيّ، الملك عبد الله الثاني.
وفي هذا السياق رأى المُستشرق والباحث، د. ميخائيل ميليشتاين، أنّه “في الأسابيع الأخيرة تراكمت إشارات مقلقة من جانب الأردن تتطلب انتباهًا خاصًّا من متّخذي القرارات في إسرائيل، والمقصود مزيج من اضطراباتٍ داخليّةٍ في المملكة ناجمة عن مشكلات أساسية قديمة، وتوترات جديدة بدأت بالظهور في العلاقات بين الدولتين، وناجمة بالأساس عن التخوف الأردنيّ من الخطوات التي يمكن أنْ تتخذها الحكومة الجديدة بشأن المسجد الأقصى.”
ولفت إلى أنّه “فيما يتعلّق بالتوتر الداخليّ، فقد جرى إخماده تدريجيًا، والسلطة في الأردن ليست على حافة الانهيار. لكن تراكُم الأحداث الأخيرة، غير المسبوق نسبيًا من حيث الخطورة، يشكل دليلاً على عدم الاستقرار الدائم الذي تعانيه المملكة، وإشارة إلى المجتمع الدوليّ والعالم العربيّ، وإلى إسرائيل، إزاء التداعيات الاستراتيجيّة التي يمكن أنْ تقوّض العرش الهاشمي، وتؤدي إلى سقوطه”.
وأوضح أيضًا أنّه “يجري الاحتجاج الاقتصاديّ والشعبيّ في الأردن على خلفية التوترات مع إسرائيل، بينما يشعر كثيرون في المملكة بالقلق إزاء الخطوات التي يمكن أنْ تتخذها الحكومة الجديدة، وفي هذا الإطار يبرز خوف مزدوج: الخوف من أنْ ينعكس تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي على الأجواء في الشارع الأردني (نظرًا للمكانة الخاصّة للمملكة في الحرم)، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة حدّة التأجيج ضدّ الحكم في الأردن، وتخوّف عدد قليل من الناس في الأردن من احتمال قيام الحكومة الإسرائيليّة الجديدة بإعادة إحياء أفكار، مثل تحويل المملكة إلى حلّ للمشكلة الفلسطينية، وهذه الفكرة اختفت بعد توقيع اتفاق السلام بين الدولتين في العام 1994”.
ومضى المستشرق: “على هذه الخلفية، أشار الملك عبد الله في مقابلةٍ أُجريت معه الأسبوع الماضي إلى أنّ القدس والحرم القدسي هما “خطان أحمران” بالنسبة إلى الأردن، وبرزت الإدانة الشديدة من المملكة لزيارة وزير الأمن القوميّ إلى الحرم (في 3 كانون الثاني/يناير)، والتي وصفتها المملكة “بالاستفزازية”، و”تشكل خرقًا للوضع القائم”، وترافق هذا مع استدعاء السفير الإسرائيليّ في عمّان وتوبيخه”.
ولفت المستشرق، الذي يعمل باحثًا في معهد السياسات والاستراتيجيات التابع لجامعة رايخمان الإسرائيليّة، لفت إلى أنّ “الإشارات المقلقة من الأردن يجب أنْ توقظ من جديد إدراك الأهمية الاستراتيجيّة للأردن بالنسبة إلى إسرائيل، بصفته كابحًا لتهديدات أمنية- رسمية وغير رسمية يمكن أنْ تبرز بقوّةٍ على حدود إسرائيل، وشريكًا في معسكرٍ إقليميٍّ، هدفه كبح نفوذ إيران في المنطقة”.
د. ميليشتاين أضاف أنّ “النظام في الأردن يتحدى في أحيان كثيرة سياسيًا إسرائيل، ويستخدم لغة حادة واستفزازية ضدها، لكن يجب أنْ نتذكر دائمًا أنّ البدائل من النظام الحالي في المملكة يمكن أنْ تكون أسوأ بكثير”، مُوضحًا أنّ “الواقع في الأردن والحساسية المتزايدة في العلاقات بينه وبين إسرائيل، تشكل “طنجرة ضغط” يتعيّن على الحكومة الجديدة أنْ تعرف وتدرك عواقب انفجارها، وأنْ تسعى لبلورة سياسةٍ حذرةٍ وحكيمةٍ في هذا الشأن.”
المستشرق شدّدّ على أنّ “الوضع في الأردن محفوف بالمخاطر وقابل للانفجار، وهو يشبه الوضع في الضفة الغربية، وفي الحالتين، نوصي حكومة نتنياهو بمواصلة السياسة الحالية وعدم تبنّي مقاربة ثورية يمكن أنْ تتسبب بتغييرٍ دراماتيكيٍّ وسريعٍ في خريطة التهديدات الاستراتيجيّة لإسرائيل، وتجعل من الصعب عليها التركيز على التحدي القومي الأهم بالنسبة إليها، إيران”.
وأضاف في مقاله، الذي نقلته للعربيّة مؤسسة الدراسات الفلسطينيّة، “نوصي متّخذي القرارات بالقيام بعدد من الخطوات: فحص إجراء حديث أو لقاء في وقت قريب بين رئيس الحكومة نتنياهو والملك الأردنيّ، الاستمرار في العلاقات الوطيدة بين الدولتين على الصعيدين الأمنيّ والمدنيّ”.
“الامتناع من (تبادُل السجال الإعلاميّ)، وخصوصًا التهديد بالحدّ من العلاقات الاقتصادية، أوْ بتزويد الأردن بالمياه، وبصورةٍ خاصّةٍ التصريحات التي تزعزع جوهر وجود المملكة”
المُستشرِق أوضح ضرورة “مساعدة الأردن في جمع الدعم الاقتصاديّ الخارجيّ من العالمين الغربيّ والعربيّ”.
وخلُص د. ميليشتاين إلى القول إنّ “الأهّم من كلّ شيءٍ، بلورة سياسة حذرة في موضوع الحرم القدسي، أساسها المحافظة على الوضع الذي كان قائمًا حتى بداية ولاية الحكومة الحالية، بشأن كلّ ما له علاقة بزيارة اليهود إلى الحرم، والامتناع من زيادة عدد الزائرين، أوْ اتخاذ خطواتٍ أُخرى يمكن أنْ تنعكس سلبًا على الوضع في غزة، وعلى الجمهور العربيّ في إسرائيل، وتقوّض العلاقات مع دول المنطقة، وفي طليعتها الدول المشاركة في (اتفاقات أبراهام)”، على حدّ قوله.
وكان آخر اجتماع عُقِد بين نتنياهو والملك عبد الله، قد تمّ في العام 2018 وخلاله طويت صفحة الخلاف الذي نشب بين الطرفين، بعد قيام حارس سفارة الكيان بالأردن، بقتل مُواطنيْن محلييْن، والهرب مع السفيرة عينات شلاين، وطاقمها عودةً لتل أبيب، حيث استقبلهما نتنياهو بحفاوةٍ بالغةٍ، وتمّ نشر الصورة التي جمعت شلاين ومويال مع رئيس الوزراء في ديوانه بالقدس المُحتلّة، الأمر الذي أثار غضب الأردنيين، قيادةً وشعبًا.
سيرياهوم نيوز 4-راي اليوم