بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الأكثر تطرّفًا في إسرائيل، يُعاني من “متلازمة إيران”، فمنذ أكثر من عقديْن من الزمن يُطلِق التهديدات الجوفاء بالقضاء على البرنامج النوويّ الإيرانيّ، ويؤكِّد مرّةً تلو الأخرى أنّ الضربة العسكريّة باتت قاب قوسيْن أوْ أدنى، ومع ذلك، وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه الكيان من الولايات المُتحدّة والغرب وبعض العرب، إلّا أنّ التهديدات ما زالت حتى اللحظة فارغةً من أيّ مضمونٍ عملياتيٍّ.
في السياق، ذكرت مصادر سياسيّة واسعة الاطلاع في تل أبيب أنّ جاك سوليفان مستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ سيصل الكيان خلال الأيّام القريبة القادمة، لافتةً إلى أنّ “إيران ستكون على رأس قائمة أولوياته خلال زيارته”.
ووفقًا للإعلام العبريّ فهذه ستكون الزيارة الأولى لعضوٍ بارزٍ في إدارة الرئيس جو بايدن، وبعد شهور كان الخوف الأكبر في إسرائيل هو عودة الولايات المتحدة للاتفاق النوويّ، فقد أكد سوليفان أنّ “واشنطن وضعت جانبًا هذه الجهود”، ما يسلط الضوء على أهم الأسباب التي دفعتها لهذا الانسحاب الذي لقي ترحيبًا لافتًا في تل أبيب.
ونقلاً عن محافل وازنةٍ في إسرائيل أكّدت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة أنّ “السبب الأول هو المساعدات الإيرانيّة لروسيا في حربها ضدّ أوكرانيا، وتسليمها عددًا كبيرًا من الطائرات الانتحاريّة من طراز شهد 136، استخدمها الروس في عدد من الهجمات، بما في ذلك العاصمة كييف“.
“كما تسببت بشلّ إمدادات الكهرباء لأوكرانيا، بل إنّ روسيا تقدّمت لإيران بطلبٍ للحصول على ترخيصٍ لتصنيع الطائرات دون طيّارٍ داخل أراضيها، وقد منحت الأخيرة هذا الترخيص دون ترددٍ، ليس فقط للاعتبارات الماليّة، ولكنْ لأنّ العلماء والمهندسين الروس يمكنهم تحسين المدى والدقة والقدرة التدميريّة للطائرات الإيرانيّة دون طيّارٍ، كما نقلت الصحيفة العبريّة عن المصادر في تل أبيب.
المصادر عينها أضافت بحسب الصحيفة أنّه “منذ بدء نقل الطائرات الإيرانيّة المُسيّرة إلى روسيا فقد فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على الإيرانيين المتورطين بإنتاجها وتوريدها، وفرضت قبل أيّاٍمٍ عقوباتٍ جديدةٍ على شركة صناعيّةٍ عسكريّةٍ إيرانيّةٍ مسؤولةٍ عن تصميمها وإنتاجها، لأنّ واشنطن تشعر بالقلق من احتمال توسيع التعاون العسكريّ بين روسيا وإيران، طبقًا للمصادر الإسرائيليّة واسعة الاطلاع.
ورأت الصحيفة أنّ “الأمر قد يمتد لتزويد موسكو بالصواريخ أيضًا، الأمر الذي دفع سوليفان لاتهام إيران بالتورّط في جرائم حرب واسعة النطاق بسبب هذه المساعدات، ولعلّنا أمام تغييرٍ في اتجاه الخطاب الأمريكيّ تجّاه إيران، ولعلّها الاتهامات الأشد خطورة حتى الآن.”
المصادر الإسرائيليّة أوضحت أنّ “السبب الثاني هو المظاهرات والقمع العنيف والإعدامات في إيران منذ أيلول (سبتمبر)، حيث اجتاحتها مظاهرات احتجاجية قُتل فيها أكثر من خمسمائة متظاهرًا وسبعون من أفراد الأمن، واعتقال عشرين ألفًا، ممّا أثار إدانات من جميع أنحاء العالم واحتجاجات في أوروبا وأمريكا، واستدعاء ممثلين دبلوماسيين لإيران في عواصمهم لتوبيخهم، وأعلن سوليفان أنّه يجب أنْ نضع حدًا فوريًا لانتهاكات حقوق الإنسان هذه“.
الصحيفة العبريّة لفتت إلى أنّ “السبب الثالث لتغير الموقف الأمريكيّ من إيران هو الملف النوويّ، حيث رفضت أنْ تكون مرنةً، بينما مارست الحكومة الإسرائيليّة السابقة ضغوطًا كبيرةً في الوقت نفسه لعدم الاستسلام لها، ممّا وضع أوروبا والولايات المتحدة في فخّ، لأنّهما لا تريدان أنْ يُنظر إليهما على أنّهما تنازلتا لإيران، وفي الوقت ذاته سعتا للوصول لاتفاقٍ، لكن مطلبًا إشكاليًا وقف على رأس قائمة الخلافات الدولية وهو مطالبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بإغلاق التحقيقات بشأن مخلفات اليورانيوم التي تمّ العثور عليها في مواقع مختلفةٍ، نقلتها إسرائيل إليها من (الأرشيف النوويّ) الذي سرقه الموساد من طهران في العام 2018”.
وأكّدت الصحيفة، اعتمادًا على نفس المصادر أنّ “السبب الرابع هو التعاون الإسرائيليّ الأمريكيّ، عقب تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن “الوقت قد حان لكي تتفقان مع دولٍ أخرى للقتال ضدّ إيران”، متوقعًا التحدث عن هذا الأمر مع بايدن، بعد وقت قصير من إعلان سوليفان أنّه سيزور إسرائيل، كما أنّ وزير الشؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر سيبحث الأمر مع مسؤولين في البيت الأبيض ووزارة الخارجيّة”.
الخلاصة الإسرائيليّة المرحب بها أن الإدارة الأمريكية أوضحت أنّ الاتفاق النوويّ مع إيران ليس أولويةً، وهي خطوة مبكرة جدًا في عهد علاقة واشنطن بتل أبيب في الملف الإيرانيّ، ما قد يعبّد طريق نتنياهو للبحث في الخطوة التالية المتمثلة بتنفيذ هجومٍ على بعض المنشآت النوويّة الإيرانيّة، خاصّةً وهو يرى تباعدًا أمريكيًا إيرانيًا متزايدًا، لكن التقديرات العسكرية بين تل أبيب وواشنطن ربّما لا تتفقان بمدى جدوى مثل هذا الهجوم الذي يمثل لنتنياهو حلم حياته، على الأقل حسب قوله.
جديرٌ بالذكر أنّ رئيس أركان جيش الاحتلال أفيف كوخافي، قال إنّ “قواته حسّنت من جاهزيتها لضرب أهدافٍ نوويّةٍ إيرانيّةٍ، ومستوى الاستعداد لعمليةٍ في إيران قد تحسّن بشكلٍ كبيرٍ”، على حدّ تعبيره.
وأضاف، بحسب صحيفة (جروزاليم بوست) الإسرائيليّة: “سأقول أكثر من ذلك، سيكون الجيش الإسرائيليّ جاهزًا لليوم الذي يتّم فيه إصدار أمر بالعمل ضد البرنامج النوويّ وسينجز المهمة التي يتم تكليفه بها”.
ولفت إلى أنّ “رؤية إيران لإنشاء حزب الله ثانٍ في سوريّة تعثرت، فضلاً عن محاولات نشر مئات صواريخ أرض أرض، وعشرات آلاف المقاتلين من المليشيات الشيعية“، على حدّ زعمه.