بدأت شجيرات الكيوي تترسّخ بهدوء في قرية البرجان بريف جبلة لتعلن عن ولادة تجربة زراعية جديدة تتجاوز المألوف، وتكسر طوق الزراعة التقليدية في الساحل السوري، وبين بساتين الزيتون والحمضيات التي تمتد على التلال الخضراء، تبرز محاولات جادّة لاختبار إمكانية زراعة فاكهة لطالما ارتبطت بالأسواق الخارجية والاستيراد.
المزارع عبد الله يونس من قرية البرجان تحدث عن تجربته لافتاً إلى أنه بدأ بزراعة شتلات الكيوي قبل نحو خمس سنوات، حين قرر اختبار هذه الفكرة على مساحة صغيرة. ومع مرور الوقت، توسعت التجربة تدريجيًا، ليصل عدد الأشجار المثمرة لديه اليوم إلى أكثر من مئتي شجرة، مبيناً أن التربة أظهرت تجاوباً جيداً، وأن السوق المحلية كانت متقبّلة للمنتج، ما شجعه لأن يستمر في هذا المشروع.
من مخاطرة فردية إلى مشروع ريفي
السيدة أم نذير عفيف، وهي مزارعة تدير بستاناً صغيراً مع أسرتها، تروي لصحيفتنا “الحرية” كيف تحولت هذه الزراعة من مغامرة فردية إلى تجربة تشاركية داخل قريتهم. مبينة أن كثيرين لم يصدقوا في البداية أن الكيوي سينجح في هذا المناخ، لكنها التزمت مع أسرتها بكل التعليمات الزراعية التي حصلوا عليها، وشيئًا فشيئًا بدأ الإنتاج يتحسن ويتم تسويقه بسهولة في أسواق جبلة واللاذقية. وتوضح أن الكيوي ليس محصولاً سهلًا من حيث العناية والجهد، لكن قيمته التسويقية العالية تجعله مجدياً رغم التحديات.
زراعة لا تشبه غيرها
وفي السياق نفسه أشار المهندس الزراعي علي ديب المشرف على أحد مشاريع زراعة الكيوي في البرجان إلى أن هذه الزراعة لا تشبه أنماط الزراعة التقليدية المعروفة في الساحل السوري، مبيناً أن فاكهة الكيوي تحتاج إلى ظروف دقيقة، بدءاً من نوعية التربة الغنية عضوياً، مروراً بالري المنتظم، وانتهاء بالحماية من التقلبات المناخية.
وبين ديب أن الكيوي نبات حساس، لا يحتمل الصقيع، ويحتاج إلى مصدّات رياح فعالة، فضلاً عن ضرورة وجود شجيرات ذكرية لتلقيح الأنثوية، وإلا فلن تثمر الأشجار مهما توتفرت لها الشروط الأخرى.
وأضاف إن مناخ البرجان المعتدل نسبياً يوفر بيئة مناسبة لكن التحديات الموسمية تفرض نفسها وتستوجب حلولًا تقنية مبتكرة، مثل استخدام الأغطية البلاستيكية في الشتاء، بالإضافة إلى تعديل أساليب السيولة بحسب تغيرات الطقس، ويرى ديب أن المرحلة القادمة تتطلب بناء إطار تنظيمي واضح يربط بين المزارعين والخبرات بالأسواق، معتبراً أن زراعة الكيوي لم تعد مجرد تجربة فردية، بل باتت تستحق أن تتحول إلى نشاط تعاوني مدعوم.
تحديات لم تُحل بعد
رغم المؤشرات المشجعة التي سجلتها زراعة الكيوي في ريف جبلة، ما زالت هذه الزراعة الناشئة تصطدم بجملة من التحديات، فالإرشاد الفني المتخصص شبه غائب، ما يضطر المزارعين إلى الاعتماد على تجاربهم الذاتية. كما يواجهون صعوبات في الحصول على شتول عالية الجودة، خاصة مع ارتفاع أسعارها وقلّة توفرها في السوق المحلية.
أيضاً تعاني هذه الزراعة من ضعف واضح في البنية التحتية التسويقية، حيث تغيب عنها المستلزمات الأساسية من برادات التخزين ووسائل النقل المبردة، ما يجعل تسويق المحصول تحدياً إضافياً، وعلى رأس هذه العقبات يبرز غياب الدعم الرسمي، سواء من حيث تقديم القروض الزراعية أو إطلاق برامج تشجيعية موجهة، ما يضع عبء الاستمرارية بالكامل على كاهل المزارعين.