آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » اللاجئون السوريون.. سلاح متعدد الأطراف والأهداف

اللاجئون السوريون.. سلاح متعدد الأطراف والأهداف

كان من الواضح أن هناك استعدادات مسبقة لإيجاد سلاح اللاجئين قبل حدوث الاضطرابات المدنية، فبُنيت مخيمات اللجوء على الجانب التركي من الحدود السورية، قبل اندلاع الاضطرابات في مدينة درعا السورية ببضعة أيام.

 

برز الصراع حول اللاجئين السوريين من جديد، كمادة للصراع الدولي والإقليمي خلال الأشهر الماضية، إن كان في أروقة الأمم المتحدة، أم في أروقة الدول الغربية والإقليمية، لتأكيد مادة اللاجئين كعنوان من عناوين استمرار الصراع، وارتباطها بالساحات المتعددة للصراع، الذي يُخاض بالعناوين العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 

ما أبرز هذا المحتوى، بشكل جلي، هو قرار الاتحاد الأوروبي من جهة واحدة، والذي هدّد من خلاله أركان الدولة اللبنانية المختلفة، التي أجمعت على حجم الضغوط المالية والسكانية، التي نتجت من لجوء السوريين إلى لبنان، إثر الحرب في سوريا، وتهديده الفعلي للقوى السياسية المحسوبة عليه من التعاطي مع هذا الملف، بما لا يصب في المصلحة الغربية عموماً، والأميركية- الإسرائيلية خصوصاً، لدرجة اعتذار وزير الخارجية اللبنانية عبد الله بو حبيب، عن ترؤس الوفد الرسمي اللبناني، الذي سيتوجه إلى دمشق، لبحث هذا الملف الإشكالي شديد التعقيد.

 

منذ أن انتهى مؤتمر “الناتو”، الذي عُقد في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2010، والذي أخذ بمقترحات لجنة الحكماء الإثني عشر، وتوكيل تركيا بشكل أساسي ومعها فرنسا، بالمسؤولية عن ملف بلاد الشام، بدأ التحضير لإدارة “الربيع العربي”، الذي وجد في السياسات الداخلية للدول العربية أرضاً خصبة لتحقيق إنجازاته المدمرة، في المنطقة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وشرقه.

 

كان من الواضح أن هناك استعدادات مسبقة لإيجاد سلاح اللاجئين قبل حدوث الاضطرابات المدنية، فبُنيت مخيمات اللجوء على الجانب التركي من الحدود السورية، قبل اندلاع الاضطرابات في مدينة درعا السورية ببضعة أيام، لتأمين 50 ألف لاجئ، بما يؤمن التبرير القانوني لتدخل الأمم المتحدة، بعد طرحه على مجلس الأمن الدولي.

 

لم يحقق الانقسام الدولي الأرضية المناسبة للتدخل العسكري، أسوةً بما حصل في ليبيا، بعد أن اكتشفت روسيا والصين الخديعة التي تعرضت لها كلتا الدولتين، في مجلس الأمن الدولي، وتوفير السبيل القانوني لتدخل حلف “الناتو” العسكري في ليبيا، وإطاحة النظام السياسي للرئيس معمر القذافي.

لم يحقق الانقسام الدولي الأرضية المناسبة للتدخل العسكري، أسوةً بما حصل في ليبيا، بعد أن اكتشفت روسيا والصين الخديعة التي تعرضت لها كلتا الدولتين، في مجلس الأمن الدولي، وتوفير السبيل القانوني لتدخل حلف “الناتو” العسكري في ليبيا، وإطاحة النظام السياسي للرئيس معمر القذافي.

 

مع اشتداد الحرب في سوريا، تحوّل اللاجئون السوريون إلى سلاح متعدد الأطراف، تبعاً لكل دولة استثمرت فيه، ففي تركيا تم استثمار تدفق اللاجئين المستمر على مستوى السياسات الداخلية التركية من جهة، وفي بناء توجهات سياسية جديدة للسوريين مغايرة لنظامهم السياسي، بما يتيح لتركيا لعب دور أساسي في المستقبل السياسي المأمول لها، ثم التعويل على إعادتهم إلى مناطق الشمال السوري الذي احتلته بعد عام 2018، لتحقيق مشروع الميثاق المللي، لضم كامل المنطقة الشمالية الخصبة من سوريا، أُسوة بلواء إسكندرون وشمال قبرص.

 

ولم يتوقف استغلالهم كسلاح عند هذه الحدود، فتم استخدامهم للضغط على الاتحاد الأوروبي، بدفعهم إلى التدفق نحو دول الاتحاد منذ عام 2015، وإفراغ سوريا من خيرة شبابها، الذين انسدَّت أمامهم الآفاق، وتحطمت أحلامهم، في صراع لا يرون نهاية له، ليتحولوا إلى مادة ابتزاز للاتحاد الأوروبي مالياً وسياسياً من جهة، وفي الوقت نفسه، هم حلٌّ للفجوة السكانية الشبابية لمجتمعات هرمة بنخبهم، وعنصر ضغط عليها بالمجموعات غير القادرة على الاندماج أو الاستفادة منهم كخبرات معوّضة للنقص المهني لديها.

 

الأمر لم يتوقف عند تركيا، فلبنان المنقسم على نفسه، بين الشرق والغرب من لحظة تأسيسه غربياً، تحوّل اللاجئون إلى مادة لتباين الرؤى بين الفريقين، فالفريق الغربي التموضع عمل على استثمارهم وفق الرؤية الغربية، كبنية سكانية مستجدة تستطيع الإخلال بالتوازن الطائفي، بما يخدم مشروع استمرار الهيمنة الغربية، وبما يستغل الجزء الأكبر من التدفقات المالية الدولية لمخيمات اللجوء، بينما الفريق الثاني تعاطى معهم بدوافع أخلاقية، كخصخصة ذاتية، وردّ الجميل لما قدّمه السوريون في حرب تموز 2006، بعد حركة النزوح الكبيرة للبنانيين الجنوبيين تجاه المناطق السورية كافة، فأمّن لهم هذا الفريق المنازل اللائقة والعمل والمساعدات الضرورية، بما يؤكد وحدة الساحات في مواجهة المشروع الغربي-الإسرائيلي.

 

تحوّل اللاجئون إلى سلاح سلبي على الدول التي استخدمتهم بعد المتغيرات السياسية الداخلية، وظهور الانقسام حولهم كأداة للصراع الداخلي، وخاصةً بعد أن تقلصت الفوائض المالية لدعم بقائهم في هذه الدول، وبعد أن غضَّت دمشق النظر عن رحلة لجوء السوريين إلى دول الجوار ودول الاتحاد الأوروبي، بما يشكل ذلك من ضغوط على هذه الدول، ويخفف عنها أعباء تأمين الاحتياجات الأساسية لحياتهم، وبما يمكنهم أن يساعدوها بالتخفيف من التزاماتها تجاه سوريي الداخل، الذين عجزوا عن الهجرة واللجوء، عن طريق المساعدات التي يرسلونها إلى عوائلهم، بالإضافة إلى القطع الأجنبي المتداول في الأسواق خارج سيطرتها، ولكنه بالمحصلة يساهم في التخفيف من أعباء تأمينه لاحتياجات تأمين المستلزمات الخارجية، وهم بهذه النتيجة تحولوا إلى أداة ضغط على من استخدموهم كسلاح ضدها.

تحوّل اللاجئون السوريون من جديد إلى مادة اختبار، في وجه آخر من الصراع الدولي، بعد الظهور الصيني في المنطقة، من بوابة خطوات التقارب السعودي-الإيراني، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية بدوافع مختلفة للأطراف العربية المنقسمة بين الشرق والغرب، وأصبحوا شرطاً أساسياً لأي حل سياسي في سوريا، وفقاً للقرار 2254، وتبعاً لتوجهات صراع القوى العظمى المتناقضة، والقوى العربية والإقليمية المتناقضة الاصطفافات والأهداف والمصالح.

 

أصبح مصير اللاجئين السوريين خارج إرادتهم، فهم أصبحوا رهينة تناقض مصالح القوى الدولية والإقليمية، في ظل غياب شبه كامل لأبسط وسائل الحياة في بلدهم، وعدم يقينهم من استتباب أمورهم الأمنية، حال عودتهم الطوعية إلى مناطقهم، وهم قد يتحوّلون إلى سلاح جديد، في مرحلة جديدة من الصراع، بدفعهم إلى العودة جماعياً من دول الجوار، وبغطاء من المؤسسات الدولية، التي يمكن أن تؤمن لهم سبل الحياة الأساسية، من دون اتفاق على التعافي الاقتصادي، وتأمين البنى التحتية الأساسية لهم، والبدء بإعادة الإعمار، بما يزيد من الضغوط على مستقبل سوريا السياسي، وبما يتيح للولايات المتحدة الفرصة لاستمرارها كقوة مهيمنة وحيدة القطب في العالم.

 

أمر هؤلاء اللاجئين السوريون يحتاج إلى تعاطٍ مختلف، لمنع استغلالهم، وإسقاطهم كسلاح في الصراع الدولي، من بين أيدي الذين يستغلونهم، والأمر يحتاج إلى توفير البيئة الآمنة لهم، وتأمين الاحتياجات الاقتصادية الأساسية لهم، مثلما يحتاج الباقون في سوريا، وهذا أمر ما زال بعيداً حتى الآن.

 

سيرياهوم نيوز 1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الخارجية الأمريكية: نأمل أن يمثل تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة إيجابيّة نحو سوريا شاملة

    أعربت وزارة الخارجية الأمريكية عن أملها بأن يمثل تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة إيجابيّة نحو سوريا شاملة وتمثيلية.   ونشرت السفارة الأمريكية في دمشق ...