أكدت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل أن عمل اللجنة ليس إلا بداية لتحقيق العدالة والقصاص من الجناة وإنصاف الضحايا، وكشف الحقيقة لتعزيز الاستقرار والسلم الأهلي في البلاد، مشيرة إلى أن الجهات الحكومية لبت كل طلبات اللجنة للتعرف على هوية الشخصيات الممكن ضلوعها في الانتهاكات.
وخلال مؤتمر صحفي عقده بدمشق رئيس اللجنة القاضي جمعة العنزي، والمتحدث الرسمي باسمها المحامي ياسر الفرحان، استعرضت اللجنة منهجية عملها وآليات التحقق من الوقائع والنتائج والتوصيات التي توصلت إليها، مشددة على التزامها بالمعايير القانونية والمهنية، واعتمادها منهجية دقيقة بالتعاون مع الجهات الرسمية والمنظمات الدولية.
ووجهت اللجنة في مستهل المؤتمر تعازيها الحارة لأسر الضحايا من المدنيين والعسكريين، مؤكدة أنها أنهت عملها ضمن المدة المحددة في قرار إنشائها، وسلمت تقريرها النهائي مع كامل المرفقات إلى رئيس الجمهورية يوم الـ 13 من تموز الجاري، بعد عودته من زيارة خارجية، حيث تزامن ذلك مع أول أيام الدوام التالية لانتهاء ولاية اللجنة، وأن الأحداث الأخيرة في الجنوب أخرت هذا الظهور الإعلامي.
وقالت اللجنة في بيان تلاه المتحدث باسمها المحامي الفرحان: إنه بمبادرة من الحكومة السورية وإيماناً منها ومن اللجنة بتعزيز الحق، وبنشر مضمون التحقيقات والنتائج الرئيسية، نوضح بدايةً أن نص بيان مؤتمرنا الصحفي هذا يشكل ملخصاً قابلًا للتداول، ريثما تبت الرئاسة في كيفية التعامل مع باقي عناصر التقرير من النواحي الحقوقية والقضائية والأمنية والعسكرية والسياسية، وفقاً لما هو شائع في آليات وإجراءات التعاطي مع تقارير لجان التحقيق الوطنية والدولية.
وأوضح البيان أن اللجنة الوطنية المستقلة للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل المشكلة بقرار رئيس الجمهورية، اعتمدت في أداء مهامها على الرصد العام والتقصي والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات المرتكبة ضمن إطار ولايتها، الممتدة مكانياً في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، وزمانياً للنظر في أحداث مطلع شهر آذار وما يليها، وموضوعياً للبحث في الظروف والملابسات التي أدت إلى وقوع الأحداث، وللتحقيق في الانتهاكات التي تعرَّض لها المدنيون، وللتحقيق في الاعتداءات على المؤسسات الحكومية ورجال الأمن والجيش، وتحديد المسؤولين عن كل منها، وإحالة من يثبت تورطهم إلى القضاء.
وأشار البيان إلى أن اللجنة تواصلت بشفافية مع السوريين والسوريات بشكل مباشر وعبر الإعلام، وعقدت اجتماعات متعددة ومفيدة مع مختلف أطراف المجتمع الأهلي والمدني وممثلي النقابات المهنية، ومعظم الشخصيات من النخب والأعيان والوجهاء.
وجاء في البيان أن اللجنة زارت 33 موقعاً، وعاينت أماكن الوقائع، وكشفت على المقابر وأماكن الدفن المتعددة، ووصفت مشاهداتها بحضور المخاتير ورجال الدين وعدد من ممثلي العائلات، وأنه على أرض الواقع عقدت اللجنة لقاءات عدة مع عشرات الشخصيات في كل من البلدات، واستمعت في جلسات منفصلة إلى الشهود من أفراد العائلات، ودونت عنهم 938 إفادة، منها 452 متعلقة بحوادث قتل، و486 متعلقة بالسلب المسلح أو السرقة أو حرق البيوت والمحال التجارية أو التعذيب.
وأضاف البيان: إن اللجنة أشركت في عملها بتدوين الإفادات سبع مساعدات قانونيات مختصات ينتمين إلى الشريحة المتضررة من الطائفة العلوية، إضافة إلى ثلاث سيدات من عائلات الضحايا شاركن اللجنة جلسات الاستماع في الرصافة، مبيناً أن اللجنة استمعت كذلك إلى 23 إحاطة وإفادة من مسؤولين في الجهات الرسمية، واستجوبت المشتبه بهم الموقوفين، واتخذت الإجراءات اللازمة لإحالتهم إلى القضاء.
وأشار البيان إلى أن اللجنة أجرت مشاورات مركزة مع الجهات الدولية المعنية في الأمم المتحدة من خلال اجتماعات رفيعة المستوى مع كل من مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية، ورئيس وأعضاء وفريق اللجنة الدولية للتحقيق في الجمهورية العربية السورية، ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، ومكتب المبعوث الدولي إلى سوريا، ومع منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وناقشت اللجنة في اجتماعاتها ومراسلاتها آليات اعتماد أفضل السبل والمعايير والإجراءات الممكنة في التحقيق.
وشدد البيان على أن اللجنة اتبعت خلال عملها الأصول القانونية المبينة في لائحة اختصاصاتها ومعاييرها للحفاظ على مبادئ الاستقلالية والحياد والموضوعية والمهنية والاتساق والشفافية وعدم الإضرار والسرية وتوفير سبل حماية من يطلب من الشهود عدم الإفصاح عن بياناتهم الشخصية، وبما ينسجم مع إجراءات النزاهة التي ستتبعها الحكومة، مضيفاً: إنه رغم التحديات الأمنية والمخاطر المحيطة بأماكن عمل اللجنة لتواجد “الفلول” فيها استمرت في أداء مهامها على أرض الواقع بوصول كاف لمواقع الأحداث وأماكن إقامة الشهود، فاكتسبت درجة معقولة من المصداقية لدى عائلات الضحايا، والأطراف الأممية المعنية.
وقال البيان: إنه جدير بالتوضيح أن اللجنة عرّفت ما شاعت تسميتهم بـ “الفلول” بأنهم بقايا مجموعات مسلحة منظمة مرتبطة بنظام الأسد السابق، خارجة على القانون وشرعية الدولة، كما توضح اللجنة أنها بنت استنتاجاتها على الشبهة وليس على الدليل القاطع الذي يكون عادة في المحاكم، وأنها في سبيل عدم الإضرار لم تظهر أسماء المشتبه بهم وقد نظمت أسماءهم في جداول ملحقة بالتقرير، وأنها تكتمت على أسماء بعض الشهود الذين يخشون من كشف أسمائهم الصريحة.
وأوضح البيان أن اللجنة فحصت المعلومات والوثائق والتقارير والإفادات والقرائن والأدلة الحسية والرقمية، وبنت استنتاجاتها على ما توصلت إليه من قناعات كونها أعضاؤها خلال فترة أربعة شهور محددة بالنطاق الزمني لولايتها تتضمن فترة التمديد الصادر بقرار السيد رئيس الجمهورية.
وأشار البيان إلى النتائج الرئيسية بالقول: منذ أن تحررت سوريا من نظام الأسد وحتى بدايات آذار غلبت في مناطق السَّاحل وعموم البلاد حالة من الهدوء، ولوحظ خلالها درجة مقبولة من سلوك عناصر الأمن العام والقوات الحكومية في الانضباط والالتزام بتعليمات وسياسات الدولة في حماية المدنيين، وبمساعيها في حفظ الاستقرار والسلم الأهلي، ورغم عدم وقوع فوضى أو أعمال ثأرية واسعة تعرضت مناطق عدة لانتهاكات مختلفة بحق المدنيين، ولأعمال عدائية تعرضت لها القوات الحكومية.
وأضاف البيان: إنه في يوم 6 آذار 2025 نفذ الفلول سلسلة عمليات عدائية واسعة، استهدفوا فيها بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة مقرات الجيش والأمن العام، والحواجز والدوريات التابعة لها، وقطعوا الطرقات الرئيسية، وقتلوا حسبما توصلت له اللجنة 238 شاباً من عناصر الأمن والجيش في محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، بعضهم قُتلوا بعد أن ألقوا سلاحهم نتيجة لمفاوضات جرت بوساطة الوجهاء، وبعضهم قتلوا وهم جرحى يتلقون العلاج، وبعضهم قتلوا وهم أسرى، ودفن الفلول بعضهم في مقبرة جماعية، واستهدفوا الطرق العامة والمستشفيات، وأخرجوا ستة منها عن الخدمة، كما قتلوا عدداً من المدنيين السنة وفقاً لمعلومات تبلغتها اللجنة ولم تتمكن من تدوين بياناتهم وفقاً لمعاييرها.
وتابع البيان: إنه من خلال إفادات الشهود من عائلات الضحايا وأهالي المنطقة والموظفين الحكوميين ومحاضر استجواب الموقوفين وبفحص الأدلة الرقمية وقرائن وأدلة أخرى، توصلت اللجنة إلى أسماء 265 من المتهمين المحتملين، المنضمين إلى مجموعات المسلحين المتمردين الخارجين عن القانون، المرتبطين بنظام الأسد والشائع تسميتهم بـ “الفلول” وممن توفرت لدى اللجنة أسباب معقولة للاشتباه بتورطهم في جرائم وانتهاكات جسيمة كالشتم بعبارات طائفية والسلب المسلح، والتعذيب والقتل الواقع على موظفين خلال قيامهم بوظائفهم والتمثيل بجثثهم وقتل المدنيين، وإثارة النعرات الطائفية، ومحاولة سلخ جزء من أراضي الدولة السورية عن سيادتها وفق أحكام قانون العقوبات السوري العام رقم 148 الصادر عام 1949 وقانون العقوبات العسكري رقم 61 الصادر عام 1950.
وأضاف البيان: إنه خلال ذلك وبعده، سيطر “الفلول” بشكل كامل أو جزئي على المدن والبلدات والقرى والطرقات، وأطبقوا الحصار على باقي المقرات الحكومية، بهدف فصل الساحل عن سوريا، وإقامة دولة علوية بتخطيط وتمويل وإعداد وتنفيذ من قبل مجموعات مدربة مترابطة ضمن هيكلية شاقولية وأفقية وفقاً لتحقيقات اللجنة.
وقال البيان: إن القوات الحكومية والفصائل وقوات عسكرية أخرى تحركت عقب ذلك، واندفعت بشكل عشوائي مجاميع الفزعات الشعبية ومجموعات أخرى، فازدحم الطريق الدولي بما يزيد على مئتي ألف مسلح، يتحركون باتجاه مناطق سيطرة الفلول لاستعادتها، وفي فجر يوم الجمعة الواقع في 7 آذار، ومن بعض القرى المرتفعة والمطلة على الطريق، استهدف الفلول بأسلحتهم الرتل العسكري وقوافل الفزعات وسيارات المدنيين المارة، فقضى على إثر ذلك عدد من العسكريين والمدنيين؛ الأمر الذي تسبب بمزيد من العشوائية، فاضطرت القوات الحكومية إلى تشكيل مجموعة لفتح الطريق في محاولة للحد من العشوائية.
وتابع البيان: إنه في صباح يوم الجمعة 7-3-2025، بدأت مجموعات مسلحة متنوعة دخول أحياء عدد من القرى والبلدات وبيوتها، ووفقاً لتحقيقات اللجنة تعرض الأهالي لحملات تفتيش متتالية، منضبطة في بعضها، وعشوائية منفلتة في بعضها الآخر، مبيناً أن اللجنة لاحظت ارتياحاً غالباً لدى الأهالي تجاه سلوك عناصر الأمن العام، وتحققت من انتهاكات جسيمة واسعة تعرض لها المدنيون أيام 7 – 8 – 9 آذار 2025، تشمل حوادث القتل الواقع على أكثر من شخص والقتل القصد وسلب الممتلكات وتخريب البيوت وحرقها، إضافة إلى التعذيب والشتم بعبارات طائفية.
وأضاف البيان: إنه ومن خلال فحص المعلومات التي حصلت عليها اللجنة بشكل أساسي ومباشر من شهادات العائلات، وضبوط معاينة اللجنة للمقابر وأماكن الدفن، وبمقارنة ذلك (عند اللزوم) مع اللوائح التي تلقتها اللجنة من الجهات الحكومية والطب الشرعي والهلال الأحمر والدفاع المدني السوري، تحققت اللجنة من أسماء 1426 قتيلًا، منهم 90 امرأة، والبقية معظمهم مدنيون وبعضهم عسكريون سابقون أجروا تسويات مع السلطات المختصة.
وقال البيان: إنه رغم عدم استبعاد وجود عدد من عناصر الفلول بين القتلى، ترجح اللجنة أن معظم حوادث القتل وقعت خارج أو بعد انتهاء المعارك العسكرية؛ وتشير اللجنة إلى أنها اطلعت من مصادر مفتوحة على أعداد إضافية من القتلى لم تتحقق من صحتها؛ بسبب عدم ورود أسمائهم في كشوفات المقابر أو إفادات الشهود التي استمعت إليهم اللجنة، من ناحية ثانية تبلغت اللجنة بمعلومات حول 20 شخصاً من المفقودين بعضهم مدنيون وبعضهم من عناصر القوات الحكومية، ودونت بياناتهم في سجلاتها.
وأشار البيان إلى أنه تتواتر في إفادات الشهود أقوالهم حول السلوك المتباين للمجموعات، وللأفراد ضمن المجموعة الواحدة، فبينما ارتكب بعضهم فظاعات مروعة، تعامل بعضهم باحترام، الأمر الذي يدعو مع أسباب أخرى معقولة اللجنة إلى الاعتقاد بأن الانتهاكات رغم أنها واسعة لم تكن منظمة، وبأنها وقعت بدوافع متعددة؛ فبعض المتهمين المحتملين من أفراد الفصائل المسلحة، وبعضهم لا مرجعية لهم، تحركوا فرادى وتطوعوا مع الفصائل أو شكلوا مجموعات صغيرة، بسبب خوفهم على دولتهم وعائلاتهم من عودة نظام الأسد وتكرار الفظاعات المروعة التي ارتكبت بحقهم، أو من أجل نجدة أبنائهم المتطوعين في القوات الحكومية والمحاصرين من قبل فلول الأسد، أو بدوافع الانتقام ممن يظنون أنهم شاركوا في قتل أحبائهم وتعذيبهم واغتصابهم، ومنهم من شكل عصابات أشرار بقصد القتل أو النهب والسرقة، ومنهم من انتحل صفات العناصر الحكومية لكسب منافع خاصة غير مشروعة أو للإساءة، ومنهم من ينتمي لمجموعات الغجر التي تقطن المنطقة، والتي انضم كثير منها أو تعاون سابقاً مع شبيحة نظام الأسد ضد معارضيه.
وأوضح البيان أن بعض الأهالي تعرض لشتائم بعبارات طائفية، ولسؤال البعض منهم إذا ما كانوا علوية أم لا، ومن خلال تحقيقات اللجنة، استنتجت أن الدوافع الطائفية في معظمها ذات خلفية ثأرية وليست أيديولوجية، بدليل أن أبناء باقي الطوائف السورية في المنطقة، الذين يقطنون في بيوت أو أحياء مجاورة، والعلويين من سكان المناطق الأخرى لم يتعرضوا لانتهاكات.
وقال البيان: إنه بينما بحثت اللجنة في أسباب تعرض هذه القرى للانتهاكات المروعة التي شهدتها، في مقارنة مع مناطق أخرى يسكنها العلويون السوريون ولم تتعرض لانتهاكات، لاحظت أن القرى المستهدفة تطل في معظمها على الطريق الدولي، ولاحظت في بعض شهادات عائلات الضحايا أن “الفلول” استخدموا هذه المناطق لاستهداف العناصر الحكومية.
ولفت البيان إلى أن اللجنة ركزت في تحقيقاتها على تقصي هوية الفاعلين وخلفيتهم بوسائل متعددة، منها سؤال العائلات، والاستماع لمئات الشهادات من ذوي الضحايا ومن لهم صلة بالحوادث، ومن خلال فحص الأدلة الرقمية في ضوء إفادات الشهود، وضبوط استجواب الموقوفين، وباستجابة وزارة الدفاع لطلب اللجنة في التعرف على الأشخاص في الصور والفيديوهات المحددة من قبلها، ومن خلال اللقاءات والإفادات والتقارير والمراسلات التي أجرتها اللجنة مع الجهات الرسمية، وجهات المجتمع الأهلي والمدني، توصلت إلى معرفة 298 شخصاً بأسمائهم الصريحة من المشتبه بتورطهم في انتهاكات.
وأشارت اللجنة إلى أن هذا الرقم يبقى أولياً، وتكرر اللجنة أنها بنت قناعاتها على الشبهة وليس الدليل القاطع، وأنها وسعت في ذلك دائرة الاتهام لمنع الإفلات من العقاب، وأنها تعول على دور القضاء في الفصل بالإدانة أو البراءة، وتوضح اللجنة أن الانتهاكات تتراوح بين أفعال القتل الواقع على أكثر من شخص والقتل القصد، والسلب المسلح للممتلكات، وتخريب البيوت والمحال التجارية وحرقها، والتعذيب والشتم بعبارات طائفية، وإثارة النزعات الطائفية، ومخالفة الأوامر العسكرية، الواردة في قانون العقوبات السوري العام رقم 148 لعام 1949، وفي قانون العقوبات العسكري السوري رقم 61 لعام 1950.
وأوضح البيان أنه من خلال فحص الأدلة الرقمية وبمساعدة مميزة من وزارة الدفاع في البحث والتعرف على الأشخاص المشتبه بهم وعلى خلفياتهم، توصلت اللجنة إلى تحديد أفراد ومجموعات يرتبطون ببعض المجاميع والفصائل العسكرية من مجمل القوات المشاركة، ترجح اللجنة بأن هؤلاء الأفراد والمجموعات خالفوا الأوامر العسكرية ويشتبه بارتكابهم انتهاكات بحق المدنيين، كما ذكرت اللجنة بالسلوك المتباين الذي لاحظته لدى معظم الأفراد والمجموعات من حيث درجة الالتزام في احترام وحماية المدنيين، مشيرة الى الزيادة الملحوظة في عدد المتطوعين الجدد إلى الفصائل خلال الفترات الأخيرة.
ولفت البيان إلى أن اللجنة لاحظت في تحقيقاتها أن سلسلة التدابير والتعليمات والأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية، ومن وزير الدفاع ووزير الداخلية قبل وخلال وبعد أحداث آذار 2025 ركزت على حماية المدنيين وعلى الالتزام بالقوانين، وأن درجة واسعة من الانضباط تميزت بها القوات الحكومية، وأن جهوداً حثيثةً بذلتها الدولة للحد من الانتهاكات، وأن أفراداً متهمين أحيلوا للمساءلة، وأن آخرين تعاونت الجهات الحكومية مع اللجنة لكشفهم، وأن اندماج الفصائل تحت هيكلية وزارة الدفاع ما زال في بعضه شكلياً، اتسم بأنه لم ينظم ويستكمل بعد، وأنه جرى بهذه الصورة بوصفه حالة من الضرورة لتغطية الفراغ الذي أحدثه حل جيش نظام الأسد المتورط بإبادة المدنيين.
وبيّن البيان أن سيطرة الدولة الفعلية خلال الفترة المستهدفة بالتقرير كانت جزئية وأحياناً منعدمة، وأنها ما تزال في مرحلة إعادة بناء مؤسسات الأمن والجيش، بعد الانهيار التام لأجهزة الحكم القمعي المتورطة بإبادة الشعب السوري، كما لوحظ خلال ذلك انضمام مجموعات وأفراد جدد إلى الفصائل بشكل عشوائي.
وأوضح البيان أن اللجنة تدرك أن قرار رئيس الجمهورية بإحداثها لإجراء تحقيقات مستقلة، وتأكيده غايتها بمعرفة الحقيقة وعزم الدولة على المضي بإجراءات لمحاسبة المتورطين وإنصاف الضحايا، يعبر عن استجابة الدولة لمعالجة الانتهاكات، وتفصح اللجنة عن واقع ما لمسته من التزام لدى الجهات الحكومية باستقلاليتها وبتقديم كل المعلومات التي تطلبها لأغراض معرفة الحقيقة.
وقال البيان: إنه في مناقشة اللجنة للقانون واجب التطبيق على الأفعال المرتكبة محل ولايتها، لاحظت الحاجة إلى مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية المصدق عليها في سوريا، وفقاً لمقتضيات الإعلان الدستوري وأحكامه، الأمر الذي يستدعي استكمال إجراءات تشكيل السلطة التشريعية، ومن أجل المضي بإجراءات عملية في المحاسبة توصلت اللجنة إلى قناعات بتوصيف الأفعال المرتكبة، وإحالة المتهمين المحتملين فيها إلى القضاء السوري المختص في الجمهورية وفقاً لأحكام القانون الوطني السوري، وعليه أحالت اللجنة إلى النائب العام لائحتين بالمشتبه بتورطهم في الاعتداءات أو الانتهاكات، الوارد توضيحها في الفقرات (2) و (11).
وخلصت اللجنة الوطنية للتحقيق وتقصي الحقائق في أحداث الساحل إلى توصيات تلاها رئيس اللجنة القاضي جمعة العنزي وجاء فيها:
1- ضرورة متابعة السلطات المختصة الإجراءات اللازمة للكشف عن الأفراد والمجموعات المشتبه بتورطهم بانتهاكات وفقاً لما توصلت إليه اللَّجنة في تحقيقاتها.
2- التعجيل في تنفيذ خطة الوزارة وإجراءاتها وتدابيرها في مشاريع ضبط السلاح، ودمج الفصائل بشكل فعلي، مع التنفيذ الصارم للائحة قواعد السلوك الصادرة عن وزارة الدفاع بتاريخ 30 أيار 2025، وإصدار باقي الأنظمة واللوائح والتعليمات بما في ذلك تنظيم الزي العسكري والشارات ومنع بيعها في الأسواق.
3- إطلاق برامج جبر الضرر للضحايا وفق الأصول القانونية.
4- إيلاء الأولوية لمشاريع حوكمة مؤسسات الأمن والشرطة والجيش، واستقدام المعدات ووسائل التكنولوجيا الحديثة، وتعزيز السبل والمعايير لاحترام حقوق الإنسان، وحقوق موظفي الدولة وسلامتهم، وإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان.
5- إعادة النظر في قرارات تسريح الموظفين الصادرة في الفترات السابقة، ومراجعة حالات التعيينات المخالفة للقانون بشكل يوازن بين مقتضيات إنهاء المخالفات ومراعاة أثر ذلك في العائلات.
6- المضي بشكل عاجل وفاعل وملموس في تدابير العدالة الانتقالية، وملاحقة المتورطين الفارين من العدالة، من قيادات نظام الأسد وعناصره، بوصفهم خطراً على مجتمعاتهم، وسبباً لتحرك المجتمعات الواسعة للضحايا من تلقاء نفسها لاستيفاء الحق بالذات.
7- مواءمة القوانين الوطنية والنظام القضائي الموروث من العهد البائد مع الاتفاقيات الدولية المصدق عليها، عملًا بنص الإعلان الدستوري، والتوقيع على اتفاقية منع الاختفاء القسري.
8- إيلاء مشاريع الحوار والسلم الأهلي أولوية في خطط الدولة وبرامجها في السَّاحل وكل المناطق السورية.
9- اتخاذ تدابير تشريعية وتنفيذية وتعليمية لمنع التحريض على العنف أو الفتنة أو إثارة النعرات الطائفية وكفالة رقابة ذلك في وسائط الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وفي رده على أسئلة الصحفيين، أكد القاضي العنزي أن اللجنة واجهت ظروفاً معقدةً، إلا أنها تعاملت مع الوقائع بمهنية وتجرد، كما تصدت لبعض الانتهاكات المستجدة، وأحالت حالات موثقة للجهات المختصة، نافياً حصول أي حالات خطف لفتيات سوريات، وقال: “إن اللجنة لم تتلق أي بلاغ عن حالة خطف لفتيات لا شفهياً ولا كتابياً، لكن ربما تكون هناك حوادث وقعت على أسس جنائية أو ثأرية اجتماعية، لكن نجزم بأنه لم يردنا أي بلاغ عن حالة خطف”.
وأشار القاضي العنزي إلى أن التقرير النهائي تضمن توصيات بإصلاح المنظومة القضائية، وتعزيز مبدأ المحاسبة ومنع الإفلات من العقاب، ومطالبة الدولة بضبط السلاح خارج إطار المؤسسات الرسمية، مؤكداً أن أعمال اللجنة انتهت وانتقلت الآن إلى الجهات المختصة، وكلنا ثقة بالجهات المختصة بأنها ستقوم بواجبها.
بدوره شدد المتحدث باسم اللجنة المحامي الفرحان على أن العدالة الانتقالية وجبر الضرر وتعويض المتضررين من الجرائم الجسيمة تمثل أولوية في المرحلة المقبلة، وأنه لم يلمس أي تدخل من الدولة في عمل اللجنة التي أنجزت مهمتها بكل شفافية وجدية، داعياً جميع المواطنين ووسائل الإعلام إلى التعاون والإبلاغ عن أي معلومات تساعد في كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.
اخبار سورية الوطن 2ـسانا