| فانيسا مرعي
من الصعب أن نجد من يُتقن اللغة العربية، لكن من الصعب أيضاً أن نجد بلداً ليس فيه عربيّ ينطق بهذه اللغة. في فرنسا، 17 عاماً قضتها مدرِّسة اللغة العربية اللبنانية الأصل لينا لطيف في مجال التعليم، ولا تزال مستمرّة في هذه الرسالة. لطيف اختبرت خلال هذه السنوات تعليم لبنانيين ولبنانيات وجنسيات أخرى من مختلف الفئات العمرية بينهم طلّاب جامعات. تقول لـ«الأخبار» بعد خبرتها الطويلة: «بين تلاميذي من كبروا معي»، فمنهم من بدأ بتلقّي دروس في عمر صغير وواظب على تطوير مستواه اللغوي مع مرور السنوات. تشير لطيف إلى أن «اللغة العربية تعدّ لغة رابعة في فرنسا، ليست مدرجة في المناهج التربوية المدرسية، لكنّها موجودة كلغة اختيارية في بعض الجامعات». في المقابل، تلفت إلى وجود بعض المدارس الفرنسية الخاصة في باريس، وعدد من الجمعيات والمدارس اللبنانية التي تخصّص حصصاً لتعليم هذه اللغة، إنّما الدروس ليست مكثّفة وتقتصر على مرّة أو مرّتين في الأسبوع.
اللّافت أن اغتراب العائلات اللبنانية شكّل دافعاً وليس عائقاً أمام هذه العائلات لتعليم أبنائها اللغة العربية. وهنا، تشير لطيف إلى أنه «في الآونة الأخيرة ازداد الإقبال على الدروس الخصوصيّة، رغبةً من الأهالي في نقل اللغة الأمّ لأولادهم للحفاظ عليها وإبقائهم متّصلين بأرضهم».
أهداف مختلفة
وتختلف أهداف المتَعلّمين، فأحياناً تُعدّ اللغة العربية مهمّة بالنسبة إليهم لتسيير أعمالهم، فيما يصبّ التركيز لدى آخرين على الناحية الروحيّة وتحديداً لفهم القرآن الكريم أو الكتاب المقدّس وقراءتهما.
طغيان اللّهجة العاميّة
يتّفق عدد من أساتذة اللغة العربية في فرنسا على أن من بين الصعاب التي يواجهونها خلال رسالتهم التعليميّة هي أن الأمور قد تختلط أحياناً لدى المتعلّم، لجهة التمييز بين اللغة العربية الفصحى واللهجة العاميّة اللّبنانيّة التي يسمعها عادةً من أهله، بالإضافة إلى صعوبة اللّفظ بمخارج الحروف بشكل سليم.
كذلك، يضطرّ بعض التلاميذ بسبب كثافة الدروس في المناهج الفرنسية، ولا سيما في الصفوف الثانوية، إلى إعطاء الأولوية للموادّ المدرسية، وبالتالي يضع اللغة العربية في خانة الخيار غير الأساسي ويعتبر أنّ تعلّمها ممكن حصراً في وقت الفراغ.
ضرورية في العمل
ولكن ماذا عن اللبنانيّين الذين دخلوا إلى مجال العمل في الخارج، هل أدّت لغتهم الأمّ دوراً مهمّاً في حياتهم المهنيّة؟
لا شكّ في أن الحاجة إلى هذه اللغة تختلف نسبياً من شخص إلى آخر وفق نوع عمله. على سبيل المثال، اللّبنانية سارة أبي نادر غادرت وطنها وهي تبلغ من العمر 22 عاماً لتتابع دراستها في إحدى الجامعات الفرنسية وتستقرّ في باريس، وهي تعمل حالياً في مجال العقارات. وتعتبر أنّ تمكّنها من اللغة العربيّة ساعدها في حياتها العمليّة على التواصل مع زبائن لا يتقنون اللغة الفرنسية وهم من جنسيات عربية. وتتحدّث أبي نادر عن تجربتها الشخصيّة: «أحتاج إلى التركيز لتركيب جملة مفيدة وأجد صعوبة في العثور على الكلمة المناسبة لاستخدامها في الجملة بسبب عدم تواصلي الدائم مع الآخرين بواسطة اللغة العربيّة». على الرغم من ذلك، تؤكّد حرصها على قراءة الأشعار من حين إلى آخر، فيما تصرّ على التحدّث يومياً مع أهلها وأقاربها باللهجة العاميّة، لأنّ ذلك برأيها يذكّرها بأنّها لبنانيّة الأصل وليست فرنسيّة.
إلا أنّ التعليم المدرسي فقط «لا يرضي جزءاً كبيراً من اللبنانيين وغيرهم من الناطقين بالعربية، سيّما القادمين في السّنوات الأخيرة» بحسب هناء حجازي المقيمة هناك منذ أكثر من عشر سنوات، والعاملة كإدارية في إحدى مدارس ولاية ميشيغان. فيدفع حرص الأهالي على تعليم أبنائهم لغتهم الأم إلى «تسجيلهم في معاهد لغة عربية خاصة بعد الدوام المدرسي، تعمل على تدريسهم القراءة والكتابة والقواعد»، إلا أنّ الأساس بحسب حجازي في تعلّم اللغة فـ «يعود للأهل، وإصرارهم على التكلم بها مع أبنائهم في البيوت يومياً»، وترى حجازي أنّ «معاهد التعليم لن تنفع اليوم، لأنّنا محاطون باللغة الإنكليزية».
ويذكر أنّه هناك مدارس خاصة بالعرب تعلّم المنهاج الرسمي للدولة الأميركية، وإلى جانبه اللغة العربية بشكل مكثّف، ولكن تكلفتها عالية جداً مقارنةً بالمدارس الرسمية المجانية، وتراوح بين 5 آلاف و 7 آلاف دولار عن الطفل الواحد.