آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » المأمون

المأمون

 

مالك صقور

 

نريد معجزة ..ولقد حصلت معجزة غزّة .. ولكي تكتمل المعجزة ، نريد معجزة تلّم شمل العرب ، لكن بهذا الصدد ، ليس زمن المعجزات قد ولّى ، بل هذا من المستحيلات الأربعة أو السبعة لافرق . وهذا بدوره يدعو للأسف والأسى والحزن أيضاً . لأننا أمسينا نجتر أحلامنا وأوهامنا، وأصبحنا ننتظر فواجعنا وانكساراتنا ، منذ عصر جدنا أبي الطيب المتنبي العظيم الذي قال :

” ياأمة ضحكتْ من جهلها الأممُ “..وأنا ، لا أتعب ولا أمل من تكرار مقولة المتنبي هذه في البيت الشهير ، الذي يشير فيه إلى جوهر الدين . ولقد شغلني إبداع المتنبي ردحاً من الزمان وكنت سعيداً جداً بالرد على الذين حاولوا النيل من عبقريته .والآن ، في هذه الأيام ، أُذكّر القارئ بوصف عصرنا ، كأنه يعيش بيننا . ويحس بمعانتنا في طول الوطن العربي وعرضه :

أذمُ إلى هذا الزمان أُهيله فأعلمهم فدمٌ وأحزمهم وغدُ

وأكرمهم كلبٌ وأبصرهم عمٍ وأسهدهم فهدٌ وأشجعهم قردُ

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً مامن صداقته بدُّ

هل فكر الفلاسفة والعلماء والعقلاء وبعض من يهمه الأمر من السياسيين : لماذا تضحك الأمم من جهلنا ؟ ولا أخطئ إن قلت :إن أبا العلاء المعري العظيم ، هو أول من فهم المتنبي فهماً رائعاً ، وحاول أن يمشي على نهجه ، ولهذا وضع تفسيرين لديوان المتنبي ، الأول : اللامع العزيزي .والثاني : مُعجز أحمد ..أبو العلاء المعري هو الذي يعرف معنى قول المتنبي ، وجهل العرب وضحك الأمم منهم ، وهو الذي يعرف معنى الآية : ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ”

هذه الأمة التي كانت خير أمة .. لماذا باتت ” مضحكة ” عند الأمم الأخرى ؟! ولماذا وضعت نفسها في الدرك الأسفل من سُلّمِ الحضارات الحديثة ، وصارت تقذف بأبنائها إلى جهنم وبئس المصير ..

وبما أننا مازلنا نؤمن بالعرافين وقارئي الكف والفنجان ، و الطالع ، والأبراج أيضا ً ، ونصغي يومياً “للعرافات والعرافين ” الذين يطلون من على الشاشات والإذاعات وحتى على صفحات بعض الجرائد المحترمة ..أقول : لا عرافة

(دلفي )في معبدابوللو الأغريقي الشهير ، والتي لم تكذب مرة واحدة ، ولا عرافات أيامنا هذه ولا المتنبئين الأكثر رصانة بقادرين أن يتنبأوا بنهاية عصر الانحطاط العربي الجديد ، ولا متى يصحو العرب ، وحتى ليس بوسعهم أن يعرفوا طول النفق وعمقه ؛ النفق الذي دخل فيه العرب ، وفي نهايته لا يوجد بصيص أمل .

و أعود إلى العنوان ” المأمون ” لأن له علاقة بالعرب . وسلفاً أعرف أنه قد كتب الكثير عن العرب قديماً وحديثاً سلباً وإيجاباً. وهنا ، أودُّ أن أذكر ماترجمته يوماً من مقالة الكاتب الشهير الروسي نيقولاي غوغُل صاحب قصة “المعطف و رواية النفوس الميتة والمفتش ” وغيرها وغيرها .. في عام 1834 كتب غوغُل مقالة طويلة مهمة بعنوان : المأمون . وقد جاء في المقالة : ” لم يحظ َ حاكم في العصر الذهبي اعتلى العرش في دولته ، كما حظي المأمون من الشهرة الواسعة . فقد ارتفع هذا الخليفة الصارم بجلال وعظمة على أرض العالم القديم ، فامتدت دولته إلى كل بقعة مزهرة – إلى جنوب شرق آسيا ، فوصل إلى الهند ، وشمال أفريقيا حتى جبل طارق ، وغطى أسطوله القوي البحر الأبيض المتوسط . وكانت بغداد عاصمة هذا العالم الجديد الرائع ” . ويتابع غوغُل قوله : ” لقد استطاعت دمشق أن تكسي كل من يريد أن يرتدي القماش الجميل الجيد ، وفي الوقت نفسه ، زودّت دمشق أوروبا كلها بلسيف الفولاذي الدمشقي ” . أما عن شخصية

المأمون فيقول : ” لم يكن المأمون حاكماً استثنائياً وفيلسوفاً ؛ حاكماً وسياسياً محنكاً ، حاكماً وعسكرياً ، وحاكماً وأديباً فحسب ، فإن المأمون جمع هذه الصفات كلها ، كما استطاع أن يوازن بينها ، دون أن يرجح واحدة على الأخرى ، فلقد عمل من أجل تطوير شعبه وأمته من خلال التنوير ، ونقل المعرفة الأجنبية ، كي يرقى بشعبه ، من غير أن ينسى تعاليم

القرآن . وأخذ العربي يفكر كيف يحقق على الأرض جنة محمد “. .. ” وكان المأمون يعشق العلم والمعرفة والأدب …ولقد أدرك المأمون أنه لا يمكن الارتقاء بالإنسان ، إلاّ بالعلم ” ..لكنه لم يستطع أن يحقق كل ما طمح إليه ” وينهي غوغُل المقالة قائلاً : ” لقد مات المأمون ولم يفهم شعبه وشعبه لم يفهمه ”

أكتفي بهذا ، لأن الحيز لا يسمح ، فهذه شهادة من كاتب بحجم كاتب من أهم كتاب روسيا والعالم . وهو الذي قال عنه دوستويفسكي : ” لقد خرجنا جميعا ً من كم ْ معطف غوغُل “.

وأخيراً ، هل تحصل معجزة ، ويصحو العرب ؟!

(موقع سيرياهوم نيوز-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المكاتب العقارية خارج الضوء..؟! 

    سلمان عيسى   مازلت اتذكر ذلك اليوم من عام 1990 عندما قررت الخروج من المدينة الجامعية في دمشق للسكن في غرفة مستأجرة في ...