الدكتورة حسناء نصر الحسين
على الرغم من كل التحديات التي واجهت انعقاد المؤتمر الدولي لعودة اللاجئين السوريين إلا أن الدولة السورية سجلت انتصارا آخر يضاف لسجلها الكبير من الانتصارات خلال عقد من العدوان عليها ، ليشكل هذا المؤتمر علامة فارقة في ملف اللاجئين السوريين الذي عمدت دول العدوان على سورية على جعله من أهم أوراق المؤامرة الكونية على سورية وهنا أجد ضرورة في التذكير بأن دول العدوان وعملائها الاقليميين جهدوا بالعمل المبكر لإنشاء مدن من المخيمات على الحدود واخص هنا تركيا ولبنان قبل إشعال نار الحرب على سورية وهذا الأمر يؤكد رؤية الدولة السورية وحلفائها من روس وايرانيين على أن طريقة تعامل دول الغرب الأوروبي وبعض من دول الجوار بطريقة مسيسة بهدف الاستفادة من هذه الورقة للحد الأعلى فتباينت درجات الاستثمار في هذا الملف الإنساني بامتياز بين دول إقليمية جعلت منه ورقة ربحية للاستفادة المالية ودول جعلت من حماية حقوق الإنسان عنوانا لنفسها في تحركاتها ضد الدولة السورية بينما هي بعيدة كل البعد عن هذا العنوان الكبير .
بالرغم من كل التحديات التي تواجه الدولة السورية وهذه التحديات كبيرة جدا فهي حالة من الاستهداف الممنهج خلال عقد من الزمن منها السياسي وما تبعه من عقوبات اقتصادية مجحفة بحق الشعب السوري استمرت الدولة السورية بعزم وإرادة وبمساعدة كبيرة من الصديق الروسي الذي لم يدخر جهدا للمساعدة في انعقاده فكان الوفد الروسي من اكبر الوفود المشاركة فيه بالإضافة إلى ست وعشرون دولة إقليمية ودولية بالرغم من كل المحاولات الأوروبية الأمريكية إلا أن قرار الدولة السورية والحلفاء كان اكبر من عدوانيتهم التي عراها هذا المؤتمر من خلال عدم مشاركتهم فيه والضغوطات الكبيرة التي مارسوها على دول إقليمية كبيرة لمنعهم من الحضور ومنهم مصر والإمارات .
ساهم هذا المؤتمر بوضع ملف اللاجئين السوريين في مساره الصحيح الذي بدأته الدولة السورية والحليف الروسي منذ عام ٢٠١٨ ليأتي هذا المؤتمر ليبلور مسيرة جهود جبارة بذلتها القيادة السورية والشريك الروسي خلال عامين ونصف وكانوا قد نجحوا في إعادة مئات الآلاف من المهجرين إلى دولتهم الأم سورية ليكون حجر الأساس لمتابعة هذا الملف
بامتياز وإعادة أبناء الوطن الذي هجرتهم قوى الارهاب المدعوم دوليا إلى ديارهم ليشكل العام ٢٠١٥ عام تدفق الأعداد الكبيرة من اللاجئين إلى دول الجوار ودول أخرى وهو نفسه العام الذي توافد فيه آلاف الارهابيين إلى سورية دفعة واحدة عبر أكثر من محرك ومشغل دولي .
يأتي أهم سياق في المسار التوظيفي للاجئين السوريين وهو دور الاستثمار الأمريكي الغربي بمعاناة هؤلاء اللاجئين متجاهلين الحالة والوضع اللاانساني الذي يعيشونه ويعانون منه في دول اللجوء في ظل غياب كبير للامم المتحدة والمنظمات الأخرى ليتحولوا لأسرى داخل هذه المخيمات يمارس عليهم شتى انواع الابتزاز لمنعهم من العودة إلى بلادهم ومنهم من يتم ترغيبه واخر من يتم ترهيبه لإبقائه سجينا لدى الإرادة الدولية المتورطة في العدوان على بلدهم محاولين تحويل اوجاعهم لورقة سياسية تستخدم للضغط على بلادهم لتحقيق مكاسب سياسية فشلت هذه الدول في تحقيقها من خلال الاحتلال للأراضي السورية وعبر أدواتهم الإرهابية.
أتى هذا المؤتمر لأجل أبناء سورية في دول اللجوء ودعوتهم للعودة الطوعية لديارهم ومن أجل تحقيق هذا الهدف قامت القيادة السورية بخطوات في سبيل تذليل الكثير من العقبات منها القرارات الصادرة عبر مراسيم جمهورية منها ما يتعلق بالشق التشريعي ومنها التنفيذي بالاضافة الى التزام الدولة بتأمين البنى التحتية والمرافق العامة والمدارس والمستشفيات لحصول من يقرر العودة لبلده على مقومات حياة كريمة وهذا كله بالرغم من جملة من التحديات الاقتصادية التي خلفتها الحرب والعقوبات الاقتصادية الغير شرعية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وسرقة تركيا وأمريكا لثروات الشعب السوري إلا أن الدولة السورية جعلت من قضية أبنائها اللاجئين قضيتها الأولى لتجعل من هذا المؤتمر منبرا لكل الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية للانضمام إليه والسعي الجاد في مساعدة أبناء سورية بالعودة إليها عبر الضغط على دول العدوان للمساهمة بعودتهم من خلال رفع جزء من العقوبات غير الشرعية على الدولة السورية بالأخص بما يتعلق بالدواء والغذاء والمساهمة في الحد من انتشار وباء كورونا.
حرص الدولة السورية على نزول الوفود للميدان وتلمس الواقع الذي تعيشه عدد من مراكز الإيواء والاطلاع على حجم الدمار الذي خلفه عدوان عقد من الزمن، هذا أفرز نتائج عملية تمثلت بانعقاد العديد من الجلسات التشاورية بين الوفود المشاركة والدولة السورية توجت بتوقيع العديد من الاتفاقيات بين الدول المشاركة والدول السورية بما يعكس الادارة الناجحة والمتميزة للمؤتمر وتوظيفه في المسار الصحيح بما يعود بثمار تساعد وتسرع في عودة اللاجئين، ليأتي البيان الختامي الذي خلصت إليه الدولة السورية مع الوفود المشاركة خلال يومين من العمل الدؤوب بعدة نتائج بالغة الأهمية مشكلة خارطة طريق لتحرك عملي للدولة السورية والدول المشاركة على صعيد إنهاء هذا الملف ذو الطابع الانساني، خروج المؤتمر بتأكيد الدعم الثابت على وحدة وسيادة واستقلال سورية نقطة إنطلاق مفصلية وأساسية ينساق تحتها بقية النقاط المضمنة ببيان المؤتمر.
وحتى ندرك الأهمية الكبيرة والحقيقية لهذا التحرك الذي تقوده القيادة السورية ومستوى الأولوية المخصصة لملف عودة اللاجئين علينا أن نسلط الضوء على الانتهاكات الدولية بحق اللاجئين السوريين في العديد من دول اللجوء وطبيعة ونوع تلك الانتهاكات، وثمة جملة من الوقائع التي عكست انتهاكات فظيعة واتسمت بالاجرامية عمدت لارتكابها دول وأنظمة بحق اللاجئين السوريين وفي صدارة تلك الدول تركيا وقصص كثيرة توثق انتهاكات النظام التركي للسوريين على الحدود من التجويع والتشريد والاذلال والعمالة بأجور بخسة وجرائم القتل والاغتصاب والبيع للقاصرات والعمل على سحب ومصادرة كل أوراقهم الثبوتيه لضمان عدم عودتهم وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة من التعلم والطبابة والأخطر هو توظيفهم دولياً لحساب نظام أردوغان على صعيد الارهاب وغيره، وتمثل تركيا نموذج من عدة نماذج لدول أخرى تعمدت إرتكاب العديد من الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين، وفي مقدمة تلك الانتهاكات وأقذرها هو ما يمارسه الغرب الامريكي والاوروبي من تعطيل أي مساعي للدولة السورية والحليف الروسي لإعادت اللاجئين الى بلدهم.
لنقف عند حقيقة صارخة بأننا أمام مجتمع دولي فقد كل معاني الانسانية تجاه أكبر القضايا وأكثرها إنسانية في العالم ممثلة بقضية اللاجئين السوريين في العالم، ليأتي هذا المؤتمر قاطعاً الطريق أمام أخطر المشاريع المعطلة لعودة اللاجئين وهو التوطين للاجئين في دول اللجوء، ومقابل كل ما تبذله الدولة السورية من جهد على طريق عودة كل اللاجئين إلى وطنهم، يبقى على اللاجئ مسؤولية رفع الصوت ومطالبة المجتمع الدولي بإعادتهم إلى بلدهم وحتى وإن لزم الأمر ممارسات كل أشكال الضغوط الممكنة في سبيل تحقيق العودة .
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 13/11/2020