يبدو أنه بات سيناريو متكرراً سنوياً، على الرغم من إعلان الجهات المعنية مع بداية كل صيف اتخاذها الاحتياطات اللازمة تفادياً لموسم الحرائق ومواجهتها، إلا أن النتائج غالباً ما تكون كارثية، تؤدي إلى خسارتنا عشرات الهكتارات من الغابات والحراج والأراضي سنوياً..! فهل عجزنا عن حلّ هذه المعضلة المتكررة، وكيف السبيل إلى ذلك؟ محاور تتناولها “تشرين” في ملفها لهذا الأسبوع.
الاستعانة بالماعز كحلّ استباقي
قد يرى البعض للوهلة الأولى أنها فكرة غريبة، لكن بعض الدول لجأت إليها، ورأت أنها توفر الجهد والمال وتخفف من عوامل الخطورة.
الفكرة تتمثل في الاستعانة برؤوس من الماعز، للاستفادة من شهيتها في رعي الأعشاب لتخليص أراضي الغابات من أي نباتات قد تتحول بعد جفافها إلى شرارة خطيرة لاشتعال النيران وبالتالي التهامها للغابات.
بعض الغابات في أراضٍ وعرة، قد يستحيل أو يصعب وصول رجال الإطفاء أو الآليات إليها في حال اشتعال الحرائق بها نظراً لطبيعتها الجغرافية. وهنا قد يكون اللجوء إلى فكرة الماعز حلّاً استباقياً مانعاً لحدوث تلك الحرائق، وربما ينشىء الماعز بعد رعيه للأعشاب مناطق عازلة بين المساحات الحراجية والمنازل القريبة، ما يتيح للإطفائيين التدخل في بيئة آمنة عند حدوث الحرائق.
الأعشاب الحولية
قد يرى البعض أيضاً أنه يمكن الحيلولة دون حدوث الحرائق عبر التخلص من الأعشاب الخضراء الحولية، من خلال تشجيع المواطنين على جمعها وتجفيفها وبيعها للجهات المعنية أو لتجففها بدورها، وتستخدمها كعلف للحيوان وبالنتيجة تصبح الفائدة مزدوجة. فهل من إمكانية لتطبيق ذلك لدينا؟
قرنفلة: استخدام حيوانات الرعي يمكن أن يكون طريقة فعالة للسيطرة على تعدّي الشجيرات والحدّ من خطر الحرائق
فوز ثلاثي
يؤكد الخبير في الثروة الحيوانية عبد الرحمن قرنفلة أن الاستثمار في الغابات فوز ثلاثي للبيئة والاقتصاد والمجتمع.
إذ تحصل البشرية على فوائد هائلة من الغابات، فهي توفر خدمات بيئية مثل تنظيم المناخ وتنقية الهواء والماء والحماية من الفيضانات وموائل الحياة البرية وغير ذلك الكثير. كما تتمتع الغابات بقيمة اقتصادية، حيث تولد الثروة من خلال الترفيه والسياحة، ومن خلال خلق فرص العمل الخضراء، وأيضاً إنتاج المنتجات الخشبية والطاقة.
والفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي يحصل عليها الناس من الغابات، تتطلب الاستثمار في الإدارة المستدامة للغابات والاستثمار في الغابات المستدامة فوز ثلاثي للبيئة والاقتصاد والمجتمع ككل.
الغابات في خطر
يشير قرنفلة إلى أن تغير المناخ يعطّل مناطق بيئية بأكملها، ويغيّر التجمعات النباتية والحيوانية. وعندما يتغير المناخ، تتغير أشياء أخرى كثيرة أيضاً، مثل درجة الحرارة، وهطول الأمطار، وحجم الغطاء الثلجي، والجريان السطحي، الجفاف الشديد، وأوبئة الحشرات وتفاقم مواسم الحرائق وحرائق الغابات المدمرة.
قرنفلة: الماعز ليست هي الجاني الحقيقي بل الرعي الجائر المستمر وغير المنضبط والذي يتحمل البشر مسؤوليته
وإذا أضفنا إلى هذا النمو السكاني، وتغيرات استخدام الأراضي، ونقص المياه، وتلوث المياه و الهواء، والأنواع الغازية، ومجموعة أخرى من التحديات، فإن مديري الغابات يواجهون بيئة مشكلة جديدة تماماً. ففي كل عام يفقد العالم نحو 13 مليون هكتار من الغابات في المتوسط.
ولكي نواجه هذه التحديات، يتعين علينا أن نبذل المزيد من الجهود لحماية غابات العالم، وإلا فإن مواطنينا سوف يخسرون العديد من الخدمات البيئية المرتبطة بالغابات والتي يريدونها ويحتاجون إليها.
تنظيم الرعي في الغابات
تقدم حيوانات الرعي خدمات كبيرة للغابة، فهي تعمل على رعي النباتات والأفرع الزائدة وتستهلك الأوراق المتساقطة وتمنع تراكمها، وبذلك تحدّ من حرائق الغابات، إضافة لمساهمتها بتحسين البنية الفيزيائية والكيميائية لتربة الغابة، فالحيوانات تحرك بحوافرها أثناء السير بنية التربة الفيزيائية، كما أن مخلفات حيوانات الرعي تشكل سماداً عضوياً يغني أرض الغابة ويحسن محتواها من العناصر السمادية.
وبهدف منع حدوث خلل، يرى قرنفلة أنه لابد من تنظيم الرعي في الغابات، سواء من قبل الحيوانات الكانسة ” الأغنام والماعز”، أو من قبل الأبقار. حيث يتم تحديد مربعات من الغابة بأسيجة أو علامات، يتم الرعي فيها بالتناوب وبالتنسيق والشراكة بين إدارة الغابة والمجتمع المحلي المتمثل بأصحاب قطعان الحيوانات.
الحدّ من خطر الحرائق
يشير قرنفلة إلى أن استخدام حيوانات الرعي يمكن أن يكون طريقة فعالة للسيطرة على تعدّي الشجيرات والحدّ من خطر الحرائق من خلال القضاء على سلالم الوقود الخطيرة، واستمرارية الأعشاب والشجيرات التي تمكّن من انتشار الحرائق بسرعة وتسمح بالانتقال من الحرائق عالية الكثافة إلى حرائق التاج، ولعل استهداف كل هذه الممارسات بشكل جماعي باعتبارها “زراعة غابات وقائية”، ويتمثل هدفها الرئيسي في تجنب حرائق التاج من خلال معالجة الوقود السطحي وتعزيز الأشجار ذات الكثافة المنخفضة والمتقطعة رأسياً، وهذا يساعد أيضاً في تعديل سلوك الحرائق بشكل كافٍ، بحيث يمكن قمع بعض حرائق الغابات بسهولة أكبر.
إدارتها بشكل صحيح
في بلدان البحر الأبيض المتوسط، يُنظر إلى الرعي عموماً على أنه سلبي بسبب تجارب الرعي الجائر المتكرر واستخدام الحرائق لتجديد المراعي، وكلاهما يمكن أن يتسبب في ظهور التصحر. وإن الجمع بين حرائق الغابات والرعي الجائر-حسب قرنفلة- هو السبب الرئيسي لتدهور المراعي والتصحر في بلدان أوروبا المتوسطية وفي معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. على العكس من ذلك، إذا تمت إدارتها بشكل صحيح، يمكن أن تلعب الرعي دوراً إيجابياً في الوقاية من الحرائق مع الحفاظ على تنوع الأنواع من خلال تكرار التأثيرات البيئية للأقارب البرية للماشية.
قد يكون التأثير الضار للرعي الجائر واضحاً بالفعل في الغابات ذات التيجان المغلقة نسبياً ونقص النباتات الشجرية السفلية، حيث تُجبر الماعز على رعاية شتلات الأشجار أو الأشجار الصغيرة أو فروع الأشجار الأكبر سنّاً، وبالتالي منع تجديد الغابة وفي نفس الوقت دوس أرضية الغابة وتربتها.
ليست هي الجاني الحقيقي
الماعز ليست هي الجاني الحقيقي-وفق قرنفلة- بل الرعي الجائر المستمر وغير المنضبط والذي يتحمل البشر مسؤوليته، وبالتالي فإن التهديد الذي تتعرض له الغابات يأتي من الرعي غير العقلاني وغير المنضبط للماعز، وإن سوء إدارة الماعز، وليس مجرد وجودها، هو الذي أدى إلى إلحاق الضرر بغابات البحر الأبيض المتوسط في الماضي.
و ثبت أن الرعي بمستويات معتدلة يغير سلوك حرائق الغابات، من خلال إبطاء انتشارها، وتقصير طول اللهب، وتقليل شدة الحريق، على الرغم من أنه لا يقلل بشكل كبير من خطر اشتعال الحريق .
تقليل تواتر وشدة الحرائق
في محيط المناطق الحضرية، يمكن للرعي منع أو تقليل توسع الأراضي الشجرية التي تحتوي على حمولة وقود أكبر بكثير، وتشكل خطر حرائق أكبر من الأراضي العشبية، يمكن أن يؤدي الرعي بشكل مباشر إلى تقليل تواتر وشدة الحرائق عن طريق إزالة الوقود الدقيق وتضخيم التباين في استمرارية الوقود، وبشكل غير مباشر عن طريق التسبب في تحول في تكوين مجتمع النبات إلى أنواع أقل إنتاجية وأكثر عابرة.
يضيف قرنفلة: في المناطق المتوسطية، حيث تسود الأراضي الشجرية غالباً، يمكن أن يؤدي الرعي المشترك مع الأغنام والماشية والخيول، التي لديها عادات الرعي بشكل أساسي، إلى تحسين رعي العشب بشكل كبير، وبالتالي تقليل حمل الوقود بشكل أكبر. نظراً لأن الماعز والأبقار والأغنام تفضل أعلافاً مختلفة، ففي العديد من مواقف المراعي لا تتنافس هذه الأنواع على نفس الطعام.
للوقاية من حرائق الغابات
لأغراض الوقاية من حرائق الغابات، يؤكد قرنفلة أنه لا يجوز إخراج الماعز لتناول نبات فقط، فالاختيار المناسب لموسم الرعي، وكثافة الماشية، والبنية الاجتماعية للقطيع، ووقت الرعي في اليوم، ونوع السياج، وحجم الأقلام، تحدد نظام الرعي الموصوف المناسب، في قياس صارم مع الحرق الموصوف.
لابد من متابعتها
في المحور الآخر المتعلق بجمع الأعشاب وبقايا النباتات، يشير قرنفلة إلى أن وزارة الزراعة عملت منذ سنوات على توزيع فرّامات للأعشاب ومخلفات تقليم الأشجار على المجتمعات المحلية المحيطة بالغابات، بهدف تشجيعهم على استثمار النباتات ونواتج تقليم أشجار الغابات وتحويلها إلى علف لحيواناتهم أو إلى سماد عضوي، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن لابد من متابعتها وتدريب المجتمع المحيط بالغابة على أوجه الاستفادة من نواتج فرم وتقطيع الأعشاب ونواتج تقليم أشجار الغابة.
ومن وجهة نظر عملية، يرى أن تقوم وزارة الزراعة بالتعاون مع الاتحاد العام للفلاحين بإيفاد عدد من موظفي الغابات مع عدد من سكان جوار الغابة إلى بعض الدول الشقيقة والصديقة المتقدمة في مجال إدارة الرعي ضمن الغابات، وكذلك استثمار النباتات والأعشاب في الأراضي المحيطة بالغابة بهدف نقل خبرات تلك الدول إلى واقعنا المحلي.
وكذلك لابد من إحداث أسواق المنتجات الثانوية للغابة، بما في ذلك الأخشاب والكتلة الحيوية الخشبية ذات القيمة المنخفضة. ولاستعادة الغابات، نحتاج إلى إزالة الأشجار والشجيرات الزائدة، وهذا يحتاج استثمارات ضخمة، يمكن من خلال تسويق منتجات الغابة توليد تدفق من الإيرادات من المواد الخشبية التي تمت إزالتها، فيمكننا إنجاز المزيد من العمل على الأرض. وبذلك نتخذ خطوات لتطوير أسواق جديدة للأخشاب، ونعمل على تعزيز استخدام الأخشاب كمادة بناء خضراء.
سياسة وقائية طويلة الأجل
ولفت قرنفلة إلى أن حرائق الغابات التي تحدث أثناء موجات الحرّ الشديدة والمطولة في جميع بلدان البحر الأبيض المتوسط والحرائق المتكررة في الغابات السورية، تثبت أنه يجب النظر في نهج مختلف لمعالجة مشكلة حرائق الغابات. وهذا يعني التحول من السياسة قصيرة الأجل، والتي تعتمد بشكل أساسي على الاستثمارات الضخمة في تدابير قمع الحريق وإخماده، إلى سياسة وقائية طويلة الأجل.
مكلفان جداً
من جانبه، مدير المؤسسة العامة للأعلاف عبد الكريم شباط، في جوابه حول إمكانية الاستفادة من الأعشاب الحولية في الغابات، من خلال تشجيع المواطنين على تجميعها وبيعها للجهات المعنية، كما يحصل في مواسم القبّار أو النباتات العطرية, وبدورها الأخيرة تجففها أو تصنع منها أعلافاً، أكد أن ذلك مستحيل، فهي تستخدم في الرعي المباشر العادي.
-شباط: تجميع الأعشاب الحولية في الغابات وتجفيفها مكلفان جداً.. وغير مجدية
مبيناً أن تجميعها وتجفيفها مكلفان جداً بالنسبة لأي شخص سيقوم بذلك، فهي عدا عن الجهد العضلي تحتاج إلى أجور نقلها وإلى مساحات كبيرة لتجفيفها، كما أن الكيلو مجففاً منها على الرغم من قلة ثمنه يحتاج إلى كميات كبيرة منها خضراء، لذلك فإن ذلك لا يحصل بأي دولة، وهناك فرق بينها وبين بقايا المحاصيل كالذرة والقمح، فارتفاع الذرة مثلاً ثلاثة أمتار، وبعد أن تحصدها الحصادة وتفصل عنها الحب، يمكن تجميع ما تبقى من النبات، وكذلك القمح يصنع منه التبن.
لافتاً إلى أنه لا يمكن مقارنة بقايا الأعشاب في الغابات، ببقايا المحاصيل أو النباتات العطرية، من حيث السعر، وخاصة للأخيرة.
لا يمكننا الاستثناء
منع قانون الحراج الرعي في الغابات أو الحراج، إلا بشروط محددة، ووضع لها ضوابط، فهل يمكن أن نطبق تجارب الدول الأخرى في الاستفادة من الماعز لتفادي الحرائق؟
يؤكد مدير الحراج في وزارة الزراعة الدكتور علي ثابت أن قانون الحراج نظّم الرعي في حراج الدولة من خلال المواد الآتية:
المادة 4 – تعدّ الحراج والغابات في الجمهورية العربية السورية ثروة وطنية ذات أهمية وقائية، يجب حمايتها وعدم التصرف بها أو تقليص رقعتها من قبل أي جهة كانت، أو القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بها، وفي سبيل ذلك يُمنع على وجه الخصوص الآتي:
تضمنت الفقرة /ح/ والفقرة /ز/ من هذه المادة:
ح- يمنع الرعي في أراضي حراج الدولة المتجددة حديثاً، وخاصة في المواقع المحروقة إلّا بعد مرور خمسة عشر عاماً.
ز- يمنع رعي الماعز والإبل في أراضي حراج الدولة.
وبالتالي لا يمكننا تجربة الدول الأخرى أو الاستثناء في هذا المجال، لأن رعي الماعز يساهم إلى حد كبير في تدهور الغطاء النباتي والقضاء على التجدد الطبيعي في الغابات الطبيعية ومنع نمو البادرات والغراس في الغابات الاصطناعية.
د. ثابت: لا يمكننا تجربة الدول الأخرى أو الاستثناء في هذا المجال لأن رعي الماعز يساهم إلى حد كبير في تدهور الغطاء النباتي
كما تضمنت الفقرتان /د/ و /هـ/ من المادة 41 الشروح الواجب أخذها بعين الاعتبار عند السماح بالرعي في حراج الدولة كالآتي:
د- تُمنح رخص الرعي لمواشي المجتمع المحلي مجاناً وفق سجلات مسوحات الثروة الحيوانية، وتُحدد فترة الرعي والحمولة الرعوية في حراج الدولة التي يرخص السماح للرعي فيها من قبل الوحدة التنظيمية المعنية وفق قياسات حقلية ومعايير تضعها الوحدة التنظيمية في المحافظة وتصدر بقرار من الوزير.
د. ثابت: الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل من أطلق حيواناً دون ترخيص بهدف الرعي في حراج الدولة وبغرامة تعادل ثلاثة أمثال الضرر الحاصل
هـ- يحظر الترخيص لرعي المواشي في:
1- حراج الدولة التي حدث فيها حريق ولم يمض عليه مدة خمسة عشر عاماً.
2- مواقع التحريج الاصطناعي حديثة النمو التي لم يمضِ على تحريجها عشر سنوات.
3- المواقع الحراجية التي يقل ارتفاع الأشجار الحراجية فيها عن مترين ونصف والتغطية الحراجية أقل من 40%.
4- المحميات والمتنزهات الوطنية الحراجية والحدائق النباتية ومناطق الوقاية المنشأة في حراج الدولة.
5- المواقع الحراجية التي ترى الوزارة ضرورة منع الرعي فيها لحماية الحراج.
أما بالنسبة إلى العقوبات الناتجة عن مخالفة الرعي بدون رخصة ضمن حراج الدولة فقد نصت الفقرة /أ/ من المادة 50 على الآتي:
أ- 1 – يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل من أطلق حيواناً دون ترخيص بهدف الرعي في حراج الدولة وبغرامة تعادل ثلاثة أمثال الضرر الحاصل.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين