الرئيسية » كلمة حرة » المالُ وحَماقَةُ البَشَريَّةْ!.

المالُ وحَماقَةُ البَشَريَّةْ!.

 

 

أحمد يوسف داود

 

أَرجو المَعذِرةَ إن قلتُ: إِنّني لاأظنُّ أنّ البَشريّةَ عُموماً قد عَبدتْ يَوماً إلّا حَماقاتِها!.. وهذهِ بَعضٌ من أَدِلَّتي:

تُرى، أليسَ البَشرُ كلُّهمُ الآنَ في مَرحَلةِ العِبادةِ الفعليّةِ الكامِلةِ لِلمالِ (بكلِّ أشكالِهِ): بِهذهِ الطَّريقةِ أوتلك، ولهذا السَّببِ أو ذاكَ، أو سِواهُما؟!.

أوَليسَ البَشرُ همُ الذينَ يَختَرعونَ أَساليبَ الدَّمارِ الشّاملِ، وقِيَمَ (غَطرَسةِ القوّةِ)، وآلاتِ التَّدميرِ المُرعِبِ، منْ أجلِ المالِ أَو بالأحرى: منْ أَجلِ امتِلاكِ ثَرواتِ البُلدانِ الفَقيرةِ التي هي، أصلاً، قَيدَ التّسابُقِ على نَهبِها والتَّحارُبِ المُرعِبِ من أَجلِ الاستِيلاءِ عَلَيها أَيضاً؟!.

أَوَليسَ (المالُ) وحدَهُ – بِسائرِ أَشكالِهِ، وبِكلِّ أَسمائِهِ الكَثيرةِ ومُسمَّياتِهِ المُختَلِفةِ ـ هو ماتَبحَثُ عَنهُ، وتَحميهِ بالدِّماءِ التي هَدَرتْها خلالَ التّاريخِ، وماتَزالُ تَهدرُها الآنَ، وَستَبقى تَهدِرُها إلى أَبَدِ الخَلْقِ: (سُلطَةُ القُوَّةِ)، أَو تلكَ التي تُدعى تَجميلاً لها: (قوّةَ السُّلطةِ) التي يُزعَمُ لها أنّها مُستَمَدّةٌ كُلِّيّاً من (إِرادَةِ الشُّعوبْ)؟!.

وبالمقابل: أوَلا تُعاني عامَّةُ شُّعوبِ العالَمِ، بغالِبيَّةِ فِئاتِها، من نتائجِ تلك القُوّةِ ماتُعاني، إلّا في القليلِ النّادرِ جِدّاً منَ البُلْدانْ؟!.

والتدَيُّنُ الذي ارتَبطتْ بهِ تاريخيّاً سائِرُ المَنظوماتِ الاعتِقاديّةِ والأخلاقيّةِ، ومُختلفُ قِيَمِ التّعامُلِ، وسائرُ قواعِدِ السُّلوكِ، وما إليها في كلِّ المُجتمعاتِ البَشريةِ: ألا يَرتَبطُ (أَهلُ الحَلِّ والرّبطِ) فيها – عبرَ التاريخِ كُلّهِ – بسُلطةِ القوّةِ التي يَدعمُها المالُ، وتدعمُ هي (أصْحابَهُ وجامِعيهِ) في نِهايةِ المَطافِ بِسائرِ الأشكالِ، وبكلِّ الوَسائلِ والسُّبُلْ.. حتى أَنَّ ذلكَ الدّعمَ يكادُ يَكونُ بٍلا حُدود؟!.

وهل قامَ صِراعٌ خلالَ التّاريخِ إلّا على تناقُضِ (المَصالِحِ المادِّيَّةِ) بينَ أطرافِهِ الأقوياءْ، وبالتالي: هل كانَ ضَحايا أَيِّ (صراعٍ بَشريِّ كبيرٍ) غيرَ من هُمُ الضُّعَفاءُ وَحدَهم في مُجتَمعاتِ المُتَصارعينْ؟!.

أما مايَحكيهِ (جامِعو المالِ) وداعِموهم عَنْ أَنفسِهِمْ، وعنْ (مَبادئِهم!)، فهل هو ـ في نِهايَةِ القِراءةِ الصحيحةِ لهُ ـ إلّا (جُملةً منَ الأكاذيبِ) التي تُرَوَّجُ عَنهم بالأُجرَةْ؟!.

وهكذا – وبِما يُمكِنُ لِلمُتأَمِّلِ منَ الاختِصارْ – يَصُحُّ التساؤلْ: هل إنَّ البَشريَّةَ عموماً قد عبَدتْ يَوماً إلّا حَماقاتِها.. ليسَ أَكثرْ؟!.

إنَّ البَحثَ عنْ أيِّ مُسوِّغٍ (لِعبادَةِ المالِ) خِلالَ التّاريخِ المَعروفِ كُلِّهْ، لاتُفسِّرُهُ إلّا (الأنانِيّةُ) الّتي جُبِلتْ علَيها النَّفسُ البَشريّةُ مُنذُ تَكوَّنتْ وسادَتْ على هذا الكَوكبِ: (أرضِنا!) الّتي وُلِدْنا ونَحْيا عَلَيها؟!.

إنّ واقِعَ الحالِ خِلالَ التّاريخِ كُلّهِ لَيسَ في طَيّاتِ هذا التّاريخِ مايَكادُ يُشيرُ إلى أيِّ (عَملٍ حَربيٍّ) لَيسَ (تَملُّكُ المالِ) هوَ دافِعَهُ الأَساسيّْ، وهو – بالتّالي – مايُلزِمُنا هُنا بالتَّوقُّفِ دونَ الاستِطرادِ في قَولِ أَيِّ كَلامٍ آخَرْ!

 

(موقع سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بِلا طَعمٍ ولالَونٍ ولا رائِحَةْ..!!

    احمد يوسف داود     لاأُريدُ الحَديثَ عنْ (عُمقِ وكِبَرِ سَعادتِنا!)، وعن مَدى أَفراحِنا الغامِرةِ إلى حَدِّ اختِناقِنا بها: نَحنُ – غالبيّةَ السُّوريّينَ ...