| هدى رزق
كانت السعودية قد شكّكت سابقاً في التزام الولايات المتحدة الأميركية بأمنها، بعد سحب المظلة الصاروخية الدفاعية من فوق المملكة. وها هي تقف اليوم في موقع الوسط في الصراع الأوكراني.
شكّل بيان بكين مفاجأة، حيث تم الإعلان عن اتفاق ينص على إعادة العلاقات بين السعودية وإيران وتأكيد الدولتين احترام سيادة الدول وعدم التدخّل في شؤونها الداخلية، إضافة إلى تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقّعة عام 2001.
المضامين السياسية وأبعاد الاتفاق كانت مفاجئة، فالأمير محمد بن سلمان أقدم على خطوة أزعجت الغرب ولا سيما أنها أتت بوساطة صينية. الدور الذي أدّته الصين أحدث خضّة في الغرب، فالدولة الآسيوية الكبرى خرجت من سياستها الخجولة لتعلن الاتفاق على أرضها بعد أن كانت واشنطن تقود هذا الدور عالمياً.
بعد أسبوعين من توقيع الاتفاق تم إعلان التخفيضات الجماعية لإنتاج النفط من قبل أعضاء “أوبك +” لضمان عدم انخفاض الأسعار إلى أقل من 80 دولاراً، كخطوة استباقية في حالة حدوث أي خفض محتمل في الطلب. فأثار قرار قيادة “أوبك +” والدول الأعضاء حذر الولايات المتحدة، وأعربت عن أنّ التخفيضات غير مستحسنة في هذه اللحظة بالنظر إلى حالة عدم اليقين في السوق. مضت أوبك + قدماً في التخفيضات التي دفعت الرئيس جو بايدن إلى التعهّد بالعواقب، مما زاد من توتر العلاقات بالفعل بين الرياض وواشنطن.
أبدت الولايات المتحدة عدم ارتياحها من النفوذ الذي اكتسبته المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حيث فرضت سيطرة غير مسبوقة على أسواق النفط. أما الخطوة الأخيرة التي أزعجت نواباً في الكونغرس الأميركي وسبّبت احتجاجات فكانت إعلان إمكانية افتتاح قنصلية المملكة في دمشق بعد عيد الفطر.
العلاقة السعودية السورية في مسار العودة
كانت العديد من دول الخليج تأمل في سقوط حكم الرئيس الأسد، بعضها قام بدور نشط في هذا الصدد، وخاصة من خلال الدعم العسكري والمالي، واختلف معدل انخراط هذه الدول كل بحسب خططها. فالمسؤولون السعوديون أرادوا الإطاحة بالأسد على ألا يكون البديل حكومة إسلامية تابعة للإخوان المسلمين، لذلك دعموا مجموعة من الفصائل تميل بطبيعة الحال إلى المملكة نفسها.
الإمارات والبحرين، دعمتا أيضاً المعارضة، لكن الإمارات قامت عام 2018 بافتتاح سفارتها في دمشق، أما قطر فانخرطت في عملية إسقاط الرئيس الأسد ودعمت الإخوان المسلمين والإسلاميين المتطرفين. الكويت من جهتها دعمت إسقاط النظام في البداية لكنها عادت وابتعدت عن هذا التوجّه.
وحدهما تونس والجزائر كانتا تصرّان على ضرورة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد أن جرى تعليق عضويتها، أما مصر فهي استمرت في الحفاظ على العلاقات الأمنية مع النظام في دمشق. وعملت السعودية بعد فترة على النأي بنفسها وفضّلت الجلوس على الحياد ومتابعة التطورات، واشترطت تحسين علاقتها مع حكومة دمشق إذا ما أُحرز تقدّم في البلاد على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254.
إلا أنّ مجموعة متنوّعة من المخاطر أحاطت بالمملكة على ضوء مصلحة الولايات المتحدة في تقليص وجودها العسكري في المنطقة وإعلانها عن محاولة التوصل إلى تفاهم مع إيران حول مشروعها النووي. فمحاولات التكيّف مع واقع غير مريح بالنسبة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان حملته على البحث عن تأمين بعض الضمانات في الأمور المتعلّقة بأمن الخليج وعلى رأسها العلاقة بين إيران والمملكة، فبدأت المحادثات بين البلدين بوساطة عراقية لعدة جولات ودخلت سلطنة عمان كوسيط.
في الوقت عينه كانت جولات من المحادثات المتتالية قد جرت بين وفد سوري أمني في الرياض مع مسؤولين سعوديين، حاولت موسكو عبر رئيسها فلاديمير بوتين ووزير خارجيتها لافرورف تشجيع دول الخليج على إعادة العلاقة مع الرئيس الأسد، ودخلا في وساطة لرأب الصدع من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة انخراطها في النظام السياسي العربي.
استغلّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً زيارة نظيره السوري الأخيرة إلى الكرملين لمناقشة شروط الاتفاقية مع السعودية. عززت عُمان والأردن، الوساطة والتقارب. ويحرص الرئيس الأسد على إنهاء الصراع، فمن المنطقي أن صنّاع السياسة في دمشق يرغبون بإقامة علاقات مع الرياض وأبو ظبي.
يبدو أن هناك تفاهماً خليجياً، على تبنّي سياسة استباقية، فالدول العربية تريد تفادي الخطأ الذي ارتكبته في العراق عام 2003، حيث تركت الساحة العراقية، ولا تريد أن تكرّر الخطأ نفسه في سوريا. فلدول الخليج مصلحة واضحة في تخفيف التوترات الإقليمية، واحتواء الضرر، وإرساء النفوذ حيثما أمكن بما في ذلك في سوريا في إطار الاعتراف العربي بحكم الرئيس الأسد والمساعدات الاقتصادية لسوريا على الرغم من تحذيرات واشنطن.
عزّزت الإمارات العربية المتحدة والأردن والبحرين ومصر، انخراطها مع الحكومة السورية في السنوات الأخيرة. المملكة العربية السعودية تناقش استئناف العلاقات، وهناك إعلان إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية في القمة العربية التي ستنعقد في أيار/مايو المقبل. فمن المنطقي أن يعتقد ولي العهد السعودي أن هناك فرصة على الأقل لتقوية الروابط مع دمشق من خلال تحسين العلاقات تدريجياً على أساس القواسم المشتركة المتمحورة حول الأمن القومي العربي المشترك وضرورة استيعاب سوريا، والأهم من ذلك توفير الوصول إلى الأموال التي يحتاجها الأسد بشكل عاجل لإعادة بناء سوريا.
بينما تقول إدارة بايدن إنها لن تطبّع مع النظام، ولن تشجّع الدول الأخرى على القيام بذلك في غياب التقدّم نحو حل سياسي في سوريا بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 2254. ويرى النقّاد تحوّلاً طفيفاً في الرسائل العامة من وزارة الخارجية الأميركية لأنّ الدول العربية سبقتها وأخذت موقفاً يتناسب مع مصالحها. فالولايات المتحدة والدول الأوروبية تريد تنفيذ إصلاحات سياسية واجتماعية وتطبيق قرار مجلس الأمن وفرض شروطها من أجل المساهمة بالأعمار، في الوقت الذي تعيش فيه سوريا أزمة اقتصادية وعدم القدرة على إعادة البناء.
وما زالت روسيا وإيران تمدان يد العون لسوريا بعد وقوفهما إلى جانب الحكومة والشعب، إلا أنهما لا تستطيعان لوحدهما المساعدة في الميزانيات الضخمة اللازمة لعملية إعادة الإعمار. أما السعودية وسوريا فتجريان محادثات لاستئناف الخدمات القنصلية ولزيارة وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، الذي كان واضحاً بكلامه عن الوضع الراهن مع سوريا في خطابه في مؤتمر ميونيخ.
لقد عجّل الزلزال المدمّر في تركيا وسوريا من هذه الديناميكية، فمساعِدة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف رأت منعطفاً جديداً في المشاركة في الانفتاح على سوريا حيث قالت إن رسالة الولايات المتحدة إلى الشركاء الإقليميين هي أنه “إذا كنت ستتعامل مع النظام، فاحصل على شيء من أجل ذلك”، في إشارة إلى استعجال السعودية وأبو ظبي بالتوجّه إلى علاقة مع سوريا من دون مقابل. كما أنّ واشنطن كـ “إسرائيل” تماماً اعتبرت أن العلاقة مع كل من إيران وسوريا هي ابتعاد كبير عن التطبيع واتفاقات أبراهام.
وكانت الرياض قد شكّكت سابقاً في التزام واشنطن بأمن السعودية، بعد سحب المظلة الصاروخية الدفاعية من فوق المملكة. وهي تقف اليوم في موقع الوسط في الصراع الأوكراني، ويفسّر موقفها الرافض لرفع معدلات إنتاج النفط وتخفيض الأسعار رفضاً للمشاركة في العقوبات على موسكو، وكانت قد تقدّمت كدولة إقليمية كبرى لتؤدي دور الوسيط بين أوكرانيا وروسيا.
النزعة الاستقلالية لدول المنطقة الحليفة باتت تزعج واشنطن وباتت تبتعد عن قراراتها، والمصلحة السعودية الحالية باتت أقرب إلى سياسة عدم الانحياز، والابتعاد عن الاستقطاب في العلاقات الدولية بسبب المتغيّرات الحاصلة على الصعيد العالمي. فهي لا تريد أن تدفع الثمن كما في الماضي ولا سيما أنّ لولي العهد مشاريع صناعية جديدة ويحاول أن يرتقي بالسعودية كدولة إقليمية كبرى.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين