اتخذت الدورة التاسعة والعشرين للمؤتمر القومي العربي قرارا بمخاطبة المنظمتين العربية والاسلامية للتربية والثقافة والعلوم لكي يجسد يوم اللغة العربية العالمي رمزا من رموز الثقافة العربية. قدم الاقتراح الذي اصبح قرارا الدكتور جورج جبور ، عضو المؤتمر ، ومعه كان هذا الحوار.
*في البداية، ما هو المؤتمر القومي العربي؟
**هو تجمع مثقفين وعاملين في الحقل القومي انشيء عام 1990 . يعقد دورة كل عام في احدى العواصم العربية . كانت دورته الاخيرة في بيروت. يغطي كل عضو فيه نفقات سفره واقامته . يتخذ قرارات وتوصيات في الشأن العربي هي أشبه ما تكون بافكار داعمة للعمل العربي المشترك.للمؤتمر وجوده في الفكر السياسي العربي وفي دوائر السياسة العربية . وينتخب المؤتمر امينا عاما من بين اعضائه . الامين العام الجديد هو المحامي مجدي معصراوي من مصر.اما الامين العام السابق فهو الدكتور زياد حافظ من لبنان.
* في المتداول من الاخبار ان احد اعضاء المؤتمر حين عاد الى بلده وهي البحرين اوقف لدى وصوله الى المطار . ما السبب؟
**الاستاذ حسن المرزوق محام ممارس في البحرين. سمحت له دولته بالسفر الى بيروت للمشاركة في المؤتمر. تم انتخابه عضوا في امانة المؤتمر التي تتالف من 25 شخصا . وبالمناسبة ثمة في عضوية الامانة شخصية سورية هي الدكتورة ريم منصور الاطرش . اوقفته سلطات بلده لدى عودته وفي معلوماتي انه ما يزال موقوفا. وفي معلوماتي ايضا انه لم توجه اليه اية تهمة. خاطب المؤتمر السلطات البحرينية لاطلاق سراحه. سبق لحكومة البحرين ان اوقفت بعضا من اعضاء المؤتمر لفترات متفاوتت في الطول .
*واليوم العالمي للغة العربية في المؤتمر. ما قصته؟
** منذ اتخاذ اليونسكو قرارا بجعل يوم الثامن عشر من الشهر الثاني عشر من كل عام يوما عالميا للغة العربية ، وكان ذلك قبل بضع سنوات، وانا انتقد هذا القرار الذي وافقت عليه الدول العربية كافة . لماذا انتقده؟ لان اليوم العربي لا يرقى الى مقام ايام اللغات الرسمية الاخرى في تجسيده لانجاز ثقافي او حضاري عربي. هو يوم مشهود حقا ذلك اليوم الذي اعتبرت فيه العربية لغة رسمية عام 1973 يعد شهرين من حرب تشرين ، الا انه يبدو وكانه تذكير مستمر بان العربية لغة دخيلة على الجسد الاساس للغات الاخرى المعتمدة . ثم ان ايام اللغات الاخرى تجسد انجازات ابناء تلك اللغات ثقافيا وحضاريا. اعتمدت الفرنسية موعد انشاء منظمة الفرانكوفونية يوما عالميا لها. اما اليوم العالمي للانجليزية فيشير الى شكسبير . وعلى بوشكين يعتمد يوم اللغة الروسية . وثمة شخص مغرق في القدم ابدع اللغة او الكلمات الصينية . غاب عني اسمه الان واليه يشير يوم اللغة الصينية . اما يوم اللغة الاسبانية فيذكر بيوم الاكتشاف الاسباني للعالم الجديد. ثمة حالة عدم تناسب بين يوم لغتنا وبين ايام اللغات الاخرى.
*صحيح.لماذا؟ ما السر؟
** ليس عندي جواب حاسم. أضع امامك ما وصل الى علمي عن هذا الامر ، واتبعه بافتراضات .الدكتور زياد الدريس ، مندوب السعودية لدى اليونسكو هو الوحيد من بين المندوبين العرب لدى اليونسكو — على حد علمي – الذي اخبرنا بما جرى. قال في مقال منشور انه تباحث واليونسكو في امر تحديد موعد ليوم اللغة العربية ، وتم الاتفاق على يوم 18—12 . بعد ذلك تباحث مع رئيس المجموعة العربية لدى اليونسكو انذاك وكان المندوب المغربي فوافق باسم المجموعة. وانتهى الامر. هذا ما أذكره من مقال قرأته وقد اكون مخطئا.
*ولماذا تباحثت اليونسكو مع المندوب السعودي؟
**لان السعودية اخذت على عاتقها الانفاق على اللغة العربية في اليونسكو ، وقبلت الدول العربية منها هذا الأمر. قلت هذا ما اذكره من مقال بحثت عنه مؤخرا فلم اعثر عليه. السؤال الكبير الذي يتبادر الى الذهن: هل عرف المندوب السعودي ومعه المندوب المغربي لدى اتفاقهما على الموعد هل عرفا بدلالات ايام اللغات الاخرى؟ لا اجابة لدي. هل استشارت المندوبيات العربية لدى اليونسكو الهيئات المعنية باللغة في دولنا العربية؟ لا اجابة لدي. هل جرى بحث في موعد عربي بين المندوبين فاختلفوا واسلموا امرهم الى يوم لا طعم ثقافيا له ولا لون ولا رائحة؟ لا اجابة لدي. ما أصر عليه هو انه لا يجوز الاستمرار في ما نحن فيه.
* نعود الى المؤتمر القومي العربي الذي تبنى ما اقترحته من ضرورة العمل تغيير موعد 18—12. عقد المؤتمر اواخر تموز . كانت قد انقضت سنوات على اعتماد ذلك اليوم. لماذا لم يتم التيقظ الى هذا الامر من قبل؟
** لا ادري اذا كان ثمة في دوائرنا المعنية بالعربية من يتابع موضوعا خطيرا هو التنافس اللغوي العالمي ومكان العربية فيه. حاضرت في هذا الموضوع بدعوة من معهد اللغات في جامعة حلب يوم 15 آذار 2006 . اقترحت من خلال المحاضرة على القمة العربية في الخرطوم ان تعلن يوما للغة العربية. لم تفعل. الا ان مخاطبتي للامين العام للجامعة بهذ الشأن انتجت تصريحا منه بان القمة المقبلة في الرياض سوف تبحث في موضوع اللغة. وقد حصل. ثم كانت القمة العربية في دمشق عام 2008. بحثت في موضوع اللغة ولم تتطرق الى يوم للغة العربية. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم هي التي تطرقت للامر فجعلت للغة العربية يوما في اول آذار من كل عام. كان ذلك بفضل لجنة التمكين للغة العربية التي تبنت اقتراحي بان يكون للغة العربية يوم. أما التيقظ لامر ” تخفيض القدر” الذي تعرضت له اللغة العربية في تحديد يومها فقد نبهت اليه شفهيا وكتابة منذ مدة. وفي كتابي :”يوم اللغة العربية” الذي صدر ضمن سلسلة كتب البعث الشهرية عام 2014 مقال مخصص لهذا التيقظ. لكنه لم يلفت نظر احدز أعدت نشره في ” الاسبوع الأدبي” ولم يلفت نظر أحد. أوائل عام 2016 حاضرت في هذا الموضوع بمناسبة احتفال كلية آداب جامعة دمشق بالذكرى السبعين لاحداثها. وقعت المحاضرة كما يبدو على آذان صماء. لم تترك اي اثر . لم يناقشني احد رغم ان القاعة حفلت باساتذة اللغة العربية. ما يزال الحزن يتملكني حتى الآن من تلك التجربة المؤسفة. ثم منذ اواخر عام 2016، اي منذ ان دعتني اليونسكو الى احتفالات عام 2016 بيوم اللغة وانا اتابع الموضوع. كنت خاطبت المديرة العامة لليونسكو طالبا تغيير الموعد. كذلك خاطبت الكسو. ارجح ان مخاطباتي واطلالاتي الاعلامية هي التي جعلت اليونسكو توجه الي الدعوة الى احتفال يوم اللغة العربية عام 2016 . ربما انني السوري الوحيد الذي شارك في احتفالات اليونسكو السنوية بيوم اللغة العربية العالمي. ولا ننسى طبيعة العلاقات السورية — السعودية في المدة بعد 2011.
*هل خاطبت الجهات المعنية في سورية ؟
** بالتأكيد . مباشرة وعبر محاضرات عامة. نتيجة المخاطبات المباشرة وجه الي وزير التربية رسالة شكر اعتز بها تمتدح جهودي بشان اللغة العربية ويومها. ثم في آذار 2018 كانت لي محاضرة حاشدة في مركز كفرسوسة الثقافي تعاهد فيها الحاضرون على بذل الجهود لتغيير يوم 18 –12. وكان في عدادهم الشيخ الدكتور حسام الدين الفرفور والدكتورة ايسر اسطواني والدكتور احمد المفتي.في اجواء تلك المحاضرة زاد تبلور الدعوة الى اختيار المتنبي ليجلس على عرش اليوم العالمي للغة العربية والى يمينه شكسبير والى يساره بوشكين. أليس المتنبي هو العالمي الأول الذي جرى وصفه على الألسن منذ قرون” ماليء الدنيا وشاغل الناس؟ انهمله ونحن نزعم اننا نعتني بلغتنا وبتراثنا؟ أنغفل ذكره في يوم لغتنا العالمي احتفاء بيوم جرى فيه اعتبار لغتنا في عداد لغات الامم المتحدة الرسمية؟
*والآن اتى دور المؤتمر القومي العربي ليحمل الدعوة. اليس كذلك؟
** نعم وبالتأكيد. يبقى أن اذكر ان ارتباط المتنبي بحلب امر لا يغيب عن الذهن . صادف تبشيري بالمتنبي في باريس تحرر حلب من الارهاب فكانت مناسبة لاقول ان حلب هي التي ولدت يوم اللغة العربية في آذار 2006 ، فهي بذلك سبب اجتماعنا اليوم في باريس، وحلب هي التي يليق بها ان تكون مركز احتفال بيوم اللغة العربية العالمي ورمزه المتنبي . وأذكر بهذه المناسبة انني على صلة وثيقة في موضوع اليوم العالمي للغة العربية مع كل من جمعية العاديات ومركزها حلب ورئيسها الدكتور محمد قجة ومع قسم اللغة العربية في كلية آداب جامعة حلب الاستاذة الدكتورة ناديا حسكور. ولا أنسى ان نشركم هذا الحوار اثناء مدة معرض دمشق للكتاب يزيد من امكانية تحقيق المطلوب. لفكرة تغليب المتنبي على أي اعتبار آخر سلطة لا تقف امامها اية عقبة . وهي رافعة للعزيمة العربية في وقت دقيق يختلط فيه الشعور بالانتصار مع تصاعد تيارات التبعثر . أما المؤتمر القومي العربي فملزم بمقتضى ما قرر أعضاؤه بمخاطبة المنظمتين العربية والاسلامية للتربية والثقافة والعلوم فيسألها تغيير موعد اليوم العالمي للغة العربية. وعسى خيرا. وأختم بما ختمت به مناشدة أودعتها الواتساب هذا اليوم السادس من آب:” مودتي وتقديري لكل من يقول: لماذا نحرم العربية من المتنبي في وقت تنتشي فيه الانجليزية بشكسبير والروسية ببوشكين؟”.
(سيرياهوم نيوز11-12-2020)