القاضي حسين حمادة
يُطرح في الساحة السورية اليوم جدل واسع حول دور المثقفين بعد التحولات السياسية التي أعقبت سقوط النظام السابق. هذا الجدل يتخذ شكل اتهامات متبادلة: فهناك من يصف بعض المثقفين الثوريين بالانقلابيين والانتهازيين، فيما يرى آخرون أن بعض الأصوات الثقافية تحولت إلى أدوات دعائية تبريرية لصالح السلطة الجديدة.
أولاً: اتهام “المثقفين المنقلبين”
يعتقد منتقدو هذه الفئة أن بعض المثقفين الذين كانوا في صف القيادة الجديدة مع بداية المرحلة الانتقالية، سرعان ما تحولوا إلى معارضين لها. ويُفسَّر هذا التحول، في نظرهم، لا باعتبارات مبدئية بل بمصالح شخصية لم تتحقق، أو بخسارة فرص كانوا يطمحون إليها. من هنا، تُوصف كتاباتهم بأنها تفتقر إلى التوازن، وتركز على تضخيم السلبيات وإغفال الإيجابيات، ما يجعلها أقرب إلى ممارسة التشويه منه إلى النقد المسؤول.
ثانياً: الدفاع عن “المثقفين النقاد”
في المقابل، يؤكد المدافعون عن هؤلاء المثقفين أن دورهم الطبيعي هو النقد المستمر لأي سلطة، أكانت جديدة أم قديمة. فالمثقف، وفق هذا الرأي، ليس موظفًا عند الحاكم بل ضميرًا يقظًا للمجتمع. ومن هذا المنطلق، فإن تبدل الموقف من التأييد إلى النقد يعكس مراجعة فكرية أو خيبة من أداء السلطة، لا بالضرورة انتهازية سياسية. وبالتالي فإن اتهامهم بالخيانة أو الانقلاب، يُنظر إليه كآلية للحد من حرية التعبير وإضعاف دور المثقف في الرقابة والمساءلة.
ثالثاً: صورة “المثقفين المصفقين”
لا يقف الجدل عند هذا الحد، إذ يوجّه البعض اتهامًا مضادًا إلى شريحة من المثقفين الذين اصطفوا بشكل كامل خلف السلطة الجديدة، وأصبحوا أقرب إلى “غوغائيين” في نظر منتقديهم، يبررون كل سياساتها وقراراتها مقابل مكاسب مادية أو رمزية. هؤلاء، بحسب هذا الرأي، فرّطوا بوظيفتهم النقدية، وقدموا ولاءهم السياسي على حساب رسالتهم الفكرية.
رابعاً: جوهر الأزمة
يكشف هذا الاستقطاب بين “المثقفين الانتهازيين” و”المثقفين الغوغائيين” عن أزمة أعمق تتعلق بطبيعة المجال العام في سوريا. ففي غياب مؤسسات ديمقراطية راسخة وآليات حوار مفتوحة، يتحول النقد إلى تهمة جاهزة، ويصبح المثقف عالقًا بين خياريْن متناقضين: إما أن يُتهم بالانتهازية إذا مارس النقد، أو بالغوغائية إذا اصطف مع السلطة.
#الخلاصة
إن تجاوز هذا الجدل لا يكون بإقصاء طرف أو شيطنته، بل ببناء بيئة سياسية تسمح بوجود نقد موضوعي بعيد عن التخوين والاتهام. فالمثقف لا تُقاس قيمته بمدى قربه أو بعده عن السلطة، بل بقدرته على الإسهام في ترسيخ الوعي العام، وكشف أوجه القصور، والدفع نحو بناء دولة قائمة على المساءلة والشفافية. وبهذا المعنى، فإن وظيفة المثقف ليست الانقلاب ولا التبرير، وإنما المساءلة الدائمة من أجل الصالح العام
(اخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)