وسام كنعان
في الفترة الماضية، كثّفت منصّة Show 1+1 عروضها الدرامية، وكانت وجبتها الثانية بعد «مغتربون» (كتابة نجيب نصير ورامي عمران وإخراج عمار العاني) مسلسل «كنبة أورانج» (فكرة يزن أتاسي وتأليفه مع مجموعة كتّاب وإخراج ورد حيدر). يقدّم العمل فرضيّته في مكان واحد، وتدور أحداثه في عيادة طبيب نفسي، وتنطلق صراعاته عبر اعترافات مجموعة من المرضى النفسيين الذين يزورون العيادة. وحالما يجلس المريض على كنبة برتقالية اللون، حتى يبدأ بالتعرّي النفسي من كلّ زيف وتتهاوى الأقنعة ليترك نفسه بمساعدة طبيبه للبوح، وسرد الحقائق مهما كانت قاسية، لأنّها تترك شعوراً لدى كل زائر بأنّه أمام فضاء آمن. هكذا، يعجّ هذا الفضاء لاحقاً بفوضى المرضى من الإدمان، والصدمة، والاكتئاب، إلى الخيانة، والذكوريّة المرضيّة، والبارانويا، وألم الفقد، وغيرها. تتنوّع حالات المرضى بينما يُصغي المعالج، محاولاً كلّ مرّة العثور على بصيص أمل لشفاء زوّاره. المسلسل قصير جداً تراوح كلّ حلقة منه بين 5 و10دقائق، والهدف هو محاولة تقديم دراما مسرحية ولكن بوسائل بصرية مختلفة لتوضيح الحكاية.
من المسلسل
تركيا – تكلفة زراعة الأسنان بالفم الكامل قد تفاجئك تمامًا
زراعة الاسنان في تركيا
ولن يدّعي العمل خوضه عميقاً في موضوع الصحة النفسية، كما لا يطرح نفسه متخصّصاً في التعاطي مع الحالات، لكنه يضمِّن الحلقات شيئاً من الحسّ التوعوي الذي يفترض أن تكتنزه الدراما بشكلها الحديث. لعلّه يجري ضربة بحث موسّعة على المجتمع السوري بعد الأهوال المتعاقبة التي لحقت به، ويختار عيّنات عشوائية من هذا المجتمع المصاب بالعطب، ويضعها وجهاً لوجه أمام طبيبها النفسي الذي يلعب دور المرآة ويترك الفرصة لمرضاه أن يجرّبوا فكرة كرسي الاعتراف. هكذا، نرصد عبر حكايات هؤلاء المرضى، مجموعة من الأزمات التي صارت تسيّج المجتمع السوري، لعلّ أبرزها التباين الثقافي الهائل لدى المهاجرين إلى أوروبا، فيما يقدّم للمرة الأولى ربما نموذجاً جذاباً عن ممثلة برعت في سنوات المعهد في تقليد الحيوانات، فإذا بها تحبس نفسها في هذا المكان، بين الدوبلاج ومسرح العرائس وتتجرد في عيادة طبيبها النفسي لتحكي عن تعرّضها للاغتصاب من زميل لها في كواليس أحد العروض! ويجنح في مكان آخر للحديث عن العلاقة المأزومة بين الآباء والأبناء في المجتمعات المقفرة والسؤال عن شكل الوفاء للأب وجدلية العلاقة بينه وبين عائلته عندما يصبح عبئاً بسلوكه الناتج من وضعه الصحي المتردّي! تأخذنا القصص بمقترح مغاير نحو قضية الإدمان، متضمنةً حيزاً من الاعترافات، فيما لا يمسك الطبيب النفسي (يلعب دوره بإتقان النجم جلال شموط) نفسه عن الاندماج مع مرضاه والتأثر بقصصهم.
السوية الأدائية عند غالبية ممثلي العمل الذين ظهروا حتى الآن (جلال شموط، جفرا يونس، سعد مينا، نيرمين شوقي، الشريف قصّار) هي الورقة الرابحة التي تخلق قيمة مضافة وحاملاً يقدر فعلياً على تحقيق شرط الجذب، فيما يبذل المخرج قصارى جهده للهرب من ضيق الفضاء المتاح أمامه، ويحاول قدر الإمكان التعاطي مع المادة الدرامية من دون مبالغة في التشكيل البصري بمعنى أن تصل كما هي بعيداً من أي استعراض مجاني!
يمكن القول باختصار إن «كنبة أورانج» تجربة لافتة تمثّل خطوةً نحو عالم درامي أكثر تكثيفاً، يمكنه فعلياً طرح القضايا بجرعات مفرطة من الجرأة والاشتباك معها وجهاً لوجه مع المسائل الحيوية بمنطق درامي متحرر بالمطلق من أي نوعية رقابية!
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية