تحت هذا العنوان نشر موقع “المحافظ الأمريكي” المحافظ الأمريكي مقالا لإيلي غيرانمايه تناول المفاوضات الأمريكية الإيرانية وآفاق التوصل إلى اتفاق أمريكي إيراني جديد.
وجاء في المقال المنشور على موقع المحافظ الأمريكي:
إن ترامب في وضع يسمح له بجني فوائد حقيقية وملموسة من الاتفاق الجديد مع طهران، حيث يتطلع الرئيس الأمريكي إلى أن يكون صانعا للسلام. ومع استمرار حربي غزة وأوكرانيا، ثمة ملف واحد يمثل فرصة سانحة له: إيران. وقد تحسنت فرص التوصل إلى اتفاق نووي أمريكي-إيراني في أعقاب جولة مفاوضات سريعة ومفاجئة مؤخرا.
ويواجه ترامب الآن الخيار بين دعم اتفاق يحتوي البرنامج النووي الإيراني مع إمكانية فتح فرص سوقية مربحة للشركات الأمريكية، أو المخاطرة بالحرب، ما قد يدفع إيران إلى السباق للحصول على قنبلة، وهو ما قد يكلف الأمريكيين أرواحا وموارد عسكرية هائلة.
وقد عقدت الولايات المتحدة وإيران 3 جولات من المحادثات غير المباشرة واجتماعا واحدا على مستوى الخبراء خلال ما يزيد قليلا عن أسبوعين. وعقب محادثات نهاية هذا الأسبوع في عمان، صرح ترامب بأن المفاوضات “تسير على ما يرام”، و”سنتوصل إلى شيء ما دون الحاجة إلى إلقاء القنابل”. ويبدو أن كلا البلدين ملتزمان بتحقيق تقدم، وقد اتفقا على الاجتماع مجددا في الأيام المقبلة. ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات فنية كبيرة، وجهات معطلة تسعى إلى عرقلة هذا الزخم.
ويبدو أن التسوية الجوهرية قد حُسمت: حرمان إيران من سبل امتلاك السلاح النووي مقابل تخفيف الأعباء الاقتصادية. ومع ذلك، يرسل مسؤولو الإدارة الأمريكية رسائل متضاربة حول الحد الأدنى المطلوب لبرنامج نووي إيراني مقبول.
وبعد خسارتهم معركة الضربات العسكرية حتى الآن، تحول صقور إيران إلى عرقلة المحادثات. فبدأوا باقتراح “نموذج ليبيا” للاتفاق الذي يفكك البرنامج النووي الإيراني. والآن يحولون تركيزهم إلى اقتراح الفكرة التي باءت بالفشل مرارا وتكرارا، وهي منع إيران من تخصيب اليورانيوم على أراضيها. وهناك جهد آخر جار يتمثل في فرض قيود دائمة على الأنشطة النووية الإيرانية.
وقد رفضت إيران هذه المقترحات لانتهاكها حقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. وقد أعطى المرشد الأعلى خامنئي، صاحب القرار النهائي في إيران، الضوء الأخضر للمفاوضات الحالية بوضوح، وحصر، في الوقت الحالي، المتشددين الذين يعارضون الدبلوماسية ويفضلون نهج المواجهة. مع ذلك، فإن لإيران أيضا خطوطها الحمراء، وقد أثبتت على مدى العشرين عاما الماضية أنها لن ترضخ للمطالب المتطرفة مثل تفكيك برنامجها النووي وعدم تخصيبه بالكامل، ولن تنزع أسلحتها التقليدية كالصواريخ.
في الوقت نفسه، قد تكون التصريحات الأمريكية المتناقضة بشأن موقفها بمثابة بالونات اختبار لطهران أو استرضاء المتشددين. مع ذلك، قد تشير أيضا إلى أنه لا أحد، بما ذلك ترامب، يعرف ما يريده. وما لم يوضّح هذا، فإنه يضعف قدرة الفريق الأمريكي على إنجاز الصفقة السريعة التي يطلبها ترامب، ويفتح المجال أمام المعرقلين.
ويعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يضغط على الولايات المتحدة لشن ضربات عسكرية على إيران وتفكيك برنامجها النووي بالكامل، من أبرز المعارضين لاستراتيجية ترامب التفاوضية. وليس واضحا ما إذا كانت الولايات المتحدة قد وضعت أي خطوط حمراء للهجمات الإسرائيلية على إيران. وفي مقابلة حديثة، أشار ترامب إلى أنه لم “يمنع” إسرائيل من مهاجمة المواقع النووية الإيرانية، مع أنه لم يجعل الأمر “مريحا بالنسبة لهم”.
وبينما من المستبعد أن تهاجم إسرائيل المواقع النووية الإيرانية علنا طالما استمرت المحادثات الأمريكية الإيرانية، إلا أن إسرائيل قد تشن هجمات سرية داخل إيران (وهي تجربة لها فيها تاريخ طويل وناجح). ومع انطلاق المفاوضات الأمريكية الإيرانية في عمان يوم السبت، وقف انفجار غير مسبوق في أكبر مرافئ إيران، ما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصا وإصابة 1200 آخرين. وتقول الحكومة الإيرانية إنها تحقق في سبب الانفجار، ولم تربطه حتى الآن بأي هجوم. مع ذلك، انتشرت شائعات بأن إسرائيل هي المحرضة. (كان هجوم إلكتروني على نفس المرفأ في 2020 قد نسب إلى إسرائيل في تقرير لـ “واشنطن بوست”).
ستشكل الهجمات الإسرائيلية السرية معضلة لكل من إيران وإدارة ترامب. فإذا صعّدت إيران، سيضيّق ذلك المجال أمام ترامب لمواصلة المحادثات، وقد يحفز الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل لشن مزيد من الهجمات. وإذا انسحبت إيران من المحادثات، فإنها تنفذ خطة نتنياهو لتخريب الدبلوماسية، وتترك الولايات المتحدة أكثر ميلا للخيار العسكري. وإذا لم تستجب إيران إطلاقا، فقد يشجع ذلك إسرائيل على مواصلة الهجمات. ولتجنب هذه الكارثة، ينبغي على الرئيس ترامب أن يوضح لنتنياهو بوضوح أنه لا ينبغي شن هجمات سرية أو علنية داخل إيران طالما أن المفاوضات الأمريكية الإيرانية مستمرة.
إن ثمن الفشل الدبلوماسي باهظ لكل من إيران والولايات المتحدة. وفكرة إمكانية إيقاف البرنامج النووي الإيراني بضربة جراحية دقيقة هي فكرة خاطئة. فإيران تمتلك الآن خبرة هائلة، وتحوز ما يكفي من المواد الانشطارية النووية لإنتاج قنابل متعددة في غضون أسابيع قليلة. وبدون احتلال الولايات المتحدة لإيران، فإن الضربات العسكرية قد تعيق البرنامج النووي لمدة عام تقريبا في أفضل الأحوال، لا القضاء عليه. وسيتعين على الولايات المتحدة تخصيص موارد لحملات قصف منتظمة داخل إيران.
في نفس الوقت ستحمل كل جولة قصف مخاطر رد فعل تصعيدي ضد العسكريين والدبلوماسيين الأمريكيين في الشرق الأوسط وحلفائهم الإقليميين. كما قد تدفع الضربة إيران نحو التسلح في مواقع محصنة تحت الأرض، وهو أمر صرحت الاستخبارات الأمريكية مؤخرا بأنه لم يحدث منذ عام 2003. ومن المرجح أن ينشغل ترامب وإيران بمثل هذه المواجهة العسكرية لسنوات.
يبدو أن ترامب وخامنئي يدركان أن المخاطرة بالصراع أمر متهور وغير ضروري. ويتعين على الجانبين الآن الحفاظ على الزخم الدبلوماسي، وينبغي على طهران قبول عرض واشنطن بإجراء محادثات مباشرة رفيعة المستوى لتسريع التوصل إلى اتفاق إطاري يحدد أهداف المفاوضات، وهو ما من شأنه أن يعزز التأييد السياسي من كل الجانبين، ما يصعّب على المفسدين عرقلة المفاوضات. ومن شأن عقد مثل هذه المحادثات في الرياض، خلال زيارة الرئيس ترامب المقبلة، أن يشرك المملكة العربية السعودية بشكل بنّاء، ويحمي العملية من محاولات التخريب الإسرائيلية.
يتطلب الأمر محادثات فنية موسعة حول الإجراءات النووية، والمساعدات الاقتصادية، وتسلسل الإجراءات. لكن ينبغي على ترامب وخامنئي الاتفاق مبدئيا على ثلاث مزايا جديدة لم يجرؤ أي من الجانبين على تقديمها مسبقا.
أولا، يمكن لإيران أن تفتح أبوابها أمام أوسع نطاق من التحقق والمراقبة على الإطلاق، وهو ما توفره أي دولة طوعا لبرنامجها النووي. ومن الطرق الجديدة لتعزيز التحقق، تعاون إيران والولايات المتحدة المباشر في المجال النووي المدني، مع شركات وعلماء أمريكيين على أرض الواقع. وبموجب الاتفاق النووي السابق لعام 2015، وقعت بريطانيا وروسيا والصين اتفاقيات للعمل ضمن الصناعة النووية الإيرانية. وفي أي اتفاق جديد، ينبغي على الولايات المتحدة وإيران أن تحذو حذوهما.
ثانيا، ينبغي على إيران أن تقدم قيودا على الأنشطة النووية المقيدة لفترة أطول من تلك الواردة في اتفاق عام 2015. عادة ما تكون اتفاقيات الحد من الأسلحة محددة زمنيا، لكنها غالبا ما تكون قابلة للتجديد. من المستبعد جدا أن توافق إيران على تقييد جميع أنشطتها النووية إلى الأبد. مع ذلك، ينبغي على طهران قبول فترات زمنية طويلة الأجل، والموافقة على تجديد اتفاقيات أخرى في تاريخ لاحق.
ثالثا، ينبغي أن يتيح الاتفاق الجديد التجارة والاستثمار المباشرين. وكان من ضمن انتقادات ترامب للاتفاق الأصلي أن الولايات المتحدة تخفف العقوبات المفروضة على إيران دون أن تستفيد منها اقتصاديا، ففتح رفع العقوبات الثانوية الأمريكية السوق الإيرانية المربحة لأوروبا وروسيا والصين، لكنه أبقى الباب مغلقا أمام الشركات الأمريكية. وينبغي أن يذهب الاتفاق الجديد إلى أبعد من ذلك بتخفيف العقوبات الأمريكية الرئيسية، وغيرها من العوائق القانونية التي تعيق التعاون الاقتصادي الأمريكي الإيراني.
على الجانب الإيراني، ثمة خطاب يرحب بنشاط بالتجارة والاستثمار الأمريكي. ولكن حتى لو خففت العقوبات الأمريكية، يجب على إيران إصلاح اقتصادها ونظامها المصرفي الخاضع للعقوبات بشكل كامل لجذب استثمارات غربية فعالة. وهذا يتطلب التزاما طويل الأمد من إيران باستئصال الفساد وسوء الإدارة وتهدئة التقلبات السياسية في البلاد، وهو ما يعزى في معظمه إلى انتهاكات حقوق الإنسان والقمع الاجتماعي.
إن الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط اليوم، بعكس عام 2015، تمنح ترامب فرصة لجعل الاتفاق الأمريكي الإيراني نقطة تحول إقليمية. لقد تضررت قدرة إيران على الردع الإقليمي ضد إسرائيل بفقدانها هيمنتها في سوريا ولبنان. وبعد أن أجبرت طهران على التخلي عن بعض أوراقها، قد تجد تقديم تنازلات أسهل. في الوقت نفسه، حسنت إيران علاقاتها مع دول الخليج العربية، ما أتاح فرصا جديدة للولايات المتحدة.
وفي حين ينبغي أن يظل الاتفاق الأمريكي الإيراني مركزا على القضايا النووية، يمكن دمج هذا الاتفاق مع مسار منفصل للحوارات الأمنية بين إيران وجيرانها العرب، بقيادة المملكة العربية السعودية. وينبغي أن يشمل ذلك نقاشا إقليميا جادا حول تقليص دور الجماعات المسلحة غير الحكومية الموالية لإيران، وتعزيز دور الدول المركزية في العالم العربي. في المقابل، وبعد تخفيف العقوبات الأمريكية على إيران، يمكن لشركات دول مجلس التعاون الخليجي أيضا أن تدخل الاقتصاد الإيراني. كما يمكن لإيران والمملكة العربية السعودية أ تطلقا الحوار الضروري للغاية حول التعاون النووي الإقليمي، الذي يمكن أن يعزز الثقة الدولية في البرنامج النووي الإيراني.
تطيل هذه الإجراءات أمد الاتفاق الأمريكي الإيراني المحتمل من خلال تعزيز الثقة في إيران والولايات المتحدة والمنطقة العربية. بهذه الطريقة، يمكن للرئيس ترامب التوصل إلى اتفاق تاريخي يعزز نظام منع الانتشار النووي، ويجعل إسرائيل أكثر أمانا، ويمنح الشرق الأوسط فرصة حقيقية للاستقرار.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _راي اليوم