| مصعب أيوب
يمتد وطننا العربي على مساحة جغرافية كبيرة جعلت موقعه مميزاً عند ملتقى قارات ثلاث محورية من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي، وتتنوع فيه التضاريس والخيرات والثروات وكذلك اللهجات والثقافة، وقد شكل على مر السنين في بعض الأحيان شراكات مميزة بين دوله وأقطاره ولعل أبرزها الوحدة بين سورية ومصر 1958.
شاعر الطفولة
نظراً لتمتع الوطن العربي بالمناخ المتنوع والطبيعة الخلابة حيث كان مقصداً للكتّاب والشعراء وأصحاب القلم البديع والإحساس المرهف فاستقر بعضهم في دول أخرى ونظم فيها القصائد الجميلة التي تغنى من خلالها بتاريخ وإنجازات وحضارة ذاك القطر الشقيق لأنه يحدث أثراً عميقاً بداخله.
ولعل الشاعر سليمان العيسى من أبرز الذين كتبوا للوحدة العربية وتغنوا بالأقطار العربية ورسموا بأقلامهم الحلم الأهم، فيقول:
موجتي ألقت الشراع على الشام
ورفت على العيون الظماء
والمنى الخضر… أن أمد جبيني
للضحى من عروبة وإخاء
بنجيعٍ، ما زال في بورسعيد
ألق منه عابق في الفضاء
بعمان يا مصر، بالجبل الأخضر
يبلي في النار مر البلاء
لا تعودي إلا على الوحدة
الكبرى… مللنا السرى على الأشلاء
قدرٌ… أن نطل كالشمس شعباً
عربياً موحد الأرجاء
ألمح النيل… ماج في كل صدر
عربي دنيا من الكبرياء
وقد ألّف سليمان العيسى قصيدة بعنوان «الموجة الحمراء» يدعو من خلالها العرب للوقوف في وجه الاحتلال الأجنبي والسعي للتحرير وتجاوز كل ما يعوق الوصول للوحدة وبناء مجتمع عربي متماسك كالذي كنا وما زلنا نحلم به جميعاً وخاطب الأمة العربية بلغة نارية عاصفة وشعور قوي بوحدتها حيث انطوت في العروبة أبعاد حضارات هائلة وتشابكت فيها الكثير من الأصول والفروع، وجاء فيها:
شدّي جراحك من جديد
وامشي على ومض الرعود
وتكلمي لكن بألسنة اللهيب والحديد
يا أمتي حطمت قيود العالمين سوى قيودي
ردي على الوتر الشرود
عذوبة النغم الشرود
وخذي جديد قصائدي
حمراء لاهبة البرود
ومما قاله أيضاً عن اليمن متغنياً بسهوله وطبيعته الجميلة في ديوانه «اليمن في شعري» الصادر 1999:
سلام على مهدنا الأول
على اليمن المشرق المقبل
على كل شامخة في السماء
تلوح كقامة الأجدل
سلام على كل وادٍ يمور
بأسرار تاريخنا الموغل
سلام على حلوتي في الذرا
وصنعاء أعني، فلا تسأل
سلام على نسمة في «تعز»
فتحنا لها الصدر فلتدخل
روح الأخوة والوحدة
خلال حفل أحيي بفندق «شبرد» بالقاهرة قامت مجموعة من السوريين بتكريم الشاعر حافظ إبراهيم، وبهذه المناسبة نظم الشاعر قصيدته التي هدف من خلالها إلى بث روح الأخوّة والوحدة بين الشعوب العربية، كما عبّر عن الروابط القوميّة والتاريخيّة التي تجمع بين أبناء هذه الأمّة الواحدة، فلغتهم واحدة وكذلك تاريخهم وثقافتهم وحضارتهم، فتلك أواصر غليظة عريقة من شأنها أن تجمع بينهم وتوحدهم، فيكون الجرح واحداً والألم واحداً مهما ابتعدوا بعضهم عن بعض من ناحية جغرافية سواء كان ذلك في المشرق أم في المغرب. إذاً فالتوجّه في القصيدة قوميّ عربيّ. وقد جاء فيها:
لمصر أم لربوع الشام تنتسب
هنا العلا وهناك المجد والحسب
إذا ألمت بوادي النيل نازلة
باتت لها راسيات الشام تضطرب
وإن دعا في ثرى الأهرام ذو ألم
أجابه في ذرا لبنان منتحب
لو أخلص النيل والأردن ودهما
تصافحت منهما الأمواه والعشب
ونظم الشاعر أحمد شوقي قصيدة أثناء حفل تكريمه ومنحه لقب «أمير الشعراء» حيث كان ذلك في ربيع عام 1927 والتي تغنى بها بالربيع وببعض الأقطار العربية:
تتبارى أصائل الشام فيها
والمذاكي العناق في لبنانه
قلدتني الملوك لؤلؤ البحرين
آلاءها ومن مرجانه
يا عكاظاً تألف الشرق فيه
من فلسطينه إلى بغدانه
حن للشام حقبة وإليها
فاتح الغرب من بني مروانه
كلما أنّ بالعراق جريح
لمس الشرق جنبه في عمانه
تغن وتمجيد
وقد كان لسورية نصيب كبير في قصائد الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري الذي تجاوز الحدود الإقليمية ببعض أشعاره وتغنّى بسورية والعراق فقال:
قالوا دمشق وبغداد فقلت هما
فجر على الغد من أمسيهما انبثقا
ما تعجبون؟ أمن مهدين قد جمعا
أم توءمين على عهديهما اتفقا؟
يهدهدان لساناً واحداً ودماً
صنواً ومعتقداً حراً ومنطلقا
دمشق عشتك ريعاناً وخافقة
ولمة والعيون السود والأرقا
وأنت لم تبرحي في النفس عالقة
دمي ولحمي والأنفاس والرمقا
دمشق صبراً على البلوى فكم صهرت
سبائك الذهب الغالي فما احترقا
إذ تسقط الهامة الإصباح يرقصنا
وقاسيون علينا ينشر الشفقا
وللشاعر السوري نزار قباني قصيدة في حب لبنان وإظهار جمالها وعظم شأنها يقول فيها:
يا ست الدنيا يا بيروت
يا حيث الوعد الأول… والحب الأول
يا حيث كتبنا الشعر
وخبأناه بأكياس المخمل
يا ست الدنيا… أن الدنيا بعدك ليست تكفينا
الله… يفتش في خارطة الجنة عن لبنان
والبحر يفتش في دفتره الأزرق عن لبنان
أعطيني كفك يا جوهرة الليل وزنبقة البلدان
دعوة للصمود والمقاومة
وللشاعر السوداني محمد الفيتوري أيضاً قصيدة في حب السودان ودعوة للثورة على الظلم والنهوض والوقوف بشموخ في وجه الاستعمار ومحاربة الفساد، متوجهاً لكل أبناء المجتمع ذكوره وإناثه ويقول فيها:
أنت عشقي
حيث لا عشق يا سودان
إلا النسور الجبال
يا شرفة التاريخ
يا راية منسوجة
من شموخ النساء
وكبرياء الرجال
كان اسمها أم درمان
كان العرس عرس الشمال
كان جنوبياً هواها
وكانت ساعة النصر
ومن القصائد التي ربما تكون عالقة وراسخة في ذهن كل عربي ويتغنى بها الجميع قصيدة «موطني» للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان حيث نظمها بوجدان عربي ووطني وصارت لها شهرة كبيرة عند الشعوب العربية وأصبحت النشيد الوطني لدولة العراق ومما جاء فيها:
موطني… موطني
الجلال والجمال والسناء والبهاء… في رباك
والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك
هل أراك؟ سالماً منعماً وغانماً مكرماً
هل أراك؟ في علاك تبلغ السماك؟
موطني… موطني
الحسام واليراع لا الكلام والنزاع رمزنا
مجدنا وعهدنا وواجب إلى الوفا يهزنا
حالة الأمة في حديث الشعراء كما رأينا بين الأمل والرجاء.
سيرياهوم نيوز1-الوطن