آخر الأخبار
الرئيسية » الزراعة و البيئة » “المدن المتوسطية” أمام أسئلة البقاء.. ماذا ينتظرها بعد عاصفة الإسكندرية؟

“المدن المتوسطية” أمام أسئلة البقاء.. ماذا ينتظرها بعد عاصفة الإسكندرية؟

الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي للهيئة العامة للأرصاد الجوية في مصر، أكدت لـ”النهار” أن الهيئة أصدرت تحذيرات مبكرة بخصوص هذه الحالة الجوي

في الساعات الأولى من فجر السبت 31 أيار/مايو 2025، استيقظت مدينة الإسكندرية على وقع عاصفة جوية غير مسبوقة قلبت موازين الطقس في عزّ فصل الربيع. أمطار رعدية غزيرة، رياح عاتية، وانخفاض حاد في درجات الحرارة تخللته زخات من الغروبل – نوع من الثلوج الكثيفة – حولت الشوارع إلى مشهد أقرب إلى فصل الشتاء منه إلى نهاية أيار/مايو، ما أثار تساؤلات واسعة حول مسببات هذه الظاهرة ومدى جاهزية الجهات المسؤولة للتعامل معها.

غير أن هذا الحدث، كما يؤكد المختصون، لا يمكن فصله عن السياق المناخي الأوسع الذي يشهده حوض البحر الأبيض المتوسط، بل يمثل حلقة في سلسلة من الظواهر المتطرفة التي باتت تتكرر بوتيرة مقلقة. فماذا حدث علمياً؟ وما الذي ينتظر حوض البحر المتوسط مستقبلاً لا سيما في ظل التحذيرات من تسونامي نتيجة الزلازل المتكررة؟

تحذيرات رسمية
الدكتورة منار غانم، عضو المركز الإعلامي للهيئة العامة للأرصاد الجوية في مصر، أكدت لـ”النهار” أن الهيئة أصدرت تحذيرات مبكرة بخصوص هذه الحالة الجوية قبل وقوعها بنحو 72 ساعة، وأعادت التأكيد عليها لاحقاً من خلال بيان جوي خاص تم تعميمه على وسائل الإعلام، وغرف إدارة الأزمات على مستوى الدولة، بما في ذلك غرفة الطوارئ في محافظة الإسكندرية وشركة مياه الشرب والصرف الصحي. وأوضحت أن هذا التحذير تضمن تنبيهات واضحة حول الأمطار الرعدية المتوقعة، ونشاط الرياح المثيرة للأتربة.

وتقول إن “سرعة الاستجابة من قبل الجهات المعنية ساعدت في الحد من الخسائر المحتملة. وتعتمد الهيئة على نماذج عدة متطورة للتنبؤ بالطقس، إلا أن محدودية التمويل تمثل تحدياً أمام تطوير منظومة الإنذار المبكر وتوسيع قدرتها التقنية والبشرية”.

وبيّنت أن” الهيئة تسعى إلى تعزيز التعاون مع جهات دولية لتحسين أدواتها التكنولوجية، إلى جانب رفع وعي المواطنين وتأهيل الكوادر المعنية بالتعامل مع الكوارث الجوية”.

واعتبرت غانم أن “ما شهدته محافظة الإسكندرية أخيراً هو حالة جوية متطرفة وغير معتادة على الإطلاق في هذا الوقت من العام بسبب التغير المناخي، ومصر بدأت تشهد بالفعل مثل هذه الظواهر خلال السنوات العشر الأخيرة، من حيث التوقيت أو شدة الحالة الجوية”.

تفسير وتحذير
من جانبه، قال المهندس البيئي والمختص في الشأن المناخي، حمدي حشاد إن “ما حدث في الإسكندرية هو نتيجة تصادم بين كتلة هوائية دافئة قادمة من الجنوب وأخرى باردة قادمة من الشمال”.

وأوضح الخبير التونسي  لـ”النهار” أن “هذا التصادم ينتج طاقة كبيرة تترجم إلى ظواهر جوية عنيفة مثل العواصف الرعدية والأمطار الغزيرة والثلوج، كما حدث بالفعل في الإسكندرية. هذه الظواهر، التي كانت نادرة الحدوث في الماضي، وتفصل بينها سنوات، باتت اليوم تظهر في أكثر من منطقة متوسطية خلال فترات متقاربة، ما يؤكد أننا أمام تحول مناخي لا يمكن تجاهله”.

التحول الأكبر، بحسب حشاد، يتمثل في تغير طبيعة البحر الأبيض المتوسط نفسه، الذي كان يعرف بمناخه المعتدل، وأصبح اليوم يشهد ملامح مناخية استوائية. والسبب، كما يوضح، أن درجات الحرارة في شمال إفريقيا وجنوب المتوسط ترتفع بمعدل أعلى مرتين ونصف من المتوسط العالمي، ما يؤدي إلى تخزين حرارة أكبر في مياه البحر، والتي تعتبر وقوداً طبيعياً لتشكل العواصف والأعاصير المعروفة علمياً بـ”الميديكان”.

يصف الخبير مشاهد تغطية الثلوج لشوارع الإسكندرية بأنها تنتمي إلى ما يُعرف علمياً بـ”غروبل” “Graupel”، أي البرد الثلجي، وهو مختلف عن الثلوج المعتادة في المناطق الباردة من حيث الكثافة والحجم.

ووثقت مشاهد لعناصر الحماية المدنية المصرية وهم يسيرون وسط ثلوج بلغت الركبة في بعض الشوارع، في مشهد غير مسبوق في تاريخ المدينة الحديث.

أما التحدي الأخطر، فهو التقدم المستمر لمياه البحر نحو اليابسة، نتيجة ما يعرف بـ”التمدد الحراري”. ففي بعض الحالات، وصلت المياه لأكثر من كيلومتر داخل المدينة، ما يعكس مخاطر فقدان تدريجي للأراضي الساحلية، وينذر بخطر داهم على أمن المدن الكبرى في المتوسط، ومنها الإسكندرية.

خطر تسونامي؟
مع كل زلزال يرصد في البحر الأبيض المتوسط، تعود إلى الواجهة تساؤلات حول إمكانية حدوث تسونامي. ويؤكد حشاد أن البحر الأبيض المتوسط شهد بالفعل موجات تسونامي تاريخية، أبرزها تلك التي غمرت مدينة “نيابوليس” الرومانية على سواحل تونس قديماً، والتي لا تزال ترقد تحت الماء، إضافة إلى الزلزال الذي تسبب في انهيار منارة الإسكندرية.

لكن، كما يوضح، فإن المتوسط يختلف عن المحيطات من حيث الحجم والعمق، كما تحيط به جزر طبيعية تعوق انتشار موجات تسونامي على غرار ما شهدناه في فوكوشيما في اليابان أو باندا آتشيه  في إندونيسيا.

لذلك يرى أن وقوع تسونامي مدمر في المتوسط احتمال ضعيف لكنه غير مستبعد، وقد يكون تأثيره محصوراً في موجة بحرية محدودة المدى. ومع ذلك، تعتمد المنطقة على منظومة رصد وإنذار مبكر تشمل أقماراً صناعية وحساسات بحرية ومراكز علمية متصلة ببعضها، تتيح وقتاً مناسباً للتحرك والإخلاء في حال الضرورة.

 

من أعمال رفع المياه في أنفاق الإسكندرية التي أغرقتها العاصفة 

واجب الحكومات
أمام هذا الواقع، لا بد من إعادة تصميم البنية التحتية في المدن الساحلية لتكون قادرة على الصمود في وجه الظواهر المتطرفة. على ما يقول حشاد، إذ إن معظم المنشآت، من الكافيهات والمنازل إلى المستشفيات والمدارس، شيدت في فترات سابقة، ولم تأخذ بالاعتبار سيناريوات التغير المناخي، مثل هطول 200 ملم من المطر خلال ساعات، أو ارتفاع منسوب البحر بسبب ذوبان الجليد.

يدعو الخبير الحكومات في المنطقة إلى الانتقال من رد الفعل إلى التخطيط الاستباقي. وفي رأيه يتطلب ذلك وضع سيناريوات مناخية متوقعة في صلب عمليات التشييد والتوسعة العمرانية، وتحديث أنظمة تصريف المياه، وتحصين السواحل، والأهم من ذلك رفع الوعي المجتمعي تجاه الكوارث الطبيعية باعتبارها ظواهر علمية يمكن التنبؤ بها والتأقلم معها، وليس “قضاء وقدراً” أو “عقاباً إلهياً”.

ويختم حشاد بالتأكيد أن ما نشهده اليوم ليس سوى بداية لحقبة جديدة من الاختبارات المناخية، التي لن تؤثر فقط على البنية التحتية، بل على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للدول.

ويعتقد أنه مع استمرار الظواهر المناخية في الضغط على المدن والموارد، تصبح الحكومات مطالبة بوضع المناخ في صميم السياسات العامة، قبل أن تجد نفسها في مواجهة كوارث أكبر من دون استعداد.

 

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _النهار البنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كيف نستثمر رفع العقوبات الاقتصادية لتطوير الحالة الزراعية السورية..؟!

قادمون على فتح الأسواق برحابة “صدر أو بدونه” وربما “بدأنا بالفعل” تماشياً مع التطورات السياسية والاقتصادية، التي باشرت بها سورية منذ الخطوات الأولى للتحرير، بعد ...