عبد الله يونس
دير البلح | دفعت أوامر جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديدة بإخلاء المزيد من المناطق السكنية شرقي محافظة خانيونس جنوبي قطاع غزة، آلاف النازحين إلى التوجه إلى مدينة دير البلح المجاورة، وسط القطاع. ولم تكن الإخلاءات الجديدة محصورة بالمناطق الشرقية من الجنوب، بل فوجئ آلاف النازحين الذين نصبوا خيامهم في جيب زراعي يمتدّ من شرق بلدة القرارة الواقعة بين خانيونس ودير البلح وحتى غربها، باجتياح دبابات الاحتلال لهذا الجيب من اتجاه منطقة أبراج حمد في خانيونس، ما دفعهم أيضاً إلى الهروب والتوجّه إلى الدير تاركين وراءهم أمتعتهم، لتصبح هذه المدينة المعروفة بصغر مساحتها، البالغة 27 كيلومتراً مربعاً من أصل 365 كيلومتراً مربعاً هي المساحة الإجمالية لغزة، من أكثر المناطق الفلسطينية ازدحاماً وتكدّساً بالنازحين، بعدما باتت تستضيف نحو مليون نسمة، أو 50% من مجموع سكان القطاع.ويقول عبد الرحمن صباح، أحد وجهاء المدينة ومخاتيرها، في حديث إلى «الأخبار»، إن «دير البلح التي يطلِق عليها الفلسطينيون لقب (المدينة التي تنام باكراً) معروفة بالهدوء والابتعاد عن ضجيج الحياة، فهي مدينة زراعية في المقام الأول، وتطلّ على ساحل بحر غزة، ما يجعل جزءاً من سكانها يعملون في صيد الأسماك أيضاً». ويضيف أن المدينة مشهورة أيضاً بزراعة النخيل الذي يعانق السحاب، ويمتدّ على طول بصر زائريها، كما تتميّز بزراعة أشجار الزيتون. ويشير إلى أنه مع تطوّر حرب الإبادة، فتحت عائلات الدير «منازلها للنازحين، وأسكنتهم في أراضيها الزراعية، واقتسمت معهم لقمة عيشهم بكل رضى وسرور».
إلا أنه على المستوى الصحي، لم تكن مؤسسات المدينة مستعدّة للتعامل مع هذا العدد الكبير من النازحين، إذ يقول مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، لـ«الأخبار»، إن دير البلح «تضمّ مستشفى شهداء الأقصى الذي لا يُعدّ مستشفى رئيسياً في القطاع، ولكن بسبب الدمار الذي لحق بالمؤسسات الصحية والمستشفيات أصبح يحمل عبئاً كبيراً يتجاوز أضعاف إمكاناته»، مشيراً إلى أن «الإخلاءات الجديدة من خانيونس إلى دير البلح، ضاعفت من التحديات التي تواجه المستشفى، إذ أصبح مستنزفاً بشدّة وغير قادر على تحمّل مسؤولياته تجاه المزيد من النازحين». وإذ يلفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي «ضلّل العالم في ما يتعلّق بالمنطقة التي سمّاها زوراً بالمنطقة الإنسانية الآمنة، إذ عمل تدريجياً على تقليص مساحتها وخنْق النازحين أكثر فأكثر داخلها»، فهو يوضح أن «الاحتلال عندما أعلن عن المنطقة الإنسانية في تشرين الثاني 2023، كانت مساحتها 63% من مساحة القطاع، وفي كانون الأول الماضي تقلّصت إلى 38.3%، وفي أيار إلى 20%، وفي حزيران أصبحت 16.4%، وفي تموز 13.15%، وفي آب الجاري تقلّصت إلى 9.5%»، مذكّراً بأن محافظتَي غزة والشمال «لا تُعتبران آمنتَين، رغم وجود 700 ألف مدني فيهما».
تقلّصت مساحة المنطقة الإنسانية من 63% من مساحة قطاع غزة إلى 9.5%
وفي السياق نفسه، أعلنت لجنة طوارئ بلدية دير البلح، في بيان، أن التكدّس السكاني ضاعف من استهلاك المياه التي توفّرها البلدية، الأمر الذي أخرج 10 آبار مياه من الخدمة، وتسبّب بفقدان 9000 كوب يوميّاً، مبيّناً أن «هذه الآبار كانت تنتج 60% تقريباً من كميات المياه التي يتمّ ضخّها للسكان والنازحين في دير البلح، ما يضع المنطقة أمام تحديات رهيبة». ووفقاً لعضو في لجنة طوارئ بلدية دير البلح، طلب عدم ذكر اسمه، فإن الإخلاءات الجديدة في المدن المجاورة «تسبّبت بازدحام رهيب وتكدّس شديد للأهالي في دير البلح وسط ظروف مناخية شديدة الحرّ، وهو ما يفاقم من مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة». ويفيد بأن المدينة تستضيف حالياً نحو مليون نازح، موزّعين على 200 مركز إيواء، ما يجعلها أكثر المناطق استيعاباً للنازحين على مستوى العالم مقارنة بمساحتها. وإذ يعاني النازحون من عدم وجود أماكن مناسبة للإيواء، فإنهم يضطرون إلى المبيت في الشوارع والطرق، فيما يحذّر المصدر من استمرار تكدّس النفايات في الشوارع ومراكز الإيواء بسبب صعوبة وصول آليات البلدية إلى مكبّ النفايات المحدّد في المناطق التي طلب الاحتلال إخلاءها، ما يهدّد بانتشار الأوبئة والأمراض، علماً أنه تم، قبل أيام، اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال في المدينة.
وفي آخر التطورات التي شهدتها دير البلح، أصدر جيش الاحتلال، في 21 آب، أمراً بإخلاء حيَّين سكنيَّين شرقي الدير من النازحين والسكان، والتوجّه غرباً. وقالت بلدية دير البلح، في بيان، إن «معاناة جديدة ومأساة أخرى يقوم بها الاحتلال تجاه الأهالي في دير البلح، بتهجير جديد لنحو 100 ألف مواطن وخروج 20 من مراكز الإيواء من الخدمة». وبيّنت البلدية أن تكدّس الأهالي غربي المدينة، حيث لا يوجد متر واحد فارغ ليستوعب أعداداً جديدة، جعل المخليين حديثاً يهيمون على وجوههم، غير مدركين لوجهتهم، في ظلّ التقليص الكبير للمنطقة الإنسانية
سيرياهوم نيوز١_الاخبار