آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » المرأة وقاسم أمين بين التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني

المرأة وقاسم أمين بين التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني

| وليد القططي

بسبب دعوة قاسم أمين إلى التخلّص من الحجاب بالمفهوم المتشدد (النقاب) هاجمه التيار السلفي المتطرف، واتهمه بالخروج على أحكام الشريعة.

ارتبطت الدعوة إلى تحرر المرأة الاجتماعي أو ما يُعرف بحركة تحرير المرأة على امتداد القرن العشرين باسم المُصلح المصري المشهور قاسم أمين، الذي نشر أفكاره الداعية إلى تحرير المرأة من القيود الاجتماعية في كتابين هما: “تحرير المرأة”، و”المرأة الجديدة”، ورأى أنَّ تلك القيود لا تقوم على أساس ديني صحيح، وأنها منعت المرأة من ممارسة حقوقها في طلب العلم، والخروج للعمل، والتصرف في أموالها، واختيار زوجها.

ومن هذه القيود، التي نادى بالتخلّص منها، المفهوم المتشدد للحجاب الشرعي الذي يفرض على المرأة تغطية وجهها والتزام بيتها، والعودة إلى المفهوم المعتدل للحجاب الشرعي الذي يسمح بكشف وجه المرأة وكفيها، ويسمح بخروج المرأة إلى المجتمع مشاركةً في بنائه في ضوء الضوابط الإسلامية.

بسبب دعوة قاسم أمين إلى التخلّص من الحجاب بالمفهوم المتشدد (النقاب)، هاجمه التيار السلفي المتطرف، واتهمه بالخروج على أحكام الشريعة، ومع استمرار التحريض ضده من التيار المتطرف، ارتبط اسمه بالدعوة إلى السفور والاختلاط والانحلال، ورغم أنّه متأثر إلى حدٍ كبير بالثقافة الغربية، خاصة الفرنسية، في أفكاره حول تحرير المرأة، حرص على عدم مخالفة ضوابط الدين الإسلامي الخاصة بالمرأة، لا سيما الحجاب فكتب يقول: “إنني ما أزال أدافع عن الحجاب وأعدّه أصلاً من أصول الأدب الذي يلزم التمسك بها، غير أني أطلب أن يكون منطبقاً على ما جاء في الشريعة الإسلامية”.

وإن كان قاسم أمين قد ناقش قضايا المرأة الجوهرية، فقد أغرقنا التيار السلفي المتطرف القادم من عمق الصحراء العربية في قضايا تافهة شكلية، وترك القضايا الجادة الحقيقية للمرأة التي تُساهم في تعزيز مكانتها في الحياة والمجتمع، وتقوية دورها في الإنتاج والإبداع، وتطوير مشاركتها في النضال والمقاومة، وهذا كله يُساهم في التحرر الاجتماعي للمرأة كرافدٍ للتحرر الوطني للشعب.

التحرر الاجتماعي للمرأة في مرحلة التحرر الوطني يدفع بنصف المجتمع إلى المشاركة في الكفاح الوطني التحرري، ما يُساهم في تقدم مشروع المقاومة والتحرير، وهذا ما انتبهت إليه الثورة الفلسطينية المعاصرة، وسجّلته حركة “الجهاد الإسلامي” كأحد فصائل الثورة الفلسطينية في وثيقتها السياسية عندما ربطت بين التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني بالنص: “تعزيز الدور النضالي للمرأة، ورفع مستوى مشاركتها في المقاومة، وفي العمل الوطني والإسلامي، وتأكيد حقوقها وواجباتها، وتحقيق كرامتها ومكانتها في المجتمع، ركيزة أساسية تمد مشروع المقاومة والتحرير بأهم أسباب القوة والاستمرار”.

فقد ربطت الوثيقة بين أخذ المرأة لحقوقها والقيام بواجباتها في المجتمع، وتعزيز مكانتها ودورها في المجتمع، كمؤشر على التحرر الاجتماعي للمرأة، وبين تقدم مشروع المقاومة والتحرير، ربطاً يؤكد العلاقة الجدلية بين التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني.

بهذا المفهوم للتحرر الاجتماعي للمرأة عامة، والفلسطينية خاصة، في إطار علاقته الطردية بالتحرر الوطني للشعوب عامة، وللشعب الفلسطيني خاصة، باعتباره رافداً لمشروع المقاومة والتحرير في فلسطين، لا بد من التركيز على منطلقات عملية التحرر الاجتماعي، وأهمها احترام قيمة المرأة في ذاتها كإنسان قبل كل الإضافات الأخرى، فهي قيمة في حد ذاتها تتساوى مع الرجل في القيمة الإنسانية، والكرامة الآدمية، والمسؤولية الاجتماعية، والحقوق المدنية، والواجبات الوطنية، والتكاليف الشرعية، والجزاء بالثواب والعقاب، ولها اسمها الخاص وذاتها المتميزة وشخصيتها المستقلة، وكيانها الأصيل، قبل أن يرتبط اسمها بالرجل بنتاً وأختاً وزوجة وأماً، رغم أهمية هذا الارتباط كدور مركزي للمرأة في الأسرة والمجتمع، وهذا يشكل قيمة إضافية للمرأة أثبتتها حالة النضال الوطني الفلسطيني؛ فالمرأة الفلسطينية مقاومة وشهيدة وجريحة وأسيرة، إضافة إلى أنها أم وبنت وأخت وزوجة المقاوم والشهيد والجريح والأسير.

ومن منطلقات التحرر الاجتماعي التي من المفيد تأكيدها مفهوم المساواة بين المرأة والرجل، فالمساواة المقصودة هي المساواة المنبثقة من مراعاة الفروق البيولوجية والفطرية بين الجنسين وفي حدود الضوابط والآداب الإسلامية، وتتم في إطار التكامل وليس التناقض،  تكامل الوظائف والأدوار وليس تناقض الوظائف والأدوار، وتتم بعيداً من الندّية والصراع بين المرأة والرجل الذي انساقت إليه الحضارة الغربية، وبعيداً من التطرفين الصحراوي والغربي؛ إذ يريد أحدهما تقييد المرأة بالإسلام والشريعة، ويريد الآخر تحرير المرأة من الإسلام والفطرة والأخلاق.

مفهوم تمكين المرأة في المجتمع الذي يعتمد على كفاح المرأة لانتزاع حقوقها وممارسة واجباتها في المجتمع، انطلاقاً من أنَّ التمكين يبدأ من الذات، بامتلاك المرأة صورة إيجابية لذاتها، وإيمانها بنفسها وإرادتها، وثقتها بقدرتها على تغيير واقعها، لدفعها إلى النهوض وكسر قيودها والمطالبة بحقوقها، فإذا هي فعلت ذلك تكون أكثر قدرة وكفاءة للنضال الوطني لانتزاع حقوق شعبها ووطنها، ويكون حينئذٍ صوتها المطالب بحقوقها وحقوق شعبها ثورة، وإذا صمتت عن ذلك فيكون صمتها عورة.

التحرر الاجتماعي للمرأة، لا سيما المرأة الفلسطينية، المُساهم في التحرر الوطني للشعب الفلسطيني يتطلب التحرر من فقه الصحراء الذي يؤصل لدونية المرأة مقارنة بالرجل، ويُنظّر لثقافة أنَّ المرأة عورة كلها، ويُرسّخ مفاهيم تربط المرأة بالفتنة والغواية والمتعة، والتحرر من فقه أعطى للرجل حقوقاً فوق حقه وسلب من المرأة حقوقاً من أصل حقها… ويستبدله بفقه مُستنير يؤصل لمساواة المرأة بالرجل، ويُنظّر لشراكة المرأة مع الرجل، ويُرسّخ مفاهيم تربط المرأة بالإنتاج والثورة والإبداع، فقه ينهض بواقع المرأة والمجتمع، ويطوّر مكانتها ودورها في المجتمع، ويعزز مشاركتها في النضال الوطني ومشروع المقاومة والتحرير، في ضوء ضوابط الدين الإسلامي ومقاصد الشريعة الإسلامية، وهذا يستوجب إبداع ثقافة تجاه المرأة تجمع بين جوهر الإسلام وروح العصر، وتتخذ من التحرر الاجتماعي للمرأة رافداً لتحرير الوطن وتقدم مشروع المقاومة والتحرير.

 

سيرياهوم نيوز3 – الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

دروس من الحرب الإعلامية

هشام صفي الدين من دروس هذه الحرب الضروس، أنّ الإعلام، وتحديداً المرئي والمسموع، ليس مجرّد سلاح بروباغندا عند الإسرائيلي وحُلفائه لتهويل الخصم وتأليب قاعدته الشعبية. ...