- وليد شرارة
- السبت 22 آب 2020
يدرك بايدن وفريقه أن التوصّل إلى صيغة جديدة ومعدّلة للاتفاق النووي لن يكون سهلاً
على خطى أوباما، سيعود بايدن إلى منطق “فكّ الاشتباك” مع إيران. تجنّب التورّط في سياسات تصعيدية كتلك التي تعتمدها إدارة ترامب، والتي يٌحتمل أن تتدحرج إلى حرب كبرى يريدها جناحها الأيديولوجي – العقائدي، سيكون مهمة مركزية بالنسبة إلى مَن يبغي التفرّغ لصراع شاقّ ومكلف مع قوة كالصين. مصادر على صلة بفريق بايدن أفادت “الأخبار” بأن الأخير مدرك أن التوصّل إلى صيغة جديدة ومعدّلة للاتفاق النووي مع إيران لن يكون سهلاً. بحسب هذه المصادر، فإن الفريق المذكور، على رغم تمسّكه بالاتفاق النووي، يعتقد بضرورة أن “يُستكمل” بجملة من الترتيبات تتيح قيام ما يشبه المنظومة الإقليمية الضامنة “للاستقرار”. وبما أن التهديد الأول “للاستقرار “، في عرف بايدن وفريقه، هو تطوير إيران قدرات عسكرية وباليستية و”تضخّم” نفوذها في الإقليم، فإن المطروح هو استخدام مجموعة من الضغوط والعروض“السخية” لتستطيع إدارته، بعد استعادتها زعامتها لمعسكر غربي موحّد بشكل فعلي، أن تحمل هذا البلد على تغيير سياسته والقبول بتفاهمات تنسجم مع الرؤية الأميركية. أول العروض “السخية” هو تحويل الاتفاق النووي إلى معاهدة تحظى بموافقة الكونغرس، بما يمنع أيّ رئيس أميركي في المستقبل من الانسحاب منها كما فعل ترامب. العرض “السخي” الآخر هو انفتاح اقتصادي وتجاري أميركي وغربي على إيران يؤدي إلى نموّ شبكة مصالح مشتركة معها. ووفقاً للمصادر المذكورة، فإن فريق بايدن سيُشجّع أيضاً على حوار إيراني – خليجي بإشرافه، يفضي إلى إزالة أسباب التوتر بين الطرفين وإلى تطبيع العلاقات بينهما. وفي هذا السياق، تشير المصادر إلى معارضة بايدن وفريقه لاستمرار الحرب السعودية على اليمن ودعوتهما إلى وقفها، وهو أمر حرص نائب الرئيس السابق على التشديد عليه في مقاله المذكور سالفاً. وبما أن موافقة طهران على إملاءات تتعلّق بشأن سيادي مرتبط بسياستها الدفاعية كبرنامجها الصاروخي، أو بتحالفات نسجتها خلال عقود مع أطراف تجمعها بهم علاقات وثيقة وأسهمت في تعزيز موقعها في مقابل سياسات الحرب والحصار والخنق، هي فرضية مستبعدة، في المدى المنظور على الأقلّ، فإن اللجوء إلى قدر من الضغوط الاقتصادية والمالية يبقى خياراً مطروحاً بالنسبة إلى الفريق الديمقراطي. لكن المؤكد، نظراً إلى الأولويات الاستراتيجية العامة على المستوى الدولي، أن خيار الحرب على إيران لن يكون “على الطاولة”، بحسب التعبير المستخدم من المسؤولين الأميركيين. هذا هو الدافع الرئيس لتصريحات أنصار إسرائيل العقائديين، أمثال جون بولتون، المتمحورة حول حضّ الأخيرة على ضرب إيران “قبل فوات الأوان”.
لم تَتّضح حتى اللحظة مقاربة فريق بايدن للوضع في سوريا. فالعديد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس كانوا من أشدّ المتحمسّين لـ”قانون قيصر” الذي يفرض حصاراً خانقاً عليها، يهدف بالنسبة إلى أقطاب في إدارة ترامب، كجويل رايبرن، إلى تسريع انهيار الدولة وتفكيك المجتمع. يحذّر أطراف أميركيون، بينهم “كوينسي إنستيتيوت” الذي أصدر أخيراً تقريراً لهذه الغاية، من مغبّة اتّباع مثل هذه السياسة ومن تبعاتها على استقرار الإقليم. إذا كان ضمان حدّ أدنى من الاستقرار في الإقليم، أو حتى تخفيف مستوى التوتر، من بين أهداف فريق بايدن، فإن المضيّ في السياسة الحالية نفسها يتناقض مع تلك الأهداف. أما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، فإن الأكيد هو أن بايدن، الذي كرّر في مقاله “التزامه الصارم بأمن اسرائيل”، لن يعاود ما يراه “تورّطاً” في عملية تفاوضية غير ذات جدوى وقد تفضي إلى استعداء إسرائيل والمنظومة الداعمة لها في الولايات المتحدة. هو سيتواطأ تماماً مع سياسة الاستيلاء التدريجي على ما بقي من أرض فلسطين.
منذ فترة ليست قصيرة، دعا مسؤولون سابقون وخبراء أميركيون، صناع القرار في بلادهم، إلى عدم الافراط في التركيز على صراعات الشرق الأوسط وتناقضاته، والالتفات إلى التحدّيات الاستراتيجية الجديدة، وفي مقدّمتها صعود قوى دولية منافسة كالصين وروسيا. وقد كان لهذه الدعوات تأثير على مقاربة بايدن لشؤون المنطقة، والهادفة أساساً إلى التخفّف من أعباء مثل هذا التركيز. غير أن عقبات ومصاعب كثيرة ستعترض طريق ترجمتها على أرض الواقع.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)