خلود حكمت شحادة:
في كل مكان وبأي زمان،غالبا ما يبدأ يومنا بأحاديث مختلفة مباشرة كانت أم غير مباشرة كل منها فيه من الجوهر ما يكفي لتسليط الضوء على موضوع ما سلباً أم إيجاباً، حيث تختلف الأهمية وتكمن في الاستقراء والقراءة بين السطور وفي عمق الحروف لتتجاوز في كثير من الأحيان حدود النطق وتلامس العقل.
في حديث ما وصلني عن مدرسة في منطقة شعبية وهي بالتحديد في نهر عيشة مبادرة طوعية تقوم بها معلمات تلك المدرسة انطلقن فيها من إحساسهن بالمسؤولية تجاه طلابهن حيث بدأن بإعطاء ساعة إضافية على مدى ثلاثة أيام من الأسبوع يقدمن فيها الخبرة والمساندة لطلاب لاحظوا عليهم التقصير في التحصيل الدراسي، مبادرة ترفع لها القبعة ويشكر القائمون عليها والعاملون على نجاحها. لمتابعة الموضوع ومدى أهميته بحثنا بين الطلاب والأهالي في تلك المنطقة غايتنا إلقاء الضوء على مبادرة معلمات تلك المدرسة وهي حلقة أولى مختلطة ضمت حوالي ألف وخمسمئة طالب، لايغفل علينا منطقة نهر عيشة كونها منطقة شعبية تضم فئات مختلفة وطبقة أقل من الوسطى من الناس ومن محافظات عديدة. وفي السؤال عن حال أهالي تلاميذ تلك المدرسة ووضعهم الأسري والاجتماعي قبل الاقتصادي تبين أن عدداً من الطلاب يسكنون في بيت الجد والسبب عدم وجود أهل، فمنهم أطفال أيتام وآخرون من أسر لم يتعلم الآباء فيها القراءة وهم من تصنيف الأميين يخرجون للعمل يومياً ولايهتمون لدراسة أبنائهم ربما السبب عدم قدرتهم على متابعتهم دراسياً في ظروف أميتهم والبحث عن لقمة عيشهم.
معلمات الصفوف وبعد رصد لبعض الطلاب وجدوا أن منهم من لايفتح حقيبته في المنزل ومنهم بعيدون كل البعد عن المتابعة المنزلية والواجبات وكان هذا واضحاً في تقصيرهم عن زملائهم دراسياً فهم خارج نطاق المتابعة البيتية.
وفي سؤال بعض من الطلاب تبين أن منهم من لا يراجع دروسه في المنزل وليس للرعاية الأسرية دور في حياتهم الدراسية. ومن نقطة الصفر هذه انطلقت مبادرة المعلمات في تلك المدرسة معتمدين على التربية قبل التعليم لتعويض جزء من تلك الرعاية وكثير من الفاقد التعليمي لأولئك الطلاب الذين لا ذنب لهم سوى أنهم وجدوا في مكان وبيت وحالة اجتماعية معينة فُرضت عليهم يفتقدون فيها حنان أم وعطف أب.
تطوعت ثلاث عشرة معلمة من معلمات تلك المدرسة لإعطاء حصة دراسية إضافية على مدى ثلاثة أيام أسبوعياً بشكل مجاني لفئة معينة من تلاميذ تلك المدرسة بمختلف صفوفها ممن وجدوا لديهم الحاجة للمتابعة ورغبتهم في التعليم.
مئتا طالب من أصل ألف وخمسمئة التزموا بتلك الدروس وتابعوها بشغف وفرح موضحين محبتهم ورغبتهم بالتعلم ومجاراة باقي زملائهم ولكن ليس بإمكانهم ذلك دون هذه الحصص الإضافية والدروس التي يتلقونها.
رصد المشكلة
ومن أجل تنظيم العمل تم حصر الجهود ضمن الإمكانية وكان رصد المشكلة مفيداً لوضع الحلول على طريقها السليم وتم ذلك بمساعدة الخبراء التربويين الذين ركزوا على المحتوى التعليمي ونقاط الضعف الموجودة لدى الطلاب والتي كان أبرزها الضعف في القراءة وهجاء الأحرف عند طلاب الصف الرابع، بينما طلاب الصف الخامس كانت مشكلتهم في اتقان العمليات الحسابية وهذا يتطلب تنمية المهارات عن طريق إعطاء التمارين والتدريبات باستخدام الأنشطة والأدلة وإسقاط المحتوى التعليمي على البيئة والتركيز على اختلاف أسلوب المعلمة في الشعبة الصفية وقت الدوام الرسمي عنه في الحصة الإضافية والتوجيه إلى تنوع الطرائق والأساليب وأحياناً اختلاف البيئة الصفية ليتقبل الطالب المعلومة بسهولة وسلاسة عن طريق تعزيز الوسائل التعليمية واختلافها وتنوعها بين البصرية والسمعية والحسية لتحاكي صعوبات التعلم كافة على اختلافها ومعالجتها للوصول إلى الغاية وتحقيق الهدف من تلك الدروس.
مبادرة كهذه تركت صداها لدى الأهالي بشكل كبير وتعبيراً عن شكرهم للمعلمات لما يقمن به وتشجيعاً للطلاب بدأ الأهالي بإرسال هدايا رمزية للطلاب من بسكويت وبالونات هي بمثابة تشجيع لأولئك الطلاب على متابعة تعليمهم وهي دليل سعادة الأهالي حينما وجدوا الاهتمام بأبنائهم ودعماً نفسياً لهم بما يناسب ويساند حالتهم الاجتماعية والاقتصادية.
مبادرة مميزة وخلاقة وتجربة رائدة في مدارسنا انطلقت من إيمان المدرسات بعملهن وقدرتهن على العطاء دون مقابل وكان دور وزارة التربية ومديرياتها في تلك المبادرات واضحاً حيث حصلت تلك المبادرة على الموافقات بالصيغة المناسبة وتم دعمها بخبراء تربويين وأدلة عمل لتصل إلى غايتها وجلّ ما نتمناه جميعاً أن يكون العمل مسؤولية في كل قطاعات العمل من أصغرها إلى أكبرها وقطاع التربية والتعليم من أهمها.. وكانت هذه المبادرة واضحة المعالم والأهداف الغاية منها حماية وتعليم جيل ظُلم في مكان معين وحالة أسرية معينة أبعدته عن دراسته وتحصيله العلمي ووضعهم اليوم على الطريق السليم هو الطريق للبناء والإنجاز، فبناء المجتمع يبدأ من بناء الفرد بالشكل السليم والشكر لكل وطني لا يبخل على أبناء وطنه ويؤدي دوره بأمانة وصدق وإتقان.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة