تدخل الحرب الإسرائيلية على غزة منعطفا جديدا ومحددا لمستقبل هذه الحرب ونتائجها، في الأيام الماضية تسارعت التطورات الميدانية والسياسية، وبات من المؤكد انها ستفضي الى مشهد جديد. ثلاث تطورات مهمة يشار اليها باعتبارها مفصلية :
الأول المبادرة التي صاغتها الولايات المتحدة مع إسرائيل وقطر وتتضمن ثلاث نقاط:
ـ 1: هدنة ممتدة “الحديث عن أسبوعين الى شهر”.
ـ 2: صفقة تبادل جزئية تشمل اسرى امنيين فلسطينيين مقابل ضباط وجنود لدى المقاومة.
ـ 3: تغير نمط الحرب من شاملة الى مركزة مع إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في غزة.
هذه الصيغة رفضتها حماس وطالب بوقف الحرب بشكل كامل، ومع ذلك مازال الوسطاء حسبما علمت “راي اليوم” يعملون على مواءمة هذه الصيغة لجعلها مقبولة من الطرفين ولم ترفع عن طاولة البحث حتى الآن.
التطور الثاني قرار الجيش الإسرائيلي سحب قوات لواء “غولاني” ومقاتلي ما تسمى “الكتيبة 13” بعد أيام من المعارك الضارية التي شهدها حي الشجاعية والتي قُتل فيها قائدهم المقدم تومر غرينبيرج و8 ضباط وعدد من الجنود. ليست قوات كتيبة غولاني من تم سحبه فقط، سحب الجيش الإسرائيلي لواء المظليين المعروف باللواء 35 ولواء المدرعات ووحدة كوماندوس ووحدة النخبة المعروفة بـ “دوفدفان” من غزة.
ترافق ذلك مع اعلان هيئة البث الإسرائيلية إن جيش الاحتلال يستعد لبدء “المرحلة الثالثة” من الحرب على قطاع غزة، خلال الأسابيع المقبلة، والتي تتضمن إنهاء المناورات البرية، وتخفيض القوات، وتسريح القوات الاحتياطية، واللجوء إلى الغارات الجوية، وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة. تهدف إسرائيل من وراء ذلك لتحقيق غرضين: الأول تقليل الخسائر البشرية، والثاني إعادة تنشيط عجلة الاقتصاد بعودة الالف جنود الاحتياط الى أعمالهم. لكن لم يجب قادة حكومة الحرب على الأسئلة الصعبة جراء هذا الوضع الجديد. وأهم تلك الأسئلة هو هل هذا يقرب إسرائيل من تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب، أي القضاء على حماس وإعادة الاسرى؟ ام يبعدها اكثر؟
وسؤال اخر عن التحول نحو المرحلة الثالثة للحرب بدون أي اتفاق، اذ كان من المفترض التحول نحو المرحلة الثالثة كما يسمونها مربوطا بالصيغة التي وضعتها الولايات المتحدة والتي تبدأ بهدنة ووقف القتال مؤقتا ولفترة أطول من سابقتها، ومن ثم التبادل ومن ثم التحول نحو حرب اقل كثافة. هنا ينكشف امر هام وهو ان إسرائيل لم تعد تحتمل وجودها في الميدان داخل غزة بالشكل الحالي، وانها استعجلت الخروج وإعادة الانتشار قبل أي توافق على صيغة يعمل عليها الوسطاء. وهنا تظهر الهوة الكبيرة بين التصريحات حول الأهداف في غزة وبين حقائق الميدان. فكلام نتنياهو وغالانت والمتحدث باسم الجيش هاغاري المكرر عن الأهداف وعن الإنجازات وعن العمليات ضد المقاومة ظهر بانه كلام مفصول كليا عن الواقع، هذا بالضبط ما بدأت تتحدث عنه وسائل الاعلام الإسرائيلية بشكل علني وواضح. وليست وسائل الاعلام فحسب انما مسؤولين سابقين وجنرالات. اهم تلك التقييمات جاءت على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ايهود أولمرت الذي دعا إلى وقف الحرب على غزة فورا، قائلا إنه لا يمكن تحقيق الأهداف التي حددها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
وقال أولمرت -في مقال بصحيفة “هآرتس” بعنوان: أوقفوا الحرب مقابل عودة “المخطوفين” أحياء- إن مزاعم نتنياهو وأركان حكومته بأنه يمكن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس عبر عمليات عسكرية غير واقعية.
وشدد أولمرت على أن نتنياهو نفسه لا يصدق أن بالإمكان تحقيق هذا الهدف، مشيرا إلى أن نتنياهو يتصرف كممثل استعراضي، وأن كل ما يعنيه هو الإفلات من تبعات المسؤولية عن الفشل في منع حدوث هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وأضاف أولمرت أن نتنياهو مدفوع باعتبارات سياسية داخلية، وأنه يدرك أنه لا توجد أي إمكانية لتحقيق هدف القضاء على حركة حماس، لكنه منذ اللحظة الأولى لم يكن مشغولا بالحرب على غزة، بل بحرب البقاء الشخصية الخاصة به.
وشدد أولمرت على أن إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن توافق على وقف إطلاق نار وتعيد أسراها لدى حماس عبر صفقة تبادل، أو أن تواصل القتال بحيث تنتهي الحرب من دون أن تحقق هدف القضاء على حماس ومن دون استعادة الأسرى.
السفير الأميركي السابق في إسرائيل مارتن إنديك قال اليوم هو نقطة تحول في إسرائيل مع بدء الصحافيين البارزين بإخبار الجمهور الإسرائيلي بما لن يقوله لهم نتنياهو: أن حماس مصابة بكدمات لكنها لن تهزم وأفضل ما يمكن فعله الآن هو التفاوض على عودة الرهائن بثمن باهظ
القائد السابق للمنطقة الوسطى آفي مزراحي، قال إن “هزيمة حركة حماس شعار كبير جدا” وإن من يعتقد أن إطلاق الصواريخ من غزة سيتوقف بعد ذلك “فهو مخطئ”، قائلا “يجب أن نكون واقعيين ونعيد تحديد أهداف الحرب”.
هذه عينة فقط من اراء ومواقف باتت تؤكد شيء واحد، وله اسم واحد ” الفشل”. والسؤال الان كيف ستجمل الولايات المتحدة هذا الفشل، وكيف سينعكس هذا الفشل على مخططات وضعت في البيت الأبيض وتل ابيب وعواصم أخرى من اليوم الأول للحرب لمستقبل قطاع غزة؟
التطور الثالث وبذات أهمية ما سبقه هو المسيرة التي جهدت إسرائيل بكل الوسائل لاسقاطها فوق البحر المتوسط، وقد قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ان مسيرة حاولت اختراق المجال الحيوي الإسرائيلي فوق البحر وتم اسقاطها، وفق معلومات “راي اليوم” فان هذه المسيرة مصدرها المقاومة العراقية، وهدفها حقل كاريش الإسرائيلي للغاز في البحر المتوسط. وهذا له دلالة قد يكون لها تأثير يوازي تأثير اغلاق القوات المسلحة اليمنية لمضيق باب المندب امام السفن الإسرائيلية وتلك المتجه الى إسرائيل. لان استهداف المقاومة العراقية للحقل يعني وقف انتاج وتصدير الغاز الإسرائيلي، بالتوازي مع وقف واردات وصادرات السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر، وهذا يعني ان حصارا اقتصاديا خانقا ستفرضه الجبهات المساندة لغزة على إسرائيل. ومن المؤكد ان رسالة “كاريش” هذه ابلغ واقوى رسالة تصل الى واشنطن وتل ابيب، وبالقياس على رسالة انصار الله في اليمن التي انتقلت بسرعة من مجرد رسالة تحذير الى اجراء عملي فاعل في البحر الأحمر، فان رسالة كاريش قد تأخذ المنحى نفسه خلال الأيام المقبلة، وكل ذلك مرتبط بوقف الحرب على غزة، فماذا هم فاعلون؟
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم