آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » المشروع الأميركي – الإسرائيلي لإعادة تركيب لبنان

المشروع الأميركي – الإسرائيلي لإعادة تركيب لبنان

أسعد أبو خليل

لا شكّ أنّ أميركا وإسرائيل شريكتان أساسيّتان في الحروب الغربيّة الإجراميّة في المنطقة منذ 7 أكتوبر. ولا شكّ أنّ أميركا معنيّة بصورة مباشرة في الحرب ضدّ حزب الله؛ لأنّها ترى أنّ المعركة ضدّه هي معركتها، هي بسبب ما جرى للقوات الأميركيّة في لبنان من مهانة في أوائل الثمانينيّات (الطريف أنّ الاستشراق الغربي التقليدي يلصق دافع الثأر حصراً بالشعوب العربيّة والأفريقيّة، فيما غريزة الثأر عند الغربيّين أكثر وحشيّة من أيّ ظاهرة لها في العالم). و«حماس» لم تشنّ يوماً حرباً على المصالح الغربيّة، وهي كانت تقود مفاوضات مع الحكومة الأميركيّة حتى التسعينيّات عندما قرّرَ اللّوبي الإسرائيلي حظر التواصل بين الحكومة الأميركيّة و«حماس» (تماماً كما قرَّر اللوبي في 1975 حظر التواصل بين الحكومة الأميركيّة ومنظمة التحرير الفلسطينيّة. حتى المصافحة في حفل كوكتيل كانت ممنوعة، كما اكتشف المندوب الأميركي في الأمم المتحدة أندرو يونغ، الذي خسر منصبه في عهد كارتر بسبب مصافحة مع مندوب المنظمة، زهدي الطرزي). أميركا تشعر أنّها معنيّة بالحرب على حزب الله، وهي كانت إمّا مُبادرة أو مُشارِكة على الأقل في الاغتيالات التي أصابت قادة الحزب في سوريا، خصوصاً عماد مغنيّة ومصطفى بدر الدين وغيرهما. والحزب امتنع في السنوات الماضية عن التعرّض للمصالح الأميركيّة، وهو لم يتبنَّ رسمياً ضرب المصالح الأميركيّة منذ تأسيسه الرسمي في 1985.

والحرب التي فتحتها إسرائيل ضدّ الحزب، بالتدريج المتصاعد، منذ 7 أكتوبر، لم تكن لتتمّ من دون مباركة أميركيّة. كتاب بوب وودورد الجديد، «الحرب»، يفضح بصورة مباشرة مستوى التنسيق بين الحكومتَيْن الأميركيّة والإسرائيليّة في الحرب ضدّ لبنان (الحرب ضدّ لبنان تأخذ اسم «الحرب ضدّ حزب الله» من أجل اصطناع تحييد الشّعب اللّبناني. وهذه الصيغة الصهيونيّة في وصف الحرب وجدت طريقها إلى الإعلام اللّبناني والخليجي الصهيوني. لكنْ عليك من أجل ذلك أن تعُدّ كلَّ النساء والأطفال الذين قُتلوا بالنيران الإسرائيليّة أعضاءَ مجاهدين في حزب الله). إسرائيل تَعدّ خُطَطها ضدّ الحزب منذ هزيمتها في 2006، والتزمت أميركا معها بالثأر لهزيمة إسرائيل؛ لأنّ الشعب العربي بات أكثر جرأة وإبداعاً في مقاومة إسرائيل. ترى أميركا، مع إسرائيل، أنّ ذلك يُضعف من «الوهرة» الإستراتيجيّة الإسرائيليّة وأنّها تفتح شهيّة أعداء إسرائيل لمواجهتها. الخطّة هي مشروع مشترك بين أميركا وإسرائيل، وتحظى طبعاً بدعم كلّ عناصر حلف شمال الأطلسي. إنّ فكرة التمييز بين أعضاء «الناتو» على أساس أنّ هذه دولة معتدلة وتلك متوازنة يتناقض مع التراصّ الذي حقّقته أميركا في سيطرتها الكلية على المنظومة الغربية حتى قبل الحرب العالمية ضدّ روسيا عبر أوكرانيا. أميركا تعوِّل كثيراً على هذه الحرب، وهي ترى فيها فرصة من أجل إعادة تشكيل النظام السياسي وتركيبه برمّته. وكلمة «فرصة» هي المفتاح في كلّ الحديث الصهيوني الجاري في واشنطن عن الحرب وعن ضرورة استمرارها على لبنان. لا تسمع مثلاً هنا أصواتاً تدعو إلى وقف إطلاق النار في لبنان. وليست مصادفةً أنّ كلمة فرصة باتت مستعملة أيضاً في لبنان، تماماً كما استعملها بشير الجميّل في عام 82 للإشارة إلى غزو إسرائيل وعدوانها (وقد استعملها في الأشهر الماضية كلٌّ من بولا يعقوبيان وفؤاد السنيورة ووضاح الصادق ومارك ضو وسامي الجميّل وأمين الجميّل ورضوان السيّد ونديم قطيش وسمير جعجع -بالمصادفة- فإنّ الجامع بين كلّ هؤلاء هو السعودية والإمارات). تريد أميركا أن تقطع التواصل الإستراتيجي بين إيران ولبنان عبر العراق وسوريا. الحرب على سوريا لم تحقّق مبتغاها فانتقلت المؤامرة إلى لبنان في السنوات الماضية، وقبل «طوفان الأقصى».

ليس الاستثمار الأميركي في لبنان عفويّاً. هي تبني واحدة من أكبر السفارات، ووجودها في لبنان هو المُهيمِن والمسيطِر على مقدّرات الدولة والمجتمع في آن (أمين عام مجلس الوزراء زها على مواقع التواصل أمس أنّه التقى مع مندوبة ذات رتبة متدنّية في السفارة الأميركيّة لبحث مواضيع تقنيّة وإداريّة. لو أنّ مندوباً من السفارة الإيرانية قام بزيارة مشابهة، كان ذلك سيفجِّر سلسلة من التصريحات، خصوصاً من هؤلاء الذين هالهم أنّ وزير الخارجيّة الإيراني حيّا صمود الشعب اللبناني). أميركا تريد فصل لبنان عن محور المقاومة، لكنّ الطائفة الشيعية تقف حجر عقبة، ولهذا، إنّ الحرب الحاليّة تأخذ طابع الحرب ضدّ الشيعة. وهذا الطابع، سيتناقض مع هدف المؤامرة المستمرّة لعزل حزب الله عن بيئته. لكنْ هذه الوحشية الإسرائيليّة ضدّ المناطق ذات الغالبية الشيعيّة مقصودة ودليل على وصول أميركا وإسرائيل إلى قناعة أنّ كلّ المحاولات لخلق بدائل شيعية باءت بالفشل الذريع (أذكر عدداً كبيراً من التجمّعات والتكتّلات والجمعيّات الشيعيّة التي انطلقت منذ اغتيال الحريري، وبدعم حريري وسعودي لمنافسة حزب الله، وأذكر أنّ باسم السبع ونصير الأسعد شاركا في غير تجربة من تلك التجارب. وما تزال بعض وجوه تلك التجارب الفاشلة نجوماً على الشاشات السعودية والإماراتيّة التابعة). إنّ محاولة تهجير الشيعة نحو سوريا ليست مستبعدة، خصوصاً إذا استطاع العدوّ هزيمة المقاومة. نحن نتحدّث عن عدوّ حرّكَ وغيّر مسارَ كلّ سكّان غزة وهجّرهم غير مرّة في حرب الإبادة الجارية. إنّ نصوص مسوّدات المقترحات المُسرّبة عن مشاريع أميركا وإسرائيل لوقف النار في لبنان تدلّ على أنّ الإمبراطوريات لا تتعلّم من تجاربها، وأنّها مستعدّة أن تفشل في خَوض المشروع نفسه غير مرّة. لم تتعلّم أميركا لا من تجربة 1982 ولا من تجربة العراق. أميركا لا تزال ترفض أن تعترف بهزيمتها في فييتنام، وتنسب انسحابها إلى تمنّعها عن استعمال العنف المفرط (في حرب قتلت فيها أكثر من ثلاثة ملايين في جنوب شرق آسيا). وفي العراق، هي تنسب فشلها لنفور الشعب العراقي من الحضارة والرقيّ والديموقراطيّة. المتغيّر في تجربة 1982 أنّه ليس من رئيس جمهوريّة ذي صلاحيّات في لبنان وليس من مُخلّص أميركي – إسرائيلي. ليس من شخص واحد يمثّل مشروعاً متماسكاً ضدّ الحزب. حتى تسريب اسم قائد الجيش في مشروع أميركي لفرض انتخابات رئاسيّة ليس بريئاً، وقد يكون هدفُه حرق الترشيح المذكور، لأنّ الإصرار الأميركي-الإسرائيلي على الإتيان بشخص معيّن يعني فقدانه التلقائي للمشروعيّة السياسيّة فيما نيران العدوان لا تزال مشتعلة.

وليس من المستبعد أن تحاول أميركا تعديل الطائف من أجل تعزيز صلاحيات رئيس الجمهوريّة، خصوصاً أنّ المؤامرة الأميركيّة-الإسرائيليّة الحاليّة فشلت في إثارة الشِّقاق بين السُّنّة والشيعة (عندما تصبح الآمال الإبراهيمية معقودة على شخص أشرف ريفي أو فؤاد مخزومي تدرك أنّك في أزمة). الموقف السُّني العام في احتضان المهجّرين وفي التعاطف الطبيعي مع فلسطين ولبنان في مواجهة العدوان والإبادة الإسرائيليّين عرقل خطّة العدوّ. لكن ليس من شخصيّات مرشّحة لأداء دور الرئيس القوي في ما هو معروض من زعماء «القوات» و«الكتائب»، إلّا إذا رأت أميركا أن تستعين بالرئيس القوي والنزيه، ميشال سليمان. لعلّه هو يُقدِم بعد استعادته للّواء الثامن على أن يقضي على حزب الله بضربة قاضية. والطائف ليس في مصلحة أميركا. أميركا لا تستسيغ التعامل مع نظام ديموقراطي وسلطات متعدّدة؛ لأنّها تريد حاكماً قويّاً (على غرار الدول العربيّة المُطيعة لأميركا) ينفّذ ما تأمره به. والمشاريع المطروحة تريد أن تستعين باتّفاق 17 أيّار الذي سلخ الجنوب عن باقي الوطن. الإجراءات التي تطلبها إسرائيل وأميركا ليست أقلّ من التخلّي الكلّي عن السيادة الوطنيّة (ألبرت كوستانيان في «لوريان-لوجور» طالب بتلبية مطالب إسرائيل، طبعاً باسم السيادة والحرّية والانعزاليّة والسعودية والإمارات). تريد إسرائيل أن تُهجّر أهالي القرى الحدوديّة كي يهنأ لمستوطنيها المقام في أرض ليست لهم. وهي تريد أن تحدّد نوع السلاح الذي ستسمح بتواجده (في المناسبة، في كامب ديفيد طالبت إسرائيل ونالت مطلب تخلّي مصر عن سيادتها في سيناء، ولإسرائيل الحقّ في تحديد أنواع السلاح المسموح به في أرض سيناء، كما أنّ تحريك وحدات عسكريّة وناقلات مصريّة يحتاج إلى إذن من إسرائيل. لكنّ إسرائيل استطاعت أن تنال ما تطلب بسبب هزيمة مصر العسكريّة في حرب 1973 واستسلام السادات اللّاحق). وستطالب إسرائيل بالإشراف على طوائف أفراد الجيش المسموح بتواجدهم في الجنوب، بالإضافة إلى تحديد طبيعة عملهم. سيُسمح للجيش بالعمل كجيش رديف للاحتلال، تماماً على طريقة أنطوان لحد.

 

أميركا تريد فصل لبنان عن محور المقاومة، لكنّ الطائفة الشيعية تقف حجر عقبة، ولهذا، إنّ الحرب الحاليّة تأخذ طابع الحرب ضدّ الشيعة

 

والمسوّدات المتداولة للمطالب الأميركيّة-الإسرائيليّة تصرّ على حصر استيراد السلاح بالجيش. هنا، تريد أميركا أن تجعل من الواقع الحالي قانوناً مكرّساً. وأميركا تشرف على الجيش وترعاه مباشرة منذ اغتيال الحريري ليس لتعزيزه، بل لضمان ضعفه وعجزه. قبل الحرب الأهليّة، كانت أميركا تسمح مثلاً بحيازة الجيش طائرات مقاتلة (استعمل الجيش في هذه الحرب الجارية طائرات رشّ المبيدات التي منحتها له أميركا وذلك من أجل رشّ المياه لإطفاء الحرائق). والدولة اللبنانيّة استعملت الطائرات المقاتلة مرّتَيْن في تاريخ الجمهوريّة: مرّة في 1973 ضدّ المخيّمات الفلسطينيّة، ومرّة ثانية في 1976 للدفاع عن قصر كميل شمعون في السعديّات. وحَصْر السلاح بيد الجيش يعني تكريساً فعليّاً للفيتو الإسرائيلي على تسليح الجيش، وهو نافذ على مرّ التاريخ المعاصر. والعجز الكامل الذي ظهر على الجيش في هذه الحرب ليس إلّا نتاجاً للخطّة الأميركيّة في إضعاف الجيش وجَعْل تدريبه عديمَ الفائدة (هل هي المصادفة أنّ الجيش الذي درّبته أميركا في العراق هرب أمام هجمة «داعش»، كما هرب الجيش الذي درّبته في أفغانستان أمام هجمة «طالبان»؟).

المرحلة ليست عادية والمؤامرة كبيرة جداً، وهناك قبول غربي مطلق بتراكم الضحايا العرب نتيجة القصف الإسرائيلي. تستطيع إسرائيل في الحرب المستمرّة أن ترمي علينا قنبلة نوويّة من دون أيّ اعتراض من أيّ دولة غربيّة (قد تُلقي نائبة وزير الخارجيّة البلجيكي خطاباً تستنكر فيه القنبلة). النصر على إسرائيل ليس خياراً، لأنْ لا خيارَ غيره. هو الضرورة الوطنيّة. طبعاً، الشعب ليس متراصّاً في دعم المقاومة. على العكس، هم يَطعنون المقاومين في ظهورهم وهم يواجهون أكثر الجيوش وحشيّةً وهمجيّة. الخيار الوحيد في الصراع الحالي (والتاريخي) مع العدوّ هو هو: إمّا نحنُ أو هم.

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز ١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

دروس من الحرب الإعلامية

هشام صفي الدين من دروس هذه الحرب الضروس، أنّ الإعلام، وتحديداً المرئي والمسموع، ليس مجرّد سلاح بروباغندا عند الإسرائيلي وحُلفائه لتهويل الخصم وتأليب قاعدته الشعبية. ...