جلنار العلي
يترتّب على النظام المصرفي في كل دول العالم دور هام في عملية التنمية الاقتصادية وذلك لتحريك الأنشطة الاقتصادية الإستراتيجية والهامة حسب حالة كل اقتصاد، من خلال توجيه التمويلات والتسهيلات الائتمانية نحو تلك الأنشطة بما يصب في دعم الاقتصاد الوطني.
في الحالة السورية ماذا حققت المصارف الخاصة خلال السنوات السابقة؟ وما الدور الذي قدمته في هذا المجال؟ وما أوجه تقصيرها؟
الخبير الاقتصادي الدكتور عابد فضلية بيّن في تصريح خاص لـ«الوطن» أن المصارف الخاصة لا تختلف عن العامة من حيث تمويل عملية التنمية الاقتصادية، الذي يجب أن يوجّه باتجاهات محددة بحسب الخطة العامة للدولة ولزوم الاقتصاد، بحيث يتم تمويل المشاريع الإستراتيجية والمهمة التي يجب أن يكون لها مواصفات تفيد المرحلة الحالية كإنتاج سلع بديلة وتأمين فرص عمل، علماً أن هذه المشاريع يجب أن يكون لها أولوية في عملية التمويل سواء من المصارف العامة أم الخاصة.
وأشار فضلية إلى أن المصارف الخاصة لعبت دوراً إيجابياً خلال الفترة السابقة على اعتبار أن المصارف العامة تخصصية ولكنها ليست كافية ولا تستطيع أن تسد الحاجة إلى التمويل، فجاءت المصارف الخاصة كي تلعب دوراً مكملاً لدعم عملية التنمية من حيث التمويل، ولكنها لم تؤد دورها المطلوب كما يجب، على اعتبار أن المصرف الخاص يمنح أينما يربح أي أنه يبحث عن الربح والفائدة العالية، وهذه المصارف لها إداراتها الخاصة بها فتقرض بحسب سياساتها ووجهات نظرها من دون التقيّد بمنهجية محددة، وربما لا يتم توجيه القروض إلى أماكنها الصحيحة بشكل دائم، فمن المهم بالنسبة لها أن يكون المقترض مقتدراً وقادراً على دفع فائدة عالية من دون أن يتم إعطاء أولوية للأهمية التنموية للمشروع كما هو متبع في المصارف العامة التي تمنح قروضاً لها أهداف مختلفة تحقق المنفعة العامة، لافتاً إلى أن المصارف الخاصة لا تخضع للحكومة إلا بشكل توجيهي تأشيري.
وبالمقابل لا يسمح للمصارف العامة والخاصة أن تستثمر وتقيم مشاريع تنموية من الأموال الموجودة لديها كما تشاء وكما ترغب، إلا بحدود ضيّقة لا تتجاوز ربع رأس المال تقريباً، بحسب ما أفاد به الدكتور فضلية، وذلك على اعتبار أن معظم الأموال الموجودة لديها هي أموال خاصة تعود للمودعين ولا يمكن التصرف بها، علماً أن رأسمال المصارف الخاصة قليل بالأساس، بسبب قيود فرضتها الحكومة عليها، حيث كان في السابق 3 مليارات ليرة، ثم تم تعديله إلى 5 مليارات ليرة، ثم إلى 15 مليار ليرة ولكن لم يطبق ذلك وتم تجميد هذا القرار، لافتاً إلى أن مجمل رأسمال المصارف العامة والخاصة لا يكفي لإقامة مشروع تنموي كبير، مشيراً أن أقوى المصارف في سورية وأكثرها أداء وحراكاً هي المصارف الحكومية.
وإلى ذلك، اعتبر فضلية أن الواقع هو الذي يفرض نفسه في عمل المصارف، فإذا كان هناك حراك اقتصادي فستكثر المشاريع التنموية الإنتاجية، ولكن يعاني الاقتصاد السوري اليوم من ركود اقتصادي فهناك قلة من المستثمرين يقومون بإنشاء مشاريع في هذه البيئة، وبالتالي عدد قليل منهم يقترض من المصارف، متأملاً ألا يتحول هذا الجمود والركود إلى حالة كساد لأنها أصعب وأعمق من حيث النتائج، متابعاً: «ويجب ألا ننسى أن آجال استرجاع مبالغ القروض الصغيرة والمحددة التي تمنحها هذه المصارف هي آجال قصيرة نسبياً كي تمنح وتسترد بشكل سريع، لأنها غير قادرة على منح قروض طويلة الأجل تزيد على 10 سنوات، وهذه المنهجية ليست مجدية مع المشاريع التنموية التي يجب أن تكون قروضها طويلة الأجل وتسترد عبر فترة زمنية طويلة ريثما يرتاح المقترض بحيث ألا يؤثر الاسترجاع في سيولته».
وفي السياق، اقترح فضلية إنشاء صناديق استثمار أو بنوك لديها أموال بحيث تستطيع أن تعطي قروضاً للمشاريع التنموية على المدى الطويل، وأن تحدد فترة سماح طويلة نسبياً يمكن بعدها البدء بتسديد القرض، مشيراً إلى أن سيولة المصارف يجب ألا تقل عن 20 بالمئة من إجمالي المال الموضوع تحت تصرف المصرف، ففي حال كانت تقل عن هذه النسبة يتوقف المصرف عن الإقراض، معتقداً أن السيولة الموجودة لدى المصارف الخاصة قليلة وهي أقرضت ما لديها وتنتظر حالياً جمع الأقساط واسترداد القروض، لافتاً إلى وجود إحجام عن الإيداع لدى المصارف بسبب ظروف التضخم الحالية وتسارعه وازدياده بشكل كبير، معتبراً أن الإيداع في المصارف يعد خاسراً، فمن غير المنطقي إيداع مبلغ معين في المصرف وانتظار الفائدة التي تصل نسبتها إلى 8 بالمئة سنوياً، في الوقت الذي يفوق فيه التضخم هذه النسبة.
سيرياهوم نيوز1-الوطن