| ميخائيل عوض
أسئلة كثيرة طرحتها المفاجأة التي لم يكن يتوقعها كثيرون، فمازالت امريكا القوية تعشعش في التفكير، ومازال البحث جاريا على انها السيد المطلق الذي لا يهتز له شعرة، ومازال العقل متبلدا عند مواقف قديمة من السعودية وادارتها ولم يدرك الكثيرون كنه التحولات الثورية والعميقة جدا التي اقدم عليها الامير الشاب محمد بن سلمان، وغير فيها هيكليا وجوهريا واعاد صياغتها على نحو مختلف مما كانته، واسس بها مكانة ودور وعلاقة ندية مع امريكا والغرب واقترب كثيرا من روسيا والصين وعمق التبادلات الاقتصادية والعسكرية وقد اختبر عن قرب وبعمق امريكا وعقلها ونهجها وشاهدها وهي تنسحب ذليلة من افغانستان، وتتخلى عنه ودفاعاتها الجوية فاشلة في التصدي لصواريخ ومسيرات الحوثي من اليمن، واختبر حقيقة امريكا التي تبتز وتفقر وتصادر الاموال وتمول نفسها على حساب الجميع وخاصة الذين يسمون انفسهم حلفاء وهم ليسوا في عرفها الا اجراء وسوق وبرك ثروات واموال. وشاهد حقيقة ان امريكا اضعفت اوروبا واسقطتها تحت هيمنتها وحولتها الى جمهوريات موز، ومزاحمتها في صفقات السلاح الفرنسي مع استراليا وسويسرة والزمت اوروبا خوض حروبها في اوكرانيا واستنزاف قدراتها وتصفية صناعاتها لاسيما الالمانية وبيعها الغاز بخمسة اضعاف سعر الروسي.
وبعد تسع سنوات من انقلابه على الاسرة وسجن اعمامه وأبنائهم وتصفية الوهابية، واركانها، وسحق مراكز النفوذ للأسرة والسعودية والوهابية واستعاد اموال في حملته على الفساد، ولبى طموحات الشباب وحاجاتهم والنساء ونقل السعودية من الماضي السحيق الى العصر، واطلق مشاريعه الطموحة جدا، وقرر ان الاموال يجب ان تنفق في السعودية وليس في امريكا واوروبا ولا تجميعها في المصارف والاستثمارات لتبدد بشحطة قلم امريكي او بإفلاس كل عناصره كانت واضحة ومعروفة لمن يفعل العقل والبحث.
توجه شرقا وامن نفسه ومملكته، وادار الضهر لأمريكا يوم استولى عليها الديمقراطيين الذين ناصبوه العداء وعملوا على عزله وحاولوا سحقه. وحزم امره شرقا بعد ان خسر الرهان على انتصار ترامب في الانتخابات النصفية ونوع من العلاقات ومن السلاح والتبادلات الاقتصادية، ولم يعد يضع بيضه في سلة واحدة.
لماذا لا يستطيع بن سلمان اخذ مسافة عن امريكا وترتيب اوضاع دولته الوازنة في النفط والمال والقدرات في واقع عربي بائس واسلامي عاجز ومتوتر وقد خرجت تركيا من ميزان القوى الاقليمية الوازنة وإسرائيل مأزومة الى حد احتمالات حربها الاهلية، ومصر منشغلة عن وظيفة استعادة عروبتها ومكانتها وسورية مدمرة والعراق في غيبوبة قد تطول كثيرا، وهي العواصم الحوامل لمشروع عربي عصري يشد اواصر العالم الاسلامي والثالث ويتحول الى قوة عالمية لو فعلت العواصم قدراتها كما فعلت الناصرية في دول عدم الانحياز ولم يكن الزمن والتوازنات ناضجة كما هي اليوم، فلماذا لا يستثمر ويعيد انتاج دور وازن للسعودية يلبي الحاجات التاريخية والمهام التي تخلف عنها من يستطيع، ومن كان بمثابة القوة الركنية في انهاض العرب والمسلمين فاين قدرات بغداد ودمشق والقاهرة، ومن قال ان الفرصة والزمن ينتظر طويلا؟؟.
لماذا لا يفكر بن سلمان بإنهاء حرب اليمن بعد ان حققت مبتغاها عنده وكلفت وتكلف السعودية ثروات طائلة، وبات الاماراتي والايراني اكثر المستفيدين. وبدأت امريكا واوروبا ترسخ نفوذها وتنهب الثروات بينما السعودي يتحمل الاوزار والمسؤوليات، وماذا يخسر بان يعيد العلاقة مع سورية، وان يؤمن لبنان ، ويطفا الجمر في العراق، فما الذي حققته السعودية لأربعة واربعين سنة من معادات ايران وافتعال وتمويل حروب امريكا وإسرائيل العربية والاسلامية وتمويل مصانع السلاح والمصارف الامريكية المتعثرة والموازنة الامريكية المثقوبة بالديون والفساد والبيروقراطية.
افتراض ان قيادة السعودية مع بن سلمان متخلفة وقاصرة وعاجزة عن التفكير والتأسيس لدور اقليمي مستقبلي لها والمساهمة بإملاء فراغ الانسحاب الامريكي والاطلسي تفكير عقيم وعقائدي وثأري ومتقادم.
وماذا تخسر ايران واو السعودية من المصالحة وتبريد الساحات والتفكير بعلاقات الجيرة والتفاعل والمصالح المشتركة؟؟
فايران رابح رابح، بعد ان صمدت وقاتلت وتحولت الى قوة مرهوبة ومعترف لها بمكانتها ووزنها، فالتصالح مع السعودية يلبي طموحاتها، وينسجم مع شعاراتها وجهودها التي بذلتها لوقف الحروب واستهدافها ظلما وبلا ذرائع او اسباب.
من يخسر، ولماذا؟؟
امريكا تخسر كثيرا، والاهم انها ستفقد السيطرة على سوق النفط والغاز، وينتهي عصر البترو دولار، وستفقد اسباب وذرائع وجودها العسكري والامني ونشر قواعدها واساطيلها في المنطقة لاحتلالها وابتزازها والتحكم بقراراتها ومصالحها، وافتعال الحروب، والفوضى وبتراجع الدور والهيمنة الامريكية من الاقليم سيسهم بتسارع انحسارها ويعطي دفعا للدول الوازنة للتحرر من هيمنتها وتغيير اشرعتها، ومع انحسار امريكا وتراجع قدراتها ونفوذها ستأخذ معها اوروبا والاطلسي، وحلفائها، ومن بين اهم الخاسرين اسرائيل التي صعقت بالخبر وخرجت منها اصوات تنعي خططها واستراتيجياتها وانهيار مشاريعها وخطوط الدفاع الاقليمية التي حاولت احاطة نفسها فيها.
فقد مثل الاتفاق الايراني السعودي ومن منصة بكين ضربة قاصمة لإسرائيل ونفوذها ومستقبلها ودورها في العرب والاقليم، معطوفا على ازماتها المتفجرة وظهور علامات عجزها في مواجهة الثورة المسلحة الجارية في فلسطين التاريخية ومن غير المستبعد ان تشهد الايام والاسابيع القادمة تطورات عاصفة قد تفرض جولة عنف مفتوحة على احتمالات الحرب الكبيرة التي ابلغ السيد حسن نصرالله ضيوفه بحتميتها وبقرب موعدها وبالتعامل معها على انها الحرب الكبرى التي ستحرر فلسطين من البحر الى النهر.
روسيا في حربها الاوكرانية مستفيد وكاسب، فكل واي خطوة او عمل تتقلص بنتيجته السيطرة الامريكية في اي مكان هو نتيجة ومكسب كبير لروسيا يستعجل نصرها ويقلص قدرات امريكا والاطلسي على اسناد الأوكراني واستمرار التحرش بروسيا واستنزافها وفرض الحصار عليها.
ماذا عن مستقبل العلاقات السعودية الامريكية وكيف سترد امريكا لتعطيل الاتفاق وابقاء السعودية تحت الامرة، وماذا عن حرب تدمير الاقليم بتكلف اسرائيل الانتحار فيها؟؟
غدا؛ ماذا عن التطبيع بين السعودية واسرائيل وموقف ايران منه؟؟
٠٠٠/ يتبع
(سيرياهوم نيوز3-الكاتب)