د.م. محمد رقية
عاد مسلسل حرائق الغابات من جديد فخلال أكثر من ثلاثة أيام التهمت الحرائق مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية والغابات في محافظة حمص وسط سورية، وذلك رغم مشاركة المروحيات وفرق الإطفاء في محاولات السيطرة عليها. وبدأت الحرائق يوم الأحد الماضي ٢٧ تشرين الأول في قرية بحور إلى الغرب من حمص، ثم امتدت النيران إلى قرى عين الغارة وبلاط ومزينة بريف حمص الغربي، قبل أن تتوسع بسبب الرياح إلى قرى أخرى بوادي النضارة.
ثم امتدت الحرائق بشكل واسع باتجاه الحدود الإدارية قرب بلدة البارقية بمحافظة طرطوس، وكذا باتجاه بلدة تنورين بمحافظة حمص، وقد بذلت فرق الإطفاء والمجتمع المحلي جهوداً كبيرة للسيطرة عليها. لكن طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة وعدم وجود طرق زراعية أعاق عمل طواقم الإطفاء، وساهم في سرعة تمدد النار في الأراضي الزراعية والبور التي تنتشر فيها الأعشاب اليابسة.
وقالت بعض المصادر الإعلامية المحلية، إن الحرائق أتت على أكثر من 10 آلاف دونم زراعي في أراضي قرى بحور وعين الغارة وبلاط وعين الفوار. وهذه المنطقة غنية زراعياً ومعظم أشجارها مثمرة من الزيتون والتفاح والعنب والتين والنباتات الطبية، فضلاً عن الأشجار الحراجية.
كنا انتشرت الحرائق في عدة قرى في المنطقة الساحلية وكان آخرها حرائق اللاذقية في منطقة البدروسية التي التهمت أشجار الغابات سريعاً
وامتد الحريق بسرعة بسبب الرياح وكثافة الغابات باتجاه منطقة كسب عند الحدود السورية- التركية التي تعد من أكبر وأجمل غابات سورية.
وقد استقدمت فرق الدفاع المدني والإطفاء في اللاذقية، عدة فرق لمؤازرتها من المحافظات القريبة للسيطرة على الحرائق.
علماً أن كوادر إطفاء الحراج في مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي باللاذقية تمكنت من إخماد ما لا يقل عن 10 حرائق، خلال 72 ساعة الفائتة .
وتشير الإحصاءات الموثقة الى أنه بين عام ٢٠٠١ و٢٠١٨ حصل في محافظة اللاذقية لوحدها أكثر من ثلاثة آلاف حريق من بينها ١٢٠٠ حريق في عام ٢٠١٤ فقط.
وكلنا يذكر الحرائق العديدة والشديدة التي اشتعلت بالغابات السورية في اللاذقية وطرطوس وغربي حمص في صيف عام 2020, 2021 ، حيث في يوم واحد من عام ٢٠٢٠ وصل عدد الحرائق الى ٩٣ حريقاً في هذه المناطق.
وقد أشار بحث لي نشر عام ٢٠٢١ الى فقدان ٢٠% من غابات سورية منذ عام ٢٠٠٠ بسبب الحرائق .
علماً بأن مساحة الغابات في سورية تبلغ حوالي 520 ألف هكتار منها 230 ألف هكتار غابات طبيعية والباقي غابات اصطناعية معظمها تقع في الجبال الساحلية .
في ضوء هذا الواقع الصعب الذي يتجدد سنوياً في غاباتنا وأراضينا الزراعية.
كان لا بد من التفكير بتأسيس نظام انذار مبكر للكشف عن حرائق الغابات الذي بدأنا بوضع الخطط لتنفيذه منذ عام ٢٠٠٥ في الهيئة العامة للاستشعار عن بعد ولكن للأسف لم ينجز حتى الآن رغم مرور حوالي عشرين عاماً وتطور التقنيات الاستشعارية بشكل كبير.
فقد حسّنت تقنيات الاستشعار عن بعد الأرضية والفضائية القدرة على تحديد أنشطة الحرائق على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية باستخدام أجهزة الاستشعار المرئية والأشعة تحت الحمراء على المنصات المتوفرة لاكتشاف الانحرافات في درجات الحرارة والحرائق النشطة وأعمدة الدخان.
ولكي يتم توفير استجابة فعالة لحرائق الأراضي يتطلب أربع مراحل من التحليل والتقييم:
1 – تحديد مخاطر الحريق المحتملة.
2- الكشف عن بدء الحريق
3- مراقبة الحرائق النشطة
4 – تقييمَ الأضرار الناتجة عن الحريق
وقد تطورت التقنيات الفضائية في الآونة الأخيرة على نحو واسع للاستفادة منها في كل المراحل المذكورة
يمكن استخدام أنواع مختلفة من المستشعرات للكشف عن الحرائق في أنظمة المراقبة منها :
(1) كاميرا فيديو ، حساسة لطيف الدخان المرئي الذي يمكن تمييزه خلال النهار والحرائق التي يمكن التعرف عليها في الليل
(2) المواسح وكاميرات التصوير في النطاق الحراري والأشعة تحت الحمراء (IR) للكشف عن تدفق الحرارة الناتجة عن الحريق.
(3) مطياف الأشعة تحت الحمراء لتحديد الخصائص الطيفية للدخان.
(4) أنظمة الكشف عن الضوء والمدى- – LIDAR الذي يقيس أشعة الليزر المنعكسة من جزيئات الدخان.
يمكن حل مشكلة الرصد المبكر للحرائق بالنوع الثاني من التقنيات الجديدة، التي تسمى شبكة الاستشعار اللاسلكية (WSN) التي أخذت في الوقت الحاضر المزيد من الاهتمام وبدأ تطبيقها في الكشف عن حرائق الغابات.
وهناك الكثير من أنظمة الإنذار المبكر لحرائق الغابات في مختلف دول العالم
نشير إلى النظام الذي طورته المانيا منذ عام ٢٠٠٥ ، الذي يعتمد على الكاميرات الحرارية , التي ترصد دائرة قطرها من 30 إلى 45 كم تركب على أبراج ويتم ربطها مع مكتب عمليات مركزي في المنطقة، حيث يتم التقاط الشواذ الحراري أو الدخان ويرسل مباشرة الى العمليات للتحرك فوراً يتألف النظام من :
1- كاميرات حرارية وبرنامج تشغيل ومراقبة ومعالجة
2- نظام نقل المعلومات ويتم إما عن طريق التوابع الصنعية أو أمواج الراديو , أو بالكبل الأرضي
3- مكتب عمليات مركزي بالمنطقة يحوي الأدوات اللازمة لتسجيل المعلومات ومتابعة التطورات، حيث يمكن متابعة خمسة أبراج على الشاشة بآن واحد
4- شبكة لإدارة النظام
ويستخدم مثل هذا النظام في عدد من الدول مثل كندا ، روسيا ،تركيا ،جنوب إفريقيا، وإستونيا والمكسيك والبرتغال وجمهورية التشيك .
وقد طوّرت ألمانيا في السنتين الماضيتين جهاز استشعارٍ إلكترونياً يُعرف بالأنف الإلكترونية بهدف التنبؤ بحرائق الغابات والتقاطها في مرحلة مبكرة قبل أن يمتدّ لهيبها.
وتدعم منظمة الأغذية والزراعة ( الفاو) البلدان في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا من خلال شبكات تعاونية مثل شبكة الشرق الأدنى لحرائق الغابات والبراري “NENFIRE”، التي توفر منصة تتبادل من خلالها البلدان أفضل الممارسات والأدوات والاستراتيجيات للوقاية من حرائق الغابات وإدارتها. وتسهل هذه الشبكة التعاون الإقليمي وتساعد البلدان على تعزيز قدراتها على إدارة الغابات.
لذلك يجب على الجهات المختصة في الدولة العمل سريعاً على بناء نظام إنذار مبكر لكشف الحرائق لحماية غابتنا وأراضينا الزراعية من هذه الآفة المزمنة التي نتعرض لها سنوياً مستفيدين من أحدث التقنيات المتوافرة ، ويمكن التعاون مع منظمة الفاو في هذا المجال للدعم المادي والاستشاري
(سيرياهوم نيوز2-تشرين)