بدت القطيعة كاملة بين الرئيسَين التركي رجب طيب إردوغان، والسوري بشار الأسد، في القمّة العربية – الإسلامية غير العادية التي عُقدت، الإثنين الماضي، في الرياض. فرغم علاقة الزعيمَين الوطيدة بوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلا أن أيّ «مصادفة» لم تحصل بينهما، بل إن إردوغان غادر القاعة مع بدء الأسد إلقاء كلمته، وبرّر ذلك بأنه كان على موعد للقاء ابن سلمان. أيضاً، يمكن الإشارة إلى الازدواجية في خطاب إردوغان، الذي طالب بفرض عقوبات عسكرية على إسرائيل، لمنع توريد الأسلحة إليها، لافتاً إلى أن بلاده ستفرض مزيداً من العقوبات التجارية على تل أبيب، في وقت دعا فيه الأسد إلى «الحدّ الأدنى» من العقوبات على إسرائيل، والمتمثّل في خفض مستوى العلاقات الديبلوماسية معها. وبدا جليّاً أن إردوغان من بين المستهدفين بكلام الأسد، بالنظر إلى أن تركيا لا تزال تحتفظ بعلاقات ديبلوماسية كاملة مع إسرائيل، كما إن التجارة بينهما لم تتوقّف.
وفي طريق عودته من الرياض إلى أنقرة، تحدّث إردوغان إلى الصحافيين المرافقين له عن مسار التطبيع مع سوريا، مكتفياً بالقول: «(إنّني) لا أزال آمل في أن ألتقي الأسد، ونضع العلاقات في مسارها الطبيعي. يجب أن نمحو البنى الإرهابية التي تقف بين تركيا وسوريا، حيث توجد أرضية مؤاتية لسلام عادل وبنّاء، والخطوات التي يجب أن تحصل واضحة. نحن مددنا يدنا إلى الجانب السوري في موضوع التطبيع. نحن لا نهدّد سوريا، بل الإرهابيون، وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني، وعلى الأسد أن يبادر إلى خطوات تخلق مناخاً جديداً». وعن نظرته إلى إمكانية حدوث تحسُّن في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة في عهد الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، قال إنه يتمنى ذلك، «لكن لا يزال من المبكر الحديث عن نسبة تقليص التهديدات من إسرائيل، ومن حرب إقليمية مع مجيء ترامب إلى السلطة. بل إن الرسائل التي تصل تثير قلقنا». ولمّح إردوغان إلى احتمال قطع العلاقات مع إسرائيل، حين قال: «(نحن) الآن ليست لنا أيّ علاقة مع إسرائيل. وتحالف الجمهور مصمّم قطعاً في موضوع قطع العلاقات معها».
في الموازاة، يتزايد الاهتمام السياسي والإعلامي في تركيا بما رشح عن احتمال نقل مقرّ حركة «حماس» من قطر إلى تركيا. فرغم نفي الدوحة، غير أن الشائعات حول طلبها من الحركة نقْل مكاتبها إلى خارج قطر، مستمرة، وغالباً ما ترتبط باحتمال أن تكون أنقرة هي المقرّ المقبل لـ«حماس»، على أن تنتقل إلى طهران في حال تعذّر ذلك. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد خروج «حماس» من دمشق مع انفجار «الربيع العربي»، شكّلت أنقرة وإسطنبول مركزي الثقل بالنسبة إلى الحركة، حيث أقام عدد من مسؤوليها السياسيين والإعلاميين في المدينتين، وهو ما تسبّب في إزعاج إسرائيل التي بادرت إلى الطلب من تركيا، لتصحيح العلاقات معها، إبعاد بعض هؤلاء المسؤولين، ومن بينهم القيادي صالح العاروري، الذي انتهى به المقام بعد إخراجه من تركيا، في بيروت، حيث استشهد بداية العام الجاري.
لمّح إردوغان إلى احتمال قطع العلاقات مع إسرائيل
وحاولت أنقرة، في السنوات الأخيرة، لإنجاح عملية تطبيع العلاقات مع تل أبيب، أن «توازن» بين إسرائيل والفلسطينيين، وهي واصلت سياسة الحياد، بعد عملية السابع من أكتوبر، إلى أن اضطرّ إردوغان إلى الرضوخ إلى اتجاهات الرأي العام، وبدأ في انتقاد إسرائيل، من دون أن يصل إلى حدّ القطيعة الديبلوماسية أو التجارية معها.
والآن، ورغم كل ما قيل عن ضغوط أميركية مورست على قطر لطرد «حماس» من الدوحة، فإن الحديث عن انتقال قياداتها إلى تركيا ليس بالسهولة المفترضة. فأنقرة طردت العاروري ولم تقطع علاقاتها مع تل أبيب، حتى لا تتسبّب في أزمة كبيرة بينها وبين واشنطن. ولذا، أن تبادر اليوم إلى استضافة قيادات «حماس»، فهذا سيكون بمنزلة وضع العصي أمام رهان تحسن العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة، بزعامة ترامب، الذي يعقد إردوغان على عهده كل الآمال، ولا سيما لجهة مواجهة «الكردستاني» في سوريا.
ورغم أن عامل العلاقات التركية – الأميركية قد يشكّل عقبة أمام عودة «حماس» إلى تركيا، إلا أن قيادات المعارضة سرعان ما بادرت إلى «التحذير» من هذا السيناريو. إذ قال رئيس العلاقات الخارجية في «حزب الشعب الجمهوري»، إيلهان اوزغيل، إن «تركيا تتبادر إلى الذهن لأنه ليس من بلد يتماهى أيديولوجياً مع حماس بهذا الشكل، سوى تركيا». وأضاف، في حوار مع صحيفة «جمهورييات»، أن «الولايات المتحدة كانت تستغلّ قطر كوسيلة في موضوع حماس. وهذا يذكّر بالدور نفسه الذي لعبته الدوحة في المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان»، مشيراً إلى أن «إردوغان لم يَعُد يرى في طهران مكاناً آمناً لحماس، وهو يسعى إلى تكون أنقرة مقراً للحركة، أملاً في أن يقوم بدور الوسيط بينها وبين الولايات المتحدة. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يتحوّل ذلك إلى ورقة ضد تركيا». ولفت إلى أن «تركيا تحوّلت، في السنوات العشر الأخيرة، سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، إلى بلد شرق أوسطي. لذلك، تتحوّل الأنظار إليها كوجهة محتملة لحماس».
ومن جهته، قال مسؤول سياسات الهجرة والأمن القومي في «الحزب الجيد»، جنك أوزآتيجى، إنه «منذ اندلاع الأزمة في سوريا عام 2011، وحزب العدالة والتنمية انحرف في سياساته الخارجية عن الخط الذي رسمه أتاتورك. فقيادة المعارضة السورية جاءت إلى إسطنبول، والجيش السوري الحر تمركز في لواء هاتاي (الإسكندرون). وهذا رتّب على تركيا أعباء مالية كثيرة». وأضاف: «مع انحياز أنقرة مباشرة إلى أحد أطراف الأزمة هناك، أصبحت تركيا جارة لروسيا والولايات المتحدة. كما أصبحت بلد اللجوء الأول في العالم. وتشكّلت في شمال سوريا منطقة حكم ذاتي لحزب العمال الكردستاني، فيما تسبّبت السياسات الخطأ لحزب العدالة والتنمية، المدفوعة بعوامل مذهبية وأيديولوجية، في خسائر كبيرة لتركيا».
سيرياهوم نيوز 2_الأخبار