الدكتور خيام الزعبي
مع استمرار التحديات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها تركيا، جاء الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي البلاد وخلّف كارثة إنسانية لم يشهدها البلد منذ ما يقرب من قرن من الزمن، ليخلط الأوراق السياسية في تركيا قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، التي قد لا تنعقد في موعدها، وتحديا جديدا على أردوغان في وقت يستعد فيه لخوض أصعب اختبار انتخابي له في مسيرته السياسية، هذه الكارثة فرضت أسئلة كثيرة وصعبة حول تأثيرها المباشر على السياسة الداخلية، وأهم سؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل تستغل المعارضة الوقت والغضب الشعبي للإطاحة بالرئيس أردوغان؟
في ظل التطورات الجارية سارع قادة أحزاب المعارضة، بمن فيهم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال أوغلو المرشح للانتخابات الرئاسية، إلى تصويب النقد نحو الرئيس أردوغان وتحميله مسؤولية الكارثة، واتهام حكومته بالفشل في إدارة الإغاثة وعدم الاستعداد اللازم قبل الكارثة، وفي الوقت نفسه اشتكى السكان في المناطق الأكثر تضرراً من بطء السلطات أو عدم جاهزيتها بالمعدات اللازمة، للتعامل مع ما وقع من دمار، كما نددت عائلات منكوبة، بحكومة عاجزة عن مساعدتها وإنقاذ أقربائها العالقين تحت الأنقاض.
من دون أدنى شك، وجدت المعارضة السياسية في الكارثة فرصة ملائمة لتجييش الشعب ضد إردوغان، بقولها إن “عدد الوفيات المرتفع ليس ناجماً عن الزلزال فحسب، بل عن مبان غير مضبوطة بشكل جيد ورديئة النوعية”، كما أن “الجيش لم يتصرف في وقت سريع كفاية لأن حكومة إردوغان أبطلت بروتوكولاً يمكنه من الاستجابة بلا توجيهات”.
هنا لا بد من التذكير بأن حساسية الانتخابات بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية أنها ستجرى في ظل ظروف بالغة الصعوبة، فأجواء الوضع الاقتصادي من تراجع الليرة التركية وزيادة نسبة التضخم واللجوء إلى العملة الأجنبية وفضائح الفساد التي تهيمن على المشهد التركي، وطريقة تعامل الحكومة التركية مع التظاهرات وغيرها التي أثارت التنديدات، والصراع مع المعارضة ولا سيما حزب الشعب الجمهوري بلغ مرحلة غير مسبوقة، وفي الخارج فإن سياسة أردوغان أمام تحديات كثيرة بفعل التطورات الإقليمية والدولية، حيث فشلت سياسة عدم خلق خلافات مع دول الجوار إذ تعاني تركيا من نوع من العزلة الإقليمية، وخلافات مع العراق ومصر، ومشاركة فعالة في ضرب ليبيا وتخريبها، وتورط في تفاصيل الحرب السورية، كل هذه القضايا وغيرها مؤشرات إلى ضراوة المعركة التي يقودها اردوغان شخصياً.
وبالمقابل وجدت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في الزلزال فرصة لا تعوض، لمعاقبة الرئيس التركي حيال موقفه من الحرب الروسية في أوكرانيا والقرارات الأخيرة التي إتخذتها تركيا تجاه التقارب مع دمشق، للإطاحة به داخلياً.
واستكمالاً بما تقدم يمكن القول، هناك سيناريوهين يحددا مصير الانتخابات المقبلة في أنقرة وكلاهما ينطويان على مخاطر سياسية على أردوغان، السيناريو الأول هو أن الرئيس التركي قادر على حشد التأييد الوطني لأسلوب التعامل مع الأزمة، وعلى تعزيز موقفه لكونه ماهراً في خوض الحملات الانتخابية، كون حكومته تصدت للعديد من الزلازل وحرائق الغابات وغيرها من الكوارث الطبيعية ،كما استطاع بعد عام من إحباط محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 2016 تمرير استفتاء دستوري للتحول إلى النظام الرئاسي، ثم نجح في إعادة انتخابه رئيسا للجمهورية في العام التالي.
أما السيناريو الأخر يرى بأن عدم قدرة الحكومة على التعامل مع هذه الكارثة بشكل صحيح ودقيق، أو التأكد من أنها لم تطبق قوانين البناء الملائمة في بلد معرض للزلازل، من شأنه أن يضر وبؤثر بمساعي إردوغان في الانتخابات. بمعنى أن أي فشل في إدارة الكارثة ستكون مكلفة لأردوغان، بالتالي فإن من أهم أولويات أردوغان هنا التركيز على الحد من الأضرار الاجتماعية والاقتصادية في المناطق المنكوبة، وإظهار الشفافية الكاملة في محاسبة المسؤولين عن تفاقم الخسائر البشرية والشروع في إعادة الإعمار بأسرع وقت ممكن للحد من تداعيات كارثة الزلزال على مستقبله السياسي.
مجملاً…عندما نتابع الأحداث السياسية وبرؤية تحليلية نكاد نجزم بأن تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في تركيا، ومن هذا المنطلق يجب على أنقرة أن تتأهب لمرحلة جديدة، والتي ستنعكس آثارها بطبيعة الحال على منطقة الشرق الأوسط وربما على الحالة الدولية.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم