| إسماعيل مروة
أمور عديدة في مشروع إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية لا يدركها إلا من عانى التأليف اللغوي، وتصنيف الجمع، والنقد للمادة المجموعة، والثقة بالعلم والحكم على المواد المجموعة، ومن ثم تصنيفها ومراجعتها، وإعدادها وتبويبها، وإخراجها وطباعتها، وتقديمها للقارئ، فكيف إذا كان المشروع بهذه الضخامة من حيث فريق العمل والحجم في الكادر، وبمجلدات تصل إلى 127 مجلداً بصورة فاخرة، وهذا لم يكن متاحاً لولا ما قدمته حكومة الشارقة من دعم عن طريق مجمعها اللغوي.
حول هذا المعجم الموسوعي الأول عقدت ندوة اشترك فيها الدكاترة خلف ومستغانمي والسعودي من العاملين في المعجم، والخبراء في إنجازه على هامش معرض الشارقة للكتاب بحضور ثقافي ولغوي وإعلامي كبير.
مشروع عربي لا يحسب لدولة
أدار الندوة وتحدث الدكتور محمد حسن خلف، وهو واحد من العاملين في المعجم وهيئاته فقال: المعجم يتتبع الألفاظ منذ نطقها الأول وولادتها إلى تطورها ومرورها بالعصور المختلفة، وصولاً إلى العصر الحديث، كما تطرق إلى الأسباب التي حالت دون صدور مثل هذا المعجم فقال: من الأسباب الحقيقية ضخامة اللغة العربية وسعتها ولا يقصد بذلك المستعمل من الألفاظ والمهمل، وإنما بشكل عام، ومن الأسباب أن الطرائق التقليدية المعروفة لن تمكن من إنجازه، ولولا التقدم التقاني ما أمكن صناعة هذا المعجم بهذا الوقت، وقد استخدمت أحدث الوسائل لإنجاز هذا المشروع الذي لا يحسب لأي دولة، أو أي شخص، وإنما هو مشروع عربي تحت مظلة اتحاد المجامع اللغوية العربية الذي يشرف على عمل المجامع اللغوية، وختم بأن هذا المعجم الذي صدر في 127 مجلداً يعد أول مشروع خزان يضم الألفاظ اللغوية وشواهدها من القرآن والحديث والشعر والبلاغة وصولاً إلى اللغة الصحفية والإعلامية المعاصرة.
التكلفة المالية العالية
وتحدث أمين مجمع اللغة العربية في الشارقة الدكتور محمد مستغانمي عن المعجم مادة وإنجازاً ومراحل وأهمية ومستقبلاً، فأعاد الحديث عن الضخامة وفقد التقانة، وحين توفرت التقانة أتاحت التواصل مع الخبراء والمحررين والمصححين والفنيين بفترات قياسية، وأضاف بأن التكلفة المالية العالية حالت دون إنجازه، وهذه التكلفة تشمل الفريق العامل في مختلف البلدان إضافة إلى المقار والطباعة والتجليد، وهذا ما قدمه الشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة بحبه للغة العربية.
وميّز مستغانمي المعايش للمعجم بأن هذا المعجم ليس معجماً لغوياً عاماً كالمعاجم التي نعرفها كلسان العرب وتاج العروس والصحاح، بل هو معجم تاريخي يأخذ اللفظ ويتتبعه من الفعل بجميع حالاته والمصادر والأسماء وضبط الأفعال وترتيبها، والمشتقات، والتبويب وتاريخ الكلمة، والسياق للكلام مع الشواهد وكذلك المصطلحات ومعانيها، وأعطى مثالاً لفظ «ضرب» فقال: في الفعلية وحدها أحصى المعجم 134 معنى للفعل ضرب، وتعرض المعجم للمتلازمات اللغوية، والمصطلحات الشرعية والفقهية والأدبية والبلاغية والنحوية والعروضية، وكل ما يتعلق باللغة.
إطلاق المصطلحات وسيرورتها
المسؤول عن فريق العمل الأردني في المعجم د. محمد السعودي تحدث عن التكنولوجيا كذلك ودورها في الإنجاز وما تم من تسخيرها للباحثين، وعن منصات الباحثين التي جعلت الحضور فورياً، وتطرق إلى مفهوم الأخطاء الشائعة، واللغة الصحفية واللغة الوسيطة، والتطور الدلالي للكلمات، وما يقوم به المعجم من إطلاق المصطلحات وسيرورتها، وذكر أمثلة على آليات خدمة اللغة من خلال التكنولوجيا والتواصل معها.
نقاش ورؤية مستقبلية
دارت حوارات عديدة من الجمهور المتخصص والإعلاميين حول المعجم، وعرض الباحثون أن المعجم طبع ورقياً في 127 مجلداً، ولكنه متاح أيضاً عبر الإنترنت، ويمكن العودة إلى هذا المعجم إلكترونياً، ما يغني عن الورقي إن لم يكن متاحاً، ولفت الباحثون إلى أن فرق العمل ستتابع العمل والإضافة بوصف اللغة كائناً حياً، ويمكن الإضافة على النسخة الإلكترونية ويمكن أن تعاد الطباعة بعد سنوات.
هذا هو المعجم التاريخي للغة العربية الذي شكل إضافة مهمة للمكتبة العربية واللغوية والحضارية، وتضاف إلى إنجازات العرب تجاه لغتهم، ويحسب لما تم تسخيره لإتمام العمل دون الركون لأي عائق.
سيرياهوم نيوز ١_الوطن