يحيى دبوق
لليوم الثالث على التوالي، تشخص الأنظار نحو الحدود المصرية مع فلسطين المحتلّة، والتي لطالما خلت من أيّ تهديدات أمنية بالنسبة إلى تقديرات تل أبيب الاستخبارية. وبينما عاشت المؤسّستان الأمنية والسياسية في كيان الاحتلال حالة هلع وترقّب على خلفية عملية الشرطي المصري التي أردت ثلاثة جنود إسرائيليين قتلى، انسحبت الحالة على كلّ المستويات في الكيان وأثارت هلعاً في أوساط المستوطنين، بالتوازي مع تطرُّق الإعلام العبري إلى معظم جوانب الحدث. ولا يزال من المبكر معرفة ما إذا كانت هذه العملية استثنائية أم أنها بداية مسار مخطَّط له سيتبعه تنفيذ عمليات أخرى، فيما تبرز الخشية من فرضيّة ثالثة: هل يحفّز نجاح العملية تصاعُد عمليات أخرى في سياق التقليد والمحاكاة؟
لطالما حظيت الحدود المصرية مع فلسطين المحتلّة بهدوء لافت مقارنةً مع أيّ حدود أخرى، شرقاً وشمالاً وجنوباً مع غزة بما يشمل الحدود الداخلية مع الأراضي المحتلّة في الضفة الغربية والقدس المحتلّتَين. وبينما يُزكّي «ودّ» السلطات المصرية مع إسرائيل هذا الهدوء، بخلاف ما كان عليه الحال في الماضي البعيد نسبياً، لم يعكّر صفوه في الماضي القريب سوى نشاطات تهريب ممنوعات عبر عصابات الجريمة، أو تسلُّل أفارقة من طالبي لجوء وفرصة عمل. وتحت عنوان التصدّي لنشاطات جنائية من الجانبَين المصري والإسرائيلي، تشارك الطرفان هذا «العبء». إلّا أن مواجهة النشاطات الجنائية تختلف تماماً عن مواجهة نشاطات أمنية على خلفية الصراع مع الاحتلال.
ad
وتعكس محدودية النقاط المنتشرة على طول الحدود من ناحية الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وكذلك محدودية التجهيز والتقنيات الاستخبارية ورتبة القوات المنتشرة التي تُعدّ في الصف الثالث أو الرابع قياساً بقوات النخبة الإسرائيلية، أن التهديد الذي تخشاه جنائياً ليس أمنيّاً أو مرتبطاً بالصراع مع إسرائيل. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، فإن القوات الإسرائيلية والمصرية المنتشرة على طول الحدود، بما يشمل تحديد الضباط والمسؤولين المباشرين عن القوات وانتشارها لدى الجانبَين، قوات متجانسة في ما بينها، وكوّنت، على مدى السنوات الماضية، صداقة خاصة على مستوى الضباط. ومن الواضح أن خرق الشرطي المصري للحدود، بلا إثارة أيّ إنذار، يشير إلى ثغرات على طول الشريط الشائك، على رغم كلّ التقنيات والإجراءات التي جرى تفعيلها في السنوات الأخيرة، والتي قيل عن نجاحها الكثير في منع تهريب ممنوعات أو تسلُّل مهاجرين أفارقة إلى الأراضي المحتلّة؛ وهو ما سيكون مدعاة بحث ودراسة استخباريَّين وميدانيَّين، للفترة المقبلة من ناحية إسرائيل ومصر.
ad
وإذا كان، حتى يومنا، إقدام شرطي مصري على تجاوز الحدود، ومن ثمّ إطلاق النار على جنود إسرائيليين، عملية «شاذة» وغير اعتيادية أو متوقّعة من جانب الاحتلال، إلّا أنها تثير جملة تساؤلات، من مثل: هل الشرطي المصري عمل من تلقاء نفسه، وبمبادرة فردية منه؟ ومن شأن الإجابة على هذا السؤال أن يفتح الباب أمام مزيد من التساؤلات، تنحو في ثلاثة اتجاهات.
لا يزال من المبكر التوصّل إلى استنتاجات قاطعة من جرّاء عمليّة واحدة أو عملية أولى، سُجِّلت في جبهة باتت صديقة لإسرائيل
ad
في الاتجاه الأول، إذا كان منفّذ العملية «ذئباً منفرداً»، فإن هذا يحتّم على الجانبَين البحث في الخلفية التي تدفع أشخاصاً كهؤلاء لتنفيذ عمليات، ومن ثم البحث عن السبب المباشر الذي حفّز قرار العملية. وفي أعقاب ذلك، البحث عن أشخاص متماثلين مع المنفّذ، وإمكان أن يكونوا مرشّحين أيضاً لتنفيذ عمليات مشابهة، ستكون في طبيعتها صعبة على التقدير الاستخباري، لفرادة وخصوصية كل حالة على حدة. أمّا ثانياً، فسيكون على الجانب المصري أن يتحقَّق من إمكان انتماء الشرطي إلى جماعات تنشط في شبه الجزيرة المصرية، ومن ثمّ معرفة ما إذا كان قرّر ذلك من تلقاء نفسه، أو أن التنفيذ جاء نتيجة قرار قيادة عليا لإحدى الجماعات. وهو ما يشير إلى وجود توجه لدى هذه الجماعات، أو إحداها في حدّ أدنى، للبدء بالإضرار بإسرائيل من خلال عمليات انطلاقاً من سيناء. وفي الاتجاه الثالث، يبرز التحقُّق ممّا إذا كان الشرطي متماهياً مع أحد التنظيمات المقاومة في الأراضي الفلسطينية، وهو ما يثير أكثر من فرضيّة لم تكن محسوبة ومتوقّعة لدى إسرائيل، بزيادة ساحة جديدة على الساحات المقاومة، ولو نظريّاً، من خارج صندوق التوقعات الاستخبارية.
ad
في مقابل كل ذلك، لن تتغيّر الخشية الإسرائيلية كثيراً لجهة عامل التحفيز لتنفيذ عمليات مشابهة انطلاقاً من سيناء، نظراً إلى نجاح العملية في قتل ثلاثة إسرائيليين، على رغم حرص القوات الإسرائيلية، كما ادّعت، على ملاحقة الجندي وقتله بعد ساعات من البحث والمطاردة، محاولةً الحدّ من تأثير العملية. وتوازياً، تبرز بين الفرضيات المتداولة في تل أبيب، الخشية من إمكانية إرسال عناصر مقاومة من غزة إلى سيناء، ومنها إلى إسرائيل، لتنفيذ عمليات مشابهة، أو حتى أسر جنود إسرائيليين. ويعني ما تقدَّم، أن إسرائيل ستعمد إلى تعزيز جهدها الاستخباري في ساحة لم يشملها التعزيز في السنوات الماضية، وكذلك تحسين المراقبة التقليدية والتقنية لحدود طويلة جداً، توازياً مع نشر قوات نخبة أو ما يقاربها دون الاكتفاء بقوات مستوى أدنى.
مع هذا، لا يزال من المبكر التوصّل إلى استنتاجات قاطعة من جرّاء عمليّة واحدة أو عملية أولى، سُجِّلت في جبهة باتت صديقة لإسرائيل. إلّا أنه لا يُستبعد، في مسار التقليد والمحاكاة المتوقَّع، أن تستدعي الحدود المصرية جهوداً وإمكانات من جبهات ساخنة أخرى، لسدّ الثغرات، ما من شأنه أن يثقل كاهل الجيش الإسرائيلي، ويحدّ من إمكاناته.
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية