آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » المقَامة التبشيريَّة للسَّنة 1443 هجريَّة

المقَامة التبشيريَّة للسَّنة 1443 هجريَّة

بقلم: ميرفت أحمد علي

صادفتُ العامَ الجديد يدخّنُ (الشِّيشة) في مقهى قبالةَ البحر، قُبيلَ استلامهِ منصبَهُ بساعة، و جرى بيننا التالي: قال: في جُعبتي لهذا الأوان، منَ المفرقعاتِ و الألعابِ الناريةِ ملايينُ الأطنان. فهمتُ المغزى (التَّورويّ) في كلامهِ، و لم أعلِّقْ. فتابعَ: فأنتُم ـــ معشرَ الأدباءِ و المتأدِّبين ــــ و أَنصافَكم، و أَثلاثكَم، و أرباعكَم، و ما شُبِّهَ بهِ إليكُم، و مَن قارَبكُم و دَاناكُم، و مَن شاكلَكُم و مشى ممشاكُم في الكتابةِ و التدوين، و الاستيحاءِ و التَّخمين، و الهذْرِ و المذْرِ و الشَّذر، بما فيهِ لَوثةٌ للعقل، و إِفشاءٌ للجهل، و صيدٌ في مُستنقعٍ ضَحل. يامَن تُظهرونَ بمكتُوبكم الجدوى، و تُضمرونَ للقارئِ البلوى. أمَّا بعدُ: فسأُذيقُكم مِن ضروبِ (خرابِ البُيوت) و شَنيعِ الألقابِ و النُّعوت، و نُضوبِ الحيلة، ما لم يذقْهُ (علي الزَّيبق) مِن (دليلة)، و مالمْ تَأْتهِ (كليوباترة) في الفسقِ و الإفكِ و الرذيلة. و سأمسحُ بحِبركُم نِعالَ الأحذية، و أُطوِّحُ بتخاريفِ كلامِكم في مهبِّ الأهوية، و أنزعُ عن عوراتِكم الجلابيبَ و العباءاتِ و الأَردية…و لكم في ذمَّتي عهد: لأجعلَنَّ أَعاليكُم أَسَافلَكُم، و مقلوبَكُم مركوزَكُم. و في قريبٍ مشهودٍ ستنتعلونَ رؤوسَكم، و ستلوِّحونَ بأقفيتِكم، و ستُصافحونَ بأقدامِكم بدلَ أكُفِّكم ، فما قولُكم؟ تأمَّلتُ في التهديدِ العتيد، تأمُّلَ المبهُوتِ البليد، و قلتُ: و علامَ كلُّ هذا الجفاء؟ و حشدُ السوءِ و تجييشُ البلاء؟ . و انقصفتْ من فمي ضحكةٌ طنَّانة، لم أَكُ على إطلاقِها قطُّ ندمَانة؛ فجاشَ صدرُ صاحبِنا بالغلَيان، و تبدَّى في لَبوسِ مارقٍ شيطان، و أطلقَ لنفسهِ العَنان، في الاستقواءِ و الاستبغاضِ و إيقادِ حطَبِ الشَّنآن، و قال: على رُسلِكِ يا عشيرةَ القرطاس، يا نديمةَ (الوَسواسِ الخنَّاس)، يا شرَّ البليَّةِ في الناس، ألا فاسمعي أنتِ و أمثالُكِ، وَ عِي: هذا أوانُ المَسرَّةِ و الترفيهِ و التَّنفيس، قوامُهُ: الرقصُ و (الفقسُ) و الرّياءُ و التدليس. فلا تكوني و معشركِ مجرَّدَ نسانيس، يمشونَ بالمقلوب، و يُخطئونَ المركُوب، و يمنعونَ المرغوب، فِعْلَ (الأنكادِ المناحيس). دَيدنُهم نشرُ ثقافةِ (التَّكريبِ) في الأمَّة، و ابتلاءُ الناسِ بالغُمَّة. فإمَّا أن تهجروا الدَّواةَ و الأحبار، أو أجعلكم في الورى بموضعِ الأدبار. (و العصر، إنَّ الأدباءَ لفِي خُسر)، و قدْ أُعذرَ مَن استنفذَ الصبر. فإنِّي ــ و اللهِ ــ سأبعثُ في قُصَّاصِكم و شُعرائِكم و روائييِّكم و مسرحيّيكم باعثَ موتٍ يستلُّ الأرواحَ استلالَ الشعرةِ من العَجين، و يُلصقُ بهم خطيئةَ التفاحِ، فيبُرئُ منها حوَّاءَ أمَّ العالمين. أيُّها النَّاعقونَ على الورق، النَّاعبونَ على المنابر، و تخالونَ أنفسَكم أصحابَ (أُفُق)، و أجاويدَ أكابِر. و لعَمري ـــ يا معشرَ المتعطِّلينَ عنِ العمل، السَّادرينَ في رخاوةِ الكسل، يامَن تصدعُونَ الرؤوس بكلامٍ مهجُوس، و بدونِ فُلوس…و تشتكونَ الفاقةَ و قلَّةَ ذاتِ اليدّ، مِن طولِ التَّصفُّنِ و التَّفلسُفِ و الهرطقةِ و الهيَمانِ و الوَجد…لأَكسِرنَّ شوكتَكُم مِن كلِّ بُدّ، إلَّا (مَن رحِمَ ربّي) و اصطفى؛ فقايضَ بالعبثِ الجدّ، و تبرَّأَ مِن قراطيسهِ و هَلاويسهِ، و ملائكةِ شعرهِ و مرَدَتهِ و غِيلانهِ و أَباليسهِ؛ فقامَ يدعو إلى الطَّرَبِ المُستحدَث، للشبَّان الخُنَّث، و أقامَ (السحّ اندحّ انبوه) مقام (أنتَ عُمري)، و أَحلَّ (محمد رمضان) محلَّ (صباح فخري)، و جعلَ (السوشل ميديا) الوريثَ الشرعيَّ لـ (الويكيبيديا)، و بوَّأَ الراقصاتِ المُستعرياتِ المُستشقراتِ مُبوَّأَ الشاعراتِ الماجداتِ، و أَحيا طقوسَ رجرجةِ الأردافِ و هزِّ الخَصر، بدلَ حفلاتِ توقيعِ دواوينِ الشعر، و جعلَ أهلَ الردَّةِ الثقافيةِ و الخَساسة، مِن ذوي الرِّيادةِ و الرِّياسة، و رموزَ الجهلِ و السخافة، أَيقوناتِ إعلامٍ و صِحافة. و بثَّ في كلِّ مُنتدىً و مَحفل، مُستغفِلٌ، مُستهبِل، (للصِّياعةِ) يُزمِّر، و (للمُيوعةِ) يُطبِّل…مَن مجَّدَ قراءةَ الطوالعِ الفلكيةِ و المُنجِّمين، و عافَ أَئِمَّةَ الفقهِ و الدِّين. و احتكمَ إلى السَّحرَةِ الدَّجالين، في إبطالِ (المَسِّ) و تطفيشِ (التَّابعين). و مارسَ الشعوذةَ و السحرَ كالعلومِ الوازنةِ الحيَّة، و بالَ على الشهادةِ الجامعية. و انتهجَ نهجَ السَّماسرةِ الشُطَّار، في تفريخِ العُملةِ و الَّلعبِ بالدولار. و فكَّكَ اللُّحمةَ العائلية، و امتطى في العلاقاتِ كلَّ مَطِيَّة؛ فأذهبَ عقلَ الفتى، و استباحَ شرفَ الصبيَّة؛ بداعي الحقِّ في الحريَّة، و النَّزعةِ الانفراديَّة. و هجرَ المدارسَ الحكوميَّة، و استظرفَ الدروسَ الخصوصيَّة، و رطنَ باللغةِ العربية، و صدحَ باللهجةِ البريطانيَّة أو بالَّلكنةِ الأمريكيَّة. و ارتدى البناطيلَ المرقَّعة، و الـ (تي شُورتاتِ) المبُرقعة. و عافَ شطيرةَ الزعترِ و الزيتون، و أقبلَ على (الكرسبي) و (الكرواسُّون). مَن تعثَّرَ بأَخيهِ في السَّابلة؛ فأراهُ (عَرْضَ كتفيْه)، و أعارَ ظهرَهُ لأمّهِ و أبيه، فلم يَخِزْهُ واخزُ ضمير ،من مغبَّة ذلكَ التقصير. أمَّا الفنّانونَ التشكيليّون، مَنْ ببُهرجِ الألوانِ، و بكرنفالِ الأصباغِ يَفتتنون، فسَأُكسِدُ بضاعتَهم أيَّما إِكساد، و سأجعلُهم عِبرةً للعِباد. إلَّا (مَن رحمَ ربّي) و جنَّد الريشةَ و الألوان، في سوقِ الدَّعايةِ و الترويجِ و الإعلان؛ فتغنَّى بشفطِ الدهونِ دونَ جراحة، و بتخسيسِ الوزنِ من موضِعِ الاتّكاءِ على (الطرَّاحة). و روَّجَ بالخربشاتِ و بالرسوم، لكلِّ أنواعِ الشامبّواتِ و العطوراتِ و التاتُّوياتِ و الوُشوم. و جعلَ (الكوكاكولا) و (الأندومي) في رأسِ المآكلِ و المشارب، و صنعَ بـ(الشاورما) صُنعَ العجائب. فسبقَ (علاءَ الدينِ) إلى المارد، و أَتانا بما نشتهي (واضعينَ أرجُلَنا في الماءِ البارد). و لي حديثٌ يطول، و تفرُّعاتٌ و ذُيول عن ممثّلي المسرحِ و صعاليكِ الخشبة، و المُخرجينَ و (الدراماتوريّين) و الكَتَبة. فهؤلاءِ و أَضرابُهم (صُوفتُهم) عندي (حمراء)، و أُصنِّفُهم في خانةِ (الفانتازيِّينَ) البُلَهاء، و المُتوحِّدينَ التُّعساء؛ فلا يَؤُمُّ مسارحَهم إلَّا مَن ليسَ لهُ شُغل، و ناقصُ الحِيلَةِ و العقل. و عهداً منِّي سأُبقيهم في أَرذلِ حال، و أُجرِّعُهم مُرَّ المآل… إلَّا (مَن رَحِمَ ربِّي) و أنصفَ التُجَّارَ و رجالَ الأعمال، و أصحابَ المُقاولاتِ و مُبيِّضي الأموال؛ فقدَّمَ عروضاً مسرحيةً تُمجِّدُ المُنتج، و أطنبَ و أَجاد. و زكَّى المشاريعَ الصناعيَّةَ و المُضارباتِ العِقاريَّةَ، و أَغنى و أَفاد. و سِوى ذلكَ مِن هُراءِ المسرحِ… ذَرٌّ للرَّمادِ في العيون، و مسلكٌ طائشٌ مأفون. أَلا (فتَنبَّهوا و استفيقُوا معشرَ الأدباء؛ فقد طمَى الخطبُ و ادْلهمَّ البَلاء)، و (لكم في الحياةِ قِصاصٌ) أيُّها المآفينُ الأشقياء، و (قدْ أُعذِرَ مَن أَنذر)، و تعامَى عن (مازوخيَّتكم) و تصبَّر. فماذا تقولونَ يا أَحطَّ رَهْطٍ، و أَوضعَ مِعشر؟ أَنهى العامُ الميلاديُّ المجيد، مُطَوَّلةَ التشنيعِ و التأثيمِ و المذمَّةِ و الوعيد…و أراهُ غالى في التجبُّرِ و الغطرسة، و (الرؤيةِ المتفرِّسة)، و الهَجْسِ و الوسوسة. و أقامَ القيامة، و تولَّى منصِبَ الإِمامة؛ فجعلَ (منَ الحبَّةِ قُبَّة)، و أباحَ التَّشهيرَ و المَسَبَّة. و تشاطرَ و تسَاخَفْ، و تذَاكى و تفلسَف. و رأيتُ لهُ ذَيلاً عظيماً قد نبَتْ، بمجرَّدِ أنْ سَكَتْ. و قَرنيْنِ مُستغلِظَيْنِ في مُقدَّمِ الرأس، أشبهَ بساطورٍ أو مِنجنيقٍ أو فأس. فعلمتُ ـــ لحظتَها ــ مَن يكون! و إلى أيِّ مُنقلبٍ سينقلبُ المثقَّفون! ثمَّ قهقهتُ قهقهةً رجَّاجة، لم أَكُ للاعتذارِ عنها في حاجة. و قلتُ لصاحبِنا بمُنتهى الفجَاجة: أيُّها المُتنمِّرُ المُستكلب، المُستضبِعُ المُستذئِب، ادَّخِرْ قُرونَكَ المكسورة، و أنيابَكَ المنخُورة، لِسوانا منَ الناس. فقد دارَتْ علينا في النَّوائبِ ألفُ كاس. و لتعلَمْ بأنَّكَ لم تأتِنا بجديد، بل بالمَكرورِ المُستهلك، في التَّلويحِ بالمَهْلَك. و لستَ بخيرِ خلَفٍ لأَشرِّ سلَف؛ فذاكَ لم يُبْقِ و لم يَذَر، للمروءةِ مِن أثَر، و لِلْبَريَّةِ مِن عِبَر. و لستَ بِنَائلٍ براءةَ اختراعِ تَخليقِ الكوارث، أو ابتداعِ الحوادث، فَكُفَّ عنِ الكلامِ الممجُوج، و عنِ التَّمثُّلِ يبأجوجَ و مأجوج. وقعَ كلامي في نفسِ صاحبِنا موقعَ الصواريخِ البالستيَّة الكُوريَّة الشماليَّة، في براكينِ (لابالما) الصخريَّةِ البازلتيَّة…فانفجرَ و انشطر، و ترامَى و انْتَثر، و فرقَع و قرقَع، حتى كادَ أن يصمَّ المَسمَع. و تناهَت إلى آذانِكُم أصداءُ الانفجارِ المُدبَّر، في الحادي و الثلاثينَ مِن شهرِ (ديسمبر) أو …هكذا أتصوَّر !

(سيرياهوم نيوز 3-1-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بين وجع السوريين وصمت الأمم… “كوردوني”يدخل الساحة ومعه ملامح تحوّل خفي

  د. سلمان ريا   في خطوة لافتة تحمل أكثر مما تعلنه بيانات الأمم المتحدة التقليدية، عيّن الأمين العام أنطونيو غوتيريش الإيطالي كلاوديو كوردوني نائبًا ...