ريم هاني
في أعقاب فوزه في السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض، بدأت بعض التسريبات تكشف الملامح الأولى للسياسة الخارجية التي ستطبع عهد دونالد ترامب، إزاء خصومه الرئيسيين، ولا سيما إيران والصين، وآلية «الدعم» الذي سيقدّمه لحليفته إسرائيل في عدوانها على بلدان المنطقة، في وقت لا يريد فيه الرئيس المنتخب أن يتسلّم مهامه رسمياً، في خضمّ حرب دائرة في الشرق الأوسط، هي واحدة من الحروب التي حاول، طوال فترة ولايته السابقة، تجنبها. ووسط حديث مسؤولين عن أنّ الرئيس القادم قد منح الحكومة الإسرائيلية «تفويضاً» واسعاً لإنهاء «حربها»، فإنّ الهامش الذي يشترطه عليها ضيق نسبياً، ويبدو غير كافٍ، و لاسيما وسط تمسك كل من حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، جنباً إلى جنب إيران، بمواجهة العدوان الإسرائيلي، في الميدان، ورفضها الخضوع، بأي شكل، للشروط الإسرائيلية.
وطبقاً لتلك التسريبات، يخطط ترامب لزيادة العقوبات بشكل كبير على إيران، وخنق مبيعاتها النفطية كجزء من «استراتيجية صارمة» لتقويض الدعم الذي تقدّمه «لوكلائها في الشرق الأوسط»، وبرنامجها النووي، وفق ما أفادت به شخصيات مطّلعة على خططه المبكرة، صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية. وبعدما انتهج ترامب سياسة «الضغوط القصوى» على طهران وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني، خلال ولايته الأولى، فعندما يتولى منصبه في الـ20 من كانون الثاني، من المرجّح أن يتعامل مع إيران كدولة «دبّرت محاولة اغتياله، وكبار مساعديه السابقين في الأمن القومي»، على حدّ مزاعم مسؤولين سابقين في إدارته. ويقول ميك مولروي، أحد كبار مسؤولي البنتاغون لشؤون الشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى: «يميل الناس إلى أخذ هذه الأشياء على محمل شخصي»، في إشارة إلى ترامب، متابعاً أنّه «إذا كان الأخير سيتشدد إزاء أي دولة معينة، أو خصوم رئيسيين معينين، ففي مقدّمة هؤلاء ستكون إيران» على وجه الخصوص. وطبقاً للأشخاص أنفسهم «الذين اطّلعوا على الخطط، وعلى اتصالات ترامب بكبار مستشاريه»، فإنّ الفريق الجديد سيتحرك بسرعة لمحاولة خنق مدخول قطاع النفط في إيران، بما في ذلك ملاحقة الموانئ الأجنبية والتجار الذين يتعاملون بالنفط الإيراني»، فيما قال مسؤول في البيت الأبيض، في حديث إلى الصحيفة، إنّ ولاية ترامب ستشهد «عودة العقوبات، وأكثر من ذلك، على الصعيدين المالي والدبلوماسي، في محاولة لعزل طهران». على أنّه طبقاً لمراقبين، وبمجرد عودته إلى البيت الأبيض، قد يواجه ترامب المعضلة نفسها التي واجهها بايدن، في ما يتعلق بكبح مبيعات النفط في إيران ولدى خصوم آخرين مثل فنزويلا، والذي يخاطر برفع أسعار النفط وزيادة التضخم. وفي السياق، يقول روبرت ماكنالي، مسؤول الطاقة الأميركي السابق، إن إدارة ترامب قد تفرض حظراً أميركياً على الموانئ الصينية التي تستورد النفط الإيراني، وعقوبات تستهدف «المسؤولين العراقيين الذين يموّلون الميليشيات المدعومة من إيران»، ما قد يؤدي إلى خفض لا يقل عن 500 ألف برميل يومياً في مشتريات النفط الصينية.
سيتحرك ترامب سريعاً لمحاولة خنق مدخول النفط في إيران
بدورها، لمّحت وسائل إعلام إسرائيلية إلى الاستراتيجية التي سيتبنّاها ترامب، قبيل تنصيبه أقله، إزاء الحرب الدائرة في غزة. وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، نقلاً عن مايك إيفانز، أحد كبار المستشارين الإنجيليين للرئيس الأميركي المنتخب، عن خطة الأخير بشأن الشرق الأوسط، والتي تتمثل في منح إسرائيل هامشاً «محدوداً»، قبل تنصيبه، لاتخاذ قرار «حاسم». ويشير إلى أنّ «ترامب يريد من إسرائيل إنهاء المهمة في الأسابيع الثمانية المقبلة»، في إشارة إلى حربَي غزة ولبنان. ويتابع: «يمكن لإسرائيل أن تنهي الأمور في الجنوب والشمال، قبل أن يتحول تركيزها إلى إيران»، لافتاً إلى أنّ «هدف ترامب هو أن تستهدف إسرائيل منشآت النفط الإيرانية والحاويات التجارية قبل 12 كانون الثاني، لمحاولة شلّ الاقتصاد الإيراني». وفي مقابل «إضعاف» طهران، سيتلقّى رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، «مكافآت» من إدارة ترامب، وعلى رأسها إبرام اتفاقيات تطبيع مع «العالم السني»، بدءاً من السعودية. على أنّ العديد من المراقبين يرون أنّه في حال لم يحقق نتنياهو «أهدافه»، قبل الموعد النهائي الذي حدّده ترامب، فستكون تصرفات الأخير غير قابلة للتكهن فعلياً، فيما يبقى الثابت الوحيد، أنّه لا يرغب في قضاء السنة الأولى من ولايته تحت وطأة «حروب الشرق الأوسط» التي لا «يحبّذها».
على الضفة نفسها، لن تستثني سياسة «الضغط» الترامبية الخطر الجيو استراتيجي «الأهم» بالنسبة إلى الولايات المتحدة، أي الصين. وفي هذا الإطار، تلفت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية إلى أنّ موقع حملة ترامب الإلكتروني يدعو، بالفعل، إلى خفض اعتماد الولايات المتحدة على الصين في جميع السلع الأساسية، مشيرةً إلى أنّه على الرغم من أنّ الرئيس السابق، جو بايدن، حافظ على التعرِفات التي كان ترامب قد فرضها، وزاد عليها بعض التعرِفات الإضافية حتى، فإنّ ذلك يمثل «البداية» فقط بالنسبة إلى الرئيس الجديد، الذي يستعد للذهاب «أبعد من ذلك بكثير». وفي الواقع، مع تعهد ترامب بفرض تعرِفات بنسبة 60% على الأقل على جميع الواردات القادمة من الصين، فهو يقرّب واشنطن من «الانفصال» الكامل بين أكبر اقتصاديْن في العالم، في وقت يتبنى فيه عدد من أقرب مستشاريه النهج المشار إليه. ويحذّر أصحاب هذا الرأي من أنّ مثل تلك الخطوة ستؤدي إلى تفاقم العلاقة الثنائية المتوترة بالفعل بين بكين وواشنطن، وتكلّف الأسر الأميركية آلاف الدولارات سنوياً، وتُفقد المصدّرين الأميركيين أحد أكبر أسواقهم. ويضاف إلى ما تقدّم، أنّ النهج التجاري «العدواني» تجاه الصين سيؤدي إلى إضعاف الأصدقاء والحلفاء المحتملين الآخرين للولايات المتحدة. ويتطرق التقرير أيضاً إلى النهج الدبلوماسي الذي قد يتبناه ترامب إزاء إيران، لافتاً إلى تصريحات ترامب الصحافية في أيلول، والتي زعم فيها أنّه سيكون منفتحاً «على إبرام اتفاق جديد مع إيران لمنع البلاد من تطوير سلاح نووي»، مضيفاً: «علينا عقد صفقة وإلا فإنّ العواقب ستكون مستعصية»، من دون تقديم أي تفاصيل فعلية عن كيفية تحقيق ذلك.
سيرياهوم نيوز١_الاخبار