فؤاد مسعد:
موضات درامية تندثر وأخرى تطفو على السطح ، والحراك الإنتاجي الذي يقف وراء ترويجها أو الابتعاد عنها محكوم بموازين مرتبطة بالبيع والتسويق والمحطات ، فركوب الموجة سمة الكثير من الإنتاجات إما لاستثمار النجاح أو للحاق بموضة حققت حضوراً على الساحة ، وشأن ذلك أن يعكس حالة من انعدام للرؤيا المستقبلية وتحويلها إلى نظرة ضيقة الأفق محصورة ضمن حسابات إنتاجية أو شخصية مرهونة لرغبات المموّل .
وقد مرت الدراما السورية خلال مسيرتها بالعديد من الموضات التي غالباً ما كان مصيرها الانكفاء إلى الوراء حتى انقلب السحر فيها على الساحر ، فمع باكورة المسلسلات البدوية كرت السبحة لتكون خلال فترة سمة الكثير من الأعمال ، ومع انطلاق موجة المسلسلات التاريخية بما فيها (الفانتازيا التاريخية) والبذخ الإنتاجي فيها باتت الأعين تتجه نحوها ، وكذلك الأمر مع الأعمال التي تناولت شخصيات تاريخية بعينها إن كان عبر التاريخ البعيد أو القريب ، ويضاف إلى ذلك الكوميديا التي ظهرت بأكثر من حلة ومن ثم تراجعت كماً ونوعاً إلا فيما ندر ، والمسلسلات التي نهلت من الأدب ، وأيضاً البيئة الشامية التي باتت تتكاثر وتتوالد عاما بعد آخر ، والمسلسلات ذات الأجزاء المتعددة تلك الموضة التي لم تهدأ نارها بعد ولاتزال حاضرة بقوة ، وحتى على صعيد موضة عدد حلقات المسلسل.. فبعد أن أعلن الكثير من المنتجين والمخرجين منذ سنوات طويلة وفاة الفيلم التلفزيوني والثلاثيات والسباعيات لصالح صعود أسهم المسلسلات ذات الثلاثين حلقة، عادت مؤخراً هذه الأعمال لتفرض نفسها على الساحة وبدأت بالتزايد سنة بعد أخرى ليتم إنجازها (غالباً) ضمن إطار الأعمال المنفصلة المتصلة التي تُنجز وفق نظام (حلقات منفردة ، ثلاثيات ، خماسيات ، سباعيات ، عشاريات) .
لكل صناع الأعمال الدرامية الذين يصرون على الركض الأعمى وراء (العمل الموضة) نقول لهم ، قلدوا وكرروا واستنسخوا ولكن أبدعوا ، فالفخ الذي غالباً ما يتم الوقوع فيه (إلا في حالات قليلة) أنه عند استثمار نجاح عمل ومحاولة استنساخه عبر أعمال أخرى لابد من أن تقوم هذه الأعمال الجديدة على تجاوزه بخطوة فتأتي متطورة عنه من خلال تقديم رؤية مختلفة واقتراح بصري وفكري جديدين كي تُشَرّعن عملية الاستنساخ ، فمن يهدف للنجاح عليه ألا يستبسط العملية الإبداعية وأن يتجه نحو الأفكار الخلاقة ضمن اللون الذي يتم إنجازه .
ذلك كله يجعلنا ندرك أننا لا نعرف قراءة المشكلات والعراقيل التي تقف في وجه الدراما السورية ولا ندرك حجم المخاطر المحدقة بها وكيف سيستقبل الجمهور هذه الأعمال ، فيبدو أن الإنتاج الدرامي تحوّل بجزء منه إلى مجرد صدى لنجاح عمل يُنجز عنه العديد من الطبعات ، وبما أننا لا نتعلم من أخطائنا فسنجد في شهر رمضان القادم حوالي ستة مسلسلات تدور أحداثها في البيئة الشامية ، ومع التأكيد على أهمية إنجاز مسلسلات تندرج في هذا الإطار ضمن حالة إنتاجية متكاملة يبقى وجود هذا العدد الكبير نسبة لعدد وتنوع الأعمال المُنتجة مؤشراً ينبغي الوقوف عنده وقراءته بتمعّن، ولتستقيم عجلة العملية الإنتاجية لابد من إيجاد حالة فيها نوع من التوازن والتلّون الأكبر ضمن المشهد الدرامي العام ، بعيداً عن سيطرة لون وغياب ألوان الجمهور بشوق لمتابعتها ولكنها لا تلبي متطلبات الجهة المانحة للمال الذي أُنتج به ، وبالنتيجة هي دعوة لوضع مخطط مبدئي لآليات إنتاجية مستقبلية من شأنها فرملة أي حالة سلبية ضمن عملية تتزاوج فيها الصناعة مع الإبداع.
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة