تُسابق الديبلوماسية الدولية الزمن بحثاً عن مخرج للأزمة المتفاقمة في ليبيا، وسط خيارات محدودة وتصاعد في التوترات الأمنية بلغ حداً ينذر بالخطر.
وفيما يتنافس رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وخصومه في غرب ليبيا على كسب الشارع، يسود ترقب دولي حذر إزاء قدرته على احتواء الاحتجاجات المتنامية، والتي اتسعت رقعتها خلال الأيام الأخيرة، لتصل إلى التهديد بإغلاق أكبر المصافي النفطية في مدينة الزاوية، وشركة “مليتة” للغاز على الساحل الغربي.
بالتزامن، دخل قائد “الجيش الوطني الليبي” خليفة حفتر على خط النزاع، من خلال عرض عسكري ضخم نفّذته قواته الاثنين الماضي، حاملاً رسائل استعراض قوة إلى الداخل والخارج. وأكد حفتر في كلمته أن “القوات المسلحة ستكون لها الكلمة الفاصلة في اللحظة الحاسمة”، مشدداً على الحرص على “وحدة ليبيا وسلامة أراضيها”.
يتزامن ذلك مع جولات مكوكية داخلياً وإقليمياً قامت بها الموفدة الأممية هانا تيتيه، أملاً في التوصل إلى توافق طال انتظاره بشأن خريطة طريق لحل الأزمة والذهاب إلى صناديق الاقتراع. لكن مصادر ديبلوماسية دولية تؤكد لـ”النهار” أن الخيارات باتت “محدودة للغاية في ظل احتدام الصراع بين الأفرقاء”.
وتتركز جهود البعثة الأممية على أربعة خيارات، ثلاثة منها مشروطة بتحقيق توافق بين المؤسسات المتحكمة بالسلطة في شرق البلاد وغربها، وهي: الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة، أو الاكتفاء بإجراء انتخابات نيابية، يتبعها تمرير البرلمان المنتخب لمشروع الدستور، ومن ثم إجراء انتخابات رئاسية، أو التوجه مباشرة إلى استفتاء شعبي على دستور جديد يؤسس لعملية انتخابية.
أما الخيار الرابع، فيتمثل في تجميد عمل السلطتين التشريعيتين (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة)، وإعادة إحياء لجنة الحوار السياسي، التي سبق أن اختارت الدبيبة رئيساً للحكومة في ربيع 2021، لتتولى الدور التشريعي من خلال تمرير القوانين الانتخابية وتشكيل حكومة “طوارئ” تشرف على الانتخابات.
وترجّح المصادر الديبلوماسية اللجوء إلى الخيار الأخير في ظل انعدام أفق التوافق، موضحة أن الموفدة الأممية أمهلت الأفرقاء ثلاثة أشهر للتوافق على أحد الخيارات الثلاثة الأول، وهو ما يُستبعد تحقيقه. وسيعقب ذلك، بحسب المصادر، لجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار يُتوقّع أن يصدره رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي بإعادة تشكيل لجنة الحوار السياسي ومنحها صلاحيات تشريعية، إلى جانب فرض عقوبات على أي طرف يُعرقل عمل اللجنة. لكن المصادر تلفت أيضاً إلى أن تطورات العاصمة طرابلس ومدى قدرة الدبيبة على نزع فتيل التوتر الأمني سيكون لها دور حاسم في رسم المسارات المقبلة.
ويعتبر رئيس تجمع الأحزاب الليبية فتحي الشبلي، في حديث الى “النهار”، أن “تحرك الشارع في العاصمة كسر قواعد اللعبة، إذ أزال حاجز الخوف، وسيواصل تصعيده حتى خروج كل المؤسسات السياسية الحاكمة من المشهد”.
ويشكك الشبلي في فعالية التحركات الأممية، قائلاً إنها “دأبت على إدارة الأزمة الليبية لا حلها”. ويوضح أن “الخيارات الأربعة المطروحة غير قابلة للتنفيذ في ظل الوضع السياسي شديد التعقيد، لأن جميع الأطراف لا تريد حلاً حقيقياً، كما أن هذه المقترحات تعني مرحلة انتقالية جديدة قد تمتد سنوات، وهو ما يرفضه الشارع الليبي”.
ويكشف عن “اقتراح يجري بحثه حالياً، ينص أولاً على استفتاء شعبي لتحديد نظام الدولة (جمهوري رئاسي أو نيابي أو فيديرالي)، ثم تشكيل لجنة من الخبراء القانونيين لصياغة دستور جديد، نظراً الى ما يتضمنه المشروع الحالي من مواد خلافية. يلي ذلك الذهاب إلى انتخابات تشريعية ورئاسية، على أن يكلّف المجلس الرئاسي خلال هذه المرحلة حكومة موقتة، تجنّباً لأي فراغ سياسي بعد حلّ المؤسسات القائمة”.
أما الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية محمد امطيريد، فيعتبر أن الموفدة الأممية “لا تملك رفاهية الانتظار ثلاثة أشهر كما وعدت، في ظل غليان الأوضاع في طرابلس”.
ويقول لـ”النهار”: “من يراقب تطورات الميدان يدرك أن الأمور تتجه بسرعة نحو لحظة فاصلة. فرص التوافق بشأن أحد الخيارات الثلاثة المقترحة باتت شبه معدومة. لا أحد مستعد للتنازل، وكل طرف يراهن على الوقت وعلى دعمه الخارجي، بينما البلاد تنهار”.
ويضيف: “الخيار الرابع، الذي طُرح سابقاً كورقة أخيرة، بدأ يطفو على السطح كخيار واقعي وربما وحيد. إعادة إحياء لجنة الحوار السياسي وتجميد المؤسسات الحالية لم تعد مغامرة، بل ضرورة لوقف عبث سياسي مستمر منذ سنوات”.
ويعتبر امطيريد أن الصدامات المتكررة في طرابلس “ليست حوادث عرضية، بل رسائل سياسية موجهة إلى الداخل والخارج. هناك من يريد أن يقول للموفدة الأممية: لن يكون هناك حل من دوننا، حتى لو احترقت العاصمة بالكامل”.
ويتساءل: “هل ستخضع البعثة الأممية لهذا الابتزاز، أم تفاجئ الجميع بقرارات تقلب الطاولة على رؤوس الجميع؟”.
ويختم ي بالقول إن “الشارع بات طرفاً حاسماً، لا كمجموعة محتجين فحسب، بل كمزاج عام فقد الثقة بالطبقة السياسية برمّتها. وهذا يمثل تهديداً حقيقياً للنظام القائم، فالشارع هذه المرة لا يطالب، بل يهدّد. وقد يشجّع هذا التحوّل الموفدة الأممية على كسر الحلقة المفرغة. فالمعادلة تغيّرت، من كان يملك السلاح لم يعد يهيمن وحده، ومن كان يفاوض في الكواليس لم يعد صوته مسموعاً. المرحلة المقبلة لن تكون مرحلة توافق ناعم، بل صدمة سياسية تؤسس لمشروع إعادة تشكيل جذري للمشهد… شاء الفاعلون المحليون أم أبَوا”.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار