- * نقولا طعمة
يتوافق صدور الرواية مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية في وجه الاحتلال.. فما هي حكايتها؟
الروائية اللبنانية منيرة أبو زيد، المسكونة بفلسطين والمهجوسة بالعودة إليها، أصدرت روايتها الثالثة باللغة الفرنسية بعنوان “المياه المُتمرِّدة” عن دار “سائر المشرق”.
يتوافق صدور الرواية مع تصاعُد الانتفاضة الفلسطينية في وجه الاحتلال، بصورةٍ عفويةٍ، غير مُسْبَقة التخطيط، وذلك لأن أيّ تاريخ لصدور الرواية سيتوافق مع حدثٍ فلسطيني كبير، كما قالت أبو زيد لــ الميادين الثقافية، “لأن العدوان الإسرائيلي على فلسطين عدوان يومي ومستمر، والأبطال الفلسطينيون ما فتئوا يتصدّون، وتتصاعد مقاومتهم للاحتلال، لذلك، من البديهي أن يتناسب صدور الرواية مع تصاعُد الأحداث الفلسطينية”.
وتضيف: “من بديهيّات الأمور، عندما نتحدَّث عن العودة، فذلك سيتقاطع تلقائياً مع أيّ تحرّك نضالي فلسطيني مقاوِم، لأن النضال الفلسطيني منذ النكبة حتى اليوم، كان يستهدف العودة، وهو جوهر القضية الفلسطينية، ومُبرِّر مقاومتها”.
وترى أبو زيد أن قصة العودة، أو بالأحرى قصص العودة المُتشابِكة والمُترابِطة تعصف بشخصيّات الرواية، الذين يعانون من أزمة الهوية، حنيناً إلى الأرض الأمّ، وهي فلسطين أو لبنان أو بكل بساطة القرية حيث تترسَّخ جذورهم.
تنطلق الحكاية من الغرفة التي قضى فيه “ليل” المؤلِّف الموسيقي، أحلى أيام طفولته في قرية لم ينسها رغم سكنه في المدينة. هكذا، تتطرَّق الرواية إلى مسألة الانفصال عن الجذور الذي يعيشه “ليل”، كما تعاني منه والدة محمود المقدسية التي شعرت بهزَّة أرضيّة حين تركت دارها منذ سنوات بعيدة مُتَّجهة إلى لبنان.
تقول الروائية المُتأثرة بمسيرات العودة: “إنها الأرض تهتزّ ولا تنهزم، إذ أنها هنا تنتظر عودة أبنائها. وبالفعل، ترافق “ميال” التي تعاني من انفصالها عن “ليل”، صديقيها “زياد” و”محمود” إلى الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين في أجواءٍ ليليةٍ ساحرةٍ تملأها حكايا ترويها الشخصيات الثلاث ومنها قصص إستشهاد الأطفال الفلسطينيين وذلك من خلال إستحضار صورة الشهيد محمَّد الدرَّة: “يستشهد العديد من الأطفال الفلسطينيين وهم يفكِّرون بلعبة، بغيمة أو ببساطة لا يفكِّرون بشيء. ولكن محمَّد الدرَّة إستشهد وهو يعي موته”.
وبعد رحلة طويلة نحو الجنوب اللبناني، يتمّ اللقاء مع أرض فلسطين الحبيبة عند الفجر. إن شوق محمود للقاء فلسطين ناتج من سرد والدته المُتواصِل لقصص وحكايا القدس.
هكذا، تبرز في الرواية أسطورة “ألف ليلة وليلة”. تتماهى في هذا السياق أمّ محمود مع شهرزاد، وهي التي اختارت أن تسرد بهدف التشبّث بالهوية، ومقاومة النسيان، فتقول في الرواية: “أخيراً ساد النسيان! نعم النسيان!”. وتضيف: “بينما كنت أجلي الأواني، إنتبهت أن القدس راحت تغرق في هاوية الذِكريات الممحية. ها هي تلك المدينة الرائعة حيث ولِدتُ تختفي تدريجاً من ذاكرتي مثل لوحة ذابت ألوانها شيئاً فشيئاً تحت المطر”.
وقد نجحت والدة محمود في تثبيت الهوية، وإنعاش الذاكرة لمُكافحة خطر زوال الجذور، فها هو إبنها يبلغ أقرب نقطة مطلَّة على فلسطين المحتلة حيث “راح يركض على منحدر هضبة مارون الراس بهدف لقاء بلاده. كان مليئاً بالحياة والنشوة. ها هي فلسطين أرضه مُستعدَّة لضمِّه بين ذراعيها، في حضنها الأخضر والسخّي. كان مُتحمِّساً لفكرة أنه سيراها، ويقترب منها أكثر فأكثر. كان يرغب في لمس هذه الأرض كما كان ليلمس جسد إمرأة يعبدها”.
هكذا، انتصرت والدة محمود على نسيان الهوية الفلسطينية من خلال إبنها الذي حافظ على جذوره وعاد إليها رغم كل شيء.
وفي نهاية الرواية، يعود “ليل” إلى قريته ويعد حبيبته “ميال” بلقائها على شاطئ البحر، فهل يعود محمود إلى فلسطين يوماً ما؟
تتناول الروائية أبو زيد موضوع الارتباط بالجذور وطمس الهوية، كما تناولت في روايتها السابقة “العودة إلى سَفْر التكوين” التفاعُل بين اليسار والروحانيات.
منيرة أبو زيد هي روائية فرنكفونية، ودكتورة في الأدب الفرنسي، تدرِّس في الجامعة اللبنانية منذ 2011. صدرت لها رواية “الرمل الأخضر” عام 2014، ورواية “العودة إلى سَفْر التكوين” عام 2017.
(سيرياهوم نيوز-الميادين29-5-2021)