علي عبود
يتحدث البعض عن الخيارات البديلة التي يمكن أن تنقذ الإقتصاد الوطني، ويجزم أنها كانت كفيلة بتحقيق الإستقرار، والنمو الإقتصادي، والرفاه الإجتماعي لملايين المواطنين، والسؤال: ماهذه الخيارات؟
لو استعرضنا النتائج التي وصلت إليها البلاد نتيجة للخيارات القاتلة، فماذا سنكتشف؟
لقد فقدت العملة الوطنية أكثر من 70% من قيمتها خلال أقل من عام، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية لملايين المواطنين، رافقه تضخم انعكس على شكل ارتفاع بأسعار كل السلع، عجزت الحكومة عن مواجهته بأي آليات فعالة حتى الآن!
وليس خافيا على أي متابع بأن نزيف العملة إلى الخارج مستمر، في الوقت الذي يرزح فيه المواطنون تحت أزمة إقتصادية تُعمّقها قرارات حكومية لايمكن وصفها إلا بالقاصرة والإرتجالية!
ومما زاد من حدة الأزمة ان الحكومة وضعت قيودا صارمة على السحب من الودائع المصرفية لعموم المواطنين تحسبا لتهريبها إلى خارج البلاد، ولم تكترث الحكومة لمطالبات التجار ورجال المال والأعمال بفتح سقوف السحوبات الدولارية، والسماح بتحويلها إلى الخارج بذريعة انها حسابات شخصية، وهم أحرار بالتصرف فيها حسب ماتقتضيه مصالحهم لا مصالح الحكومة!
ولعل أخطر آثار الأزمة المعيشية على ملايين المواطنين هو تجرؤ الحكومة على لقمة عيشهم من خلال تقليصها لحجم رغيف الخبز، أي رفع سعره بطريقة ملتوية، بل بدأت الحكومة بالتخطيط لتقنين كميات المواد الغذائية المسموح للمواطن بشرائها، وهذا مؤشر خطير على نقص في إمدادات السوق باحتياحات ملايين المواطنين من السلع الأساسية، ولا يعرف أحد ماسيحدث في المستقبل القريب جدا، فقد يكون القادم أعظم بكثير مما هوعليه الحال الآن!!
وترجمة لمقولة “شرّ البلية مايُضحك”، فقد بدأت العديد من المنابر الحكومية المهتمة بالتغذية تشير إلى بدائل غذائية أرخص ليلجأ إليها المواطنون في طعامهم، مثل منشور يتحدث عن فوائد تناول أرجل الدجاج لما تحتويه من فيتامينات ومعادن وأملاح، وهذا وضع ملايين المواطنين الذين لم يعد بمقدورهم شراء سوى أرجل الدجاج لاستخدامها في طبخاتهم اليومية، بعد التراجع المستمر لعملتهم للمرة الثالثة على التوالي خلال 10 أشهر!!
السؤال المهم: ماسبب الأزمة الإقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلاد والعباد نتيجة لخيارات الحكومات المتعاقبة القاتلة التي لم ولن تسفر سوى عن الفقر والإرتهان للخارج؟
لاشك أن السبب الأول والرئيسي هو أن البلاد ترزح تحت وطأة الديون الخارجية، وهي ديون كبيرة إلى درجة لم يعد بمقدورأي حكومة سداد حتى فوائدها إلا بمعجزة إقتصادية أو ربّانية!!
نعم، لقد تضاعفت ديون الدولة أكثر من ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة حتى وصلت حاليا إلى أكثر من 157 مليار دولار، وبالتالي لن تتمكن أي حكومة من سداد هذه الديون، وبالتالي فالبلاد في وضع إقتصادي حرج جدا!
صحيح أن الاحتياطي النقدي لدى المصرف المركزي كبير إلى حد ما، ويبلغ 33.5 مليار دولار لكن 28 مليار دولار منها هي ودائع لدول خليجية، يمكن أن تستردها في أي وقت دون أي سابق إنذار، مما سيعرّض البلد لخضّة إقتصادية، بل إلى زلزال إقتصادي، وهذا يعني أن الحكومة مضطرة إلى ان تناصر وتؤيد سياسات الدول المودعة للمليارات في مصارفها!
وبما أن الحكومة تحتاج إلى سيولة مالية لإدارة الأزمة الإقتصادية والمعيشية من جهة، ولتسديد فوائد دينها الخارجي من جهة أخرى، فهي تفاوض صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار، وقد رضخت الحكومة لطلب دائنيها، فخفضت قيمة عملتها عام 2022 بنسبة 57.7 % كي تحصل على القرض من صندوق النقد مع تعهدها بتبني نظام صرف مرن جدا!!
ومن الطبيعي أن يؤدي الخفض المستمر لقيمة العملة الوطنية إلى أثار سلبية وفورية بالنسبة لبلد يستورد معظم احتياجاته من الخارج، وسجّل ارتفاعا باٍسعار الفائدة بمقدار 8 % العام الماضي، وبلغت نسبة التضخم فيه 18.7 % حسب الأرقام الرسمية!
وما زاد، بل وفاقم، الوضع الإقتصادي وحدّة الفقر، والنقص الشديد في السلع والمواد في الأسواق، هو عجز المستوردين عن الحصول على الدولارات الكافية لتمويل مستورداتهم، فمعظم البنوك قامت بتقييد السحب بالدولار خارج البلاد بسبب ازمة النقد الاجنبي التي أدت إلى تحويل 20 مليار دولار إلى الخارج، بسبب قلق المستثمرين عقب اندلاع الحرب في اوكرانيا!
السؤال الآن: ماذا ستفعل الحكومة لمواجهة الأزمة الإقتصادية والمعيشية؟
من المؤسف القول ان الحكومة تلجأ دائما إلى الخيارات القاتلة، فمثلما أدت خياراتها السابقة إلى الأزمة الراهنة، فإنها مصرّة على معالجتها بقرارات وخيارات قاتلة أكثر فأكثر.. فما هي هذه الخيارات التي ترى الحكومة انها ستوفر لها كميات كبيرة من الدولارات؟
تسعى الحكومة إلى توفير أكبر قدر ممكن من الدولارات من خلال بيع الكثير من الشركات والأصول إلى القطاع الخاص، وهو نفس الأسلوب الذي انتهجته الحكومات السابقة منذ أربعة عقود، وأوصل البلاد إلى ارتهانها للغرب ولدول الخليج معا!!
الخلاصة: لاندري أن اكتشفتم أننا في هذه المقالة نتحدث عن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية في مصر، ردا على مايتداوله بعض السوريين في مجالسهم الخاصة، بأن خيار السلام مع “إسرائيل” كخيار بديل عن خيار المقاومة، سيجلب لنا الرخاء والرفاه، و كما كشفت لنا المعطيات فإن هذا الخيار حوّل مصر عبد الناصر من دولة محورية في الإقليم والعالم، إلى رهينة للأمريكان وألعوبة بأيدي دول الخليج!
وسواء كان المواطن السوري يعاني أقل أم أكثر من دول مثل لبنان ومصر والأردن لم تتعرض لحرب عالمية إرهابية بقيادة أمريكا، فإن سورية بعد أكثر من 11 سنة من هذه الحرب الكونية، لاتزال سيدة قرارها ومصيرها، فهي ليست رهينة للأمريكان ولا ألعوبة بأيدي الخليجيين!
(سيرياهوم نيوز1-خاص بالموقع)