آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » النجاحات الانتخابية تُنعِش الديمقراطيين: استعدادات مبكرة لـ«التجديد النصفي»

النجاحات الانتخابية تُنعِش الديمقراطيين: استعدادات مبكرة لـ«التجديد النصفي»

 

خضر خروبي

 

 

حفل المشهد السياسي الأميركي، أخيراً، بمؤشّرات جديدة على مستوى الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين. فإلى جانب التوافق المفاجئ بين الحزبَين على إنهاء أزمة الإغلاق الحكومي، جاءت الانتخابات المحلية الأخيرة، على مستوى الولايات والمدن، بخاصة مدينة نيويورك، لتحمِل دلالات متعدّدة، سواء لناحية تحدّي الصورة النمطية عن الإسلام، من خلال انتخاب أول عمدة مسلم للمدينة ذات الحضور اليهودي الوازن، أو لناحية تمكُّن السياسي الحامل لشعارات «الاشتراكية» والمتبنّي – إلى حدٍّ كبير – لـ»السردية الفلسطينية» حول حرب غزة، من مقارعة أهمّ «بارونات النيوليبرالية» في»عاصمة الرأسمالية» العالمية. مع ذلك، يبقى التحوُّل الجوهري الناجم عن تلك التطوّرات، متّصلاً بما أثارته من جدل حول انتعاش الحظوظ السياسية للحزب الديمقراطي في مواجهته مع عهد الرئيس دونالد ترامب، في ظلّ هيمنة الجمهوريين على مجلسَي الشيوخ والنواب من جهة، ومحاولتهم، من جهة ثانية، تدارك تبعات أزمة الإغلاق الحكومي، التي أقرّ ترامب بخطورتها على مستقبل عهده وحزبه.

 

نقاط قوّة «الديمقراطيين»

في ظلّ ميل إلى التعامل مع نتائج الانتخابات باعتبارها مؤشّراً إلى «الامتعاض الشعبي العام» من البيت الأبيض على خلفية نهجه المتهوّر في ملفّ الهجرة، وجوانب أخرى من سياسته المتعلّقة بمكافحة الجريمة، بدت عوامل «الانتصار الديمقراطي الساحق»، نابعة من عاملَين رئيسَين: الأول، وفقاً للباحث في «مركز سياسات الطبقة العاملة»، داستن جواستيلا، يتعلّق بـ»الدرس المشترك» الذي استقاه جميع المرشحين الديمقراطيين الفائزين، ومنهم الحاكمة الجديدة لولاية فرجينيا أبيغيل سبانبرغر، والحاكمة الجديدة لولاية نيوجيرسي ميكي شيريل، شأنهم شأن العمدة الجديد لنيويورك زهران ممداني، وتَمثّل في «النأي بأنفسهم عن سياسة التيار التقليدي وبعض المواقف التقدّمية غير الحكيمة، والمفتقرة إلى الشعبية، سواء في شأن الجريمة (على غرار نأي ممداني بنفسه عن دعوات بعض الناشطين إلى إغلاق السجون، واعتذاره لشرطة مدينة نيويورك بعدما كان قد وصفها بأنها «عنصرية ومعادية للمثليين وتهديدٌ كبيرٌ» للسلامة العامة)، أو حيال بعض تطبيقات الأفكار (الاشتراكية) الراديكالية في ملفّ العدالة الاجتماعية، وهو ما قد يُعدّ شكلاً من أشكال الشعبوية السليمة التي يمكن أن تمهّد لعودة الديمقراطيين إلى الحكم في واشنطن». وعن الإقبال على دعم مرشّحي الحزب المعارض، أشارت صحيفة «فايننشال تايمز» إلى أن «انتصارات الديمقراطيين جاءت مدفوعة بمستويات عالية من حماسة التيار الليبرالي» في أوساط القاعدة الناخبة لحزبهم، وذلك في موازاة «استجابة ملحوظة من الناخبين المستقلّين حيال التحذيرات من تهديد ترامب للديمقراطية الأميركية من جهة، وقلق الجمهوريين المناهضين لترامب من معضلة ارتفاع تكاليف المعيشة» من جهة ثانية. وهذا ما يؤكّده المحلّل السياسي المخضرم، تشارلي كوك، إذ يقول إنّ «هناك عدداً كبيراً من الناخبين، من مختلف الخلفيات الاجتماعية والعمرية والعرقية، منزعجون من ترامب».

 

انتخابات حكّام الولايات تحظى في العادة بنسبة إقبال أقلّ، مقارنة بانتخابات التجديد النصفي أو الانتخابات الرئاسية

 

أمّا العامل الثاني، فهو يتعلّق بكَون «جميع هؤلاء المرشحين الديمقراطيين أخذوا الملفّ الاقتصادي على محمل الجدّ»، وفق جواستيلا، وذلك كجزء من مساعيهم إلى التقرّب من أبناء الطبقة العاملة الذين أداروا ظهورهم للحزب في انتخابات عام 2024. وبدا التوجه المشار إليه ناجعاً في ظل تصويب الناخبين على الأزمتَين الاقتصادية والمعيشية، والذي شكّل، للمفارقة، السلاح نفسه الذي جاء بترامب إلى السلطة، علماً أن استطلاعات الرأي كشفت أن معظم الناخبين يلقون باللائمة على الرئيس والمشرّعين الجمهوريين في هذا الخصوص، ولا سيما في أزمة الإغلاق الحكومي، وما تبعها من تسريح آلاف العمّال الفدراليين، وتقليص الخدمات الحكومية، فضلاً عن انقطاع إعانات الرعاية الاجتماعية لعشرات الملايين من الأميركيين.

 

مغالطة

وفيما رأى محلّلون أن الديمقراطيين معذورون في تقييمهم نجاحاتهم الانتخابية الأخيرة، باعتبارهم إياها «نذير نهاية ترامب»، بعدما لعبت سياسات الأخير المتطرّفة في مجالات الأمن والقضاء والحوكمة، دوراً في تحفيزهم وتوحيدهم ضدّه، في موازاة بزوغ قيادات شابة تهدّد هيمنة نظيرتها الهرمة والتقليدية على الحزب الديمقراطي، حذّر آخرون من مغبّة الوقوع في مغالطة تقييم ما جرى، خصوصاً في ضوء ما يعانيه الحزب على أكثر من صعيد.

 

ويعزو أصحاب الرأي الأخير تحذيراتهم إلى عدة أسباب، أولها أن انتخابات حكّام الولايات تحظى في العادة بنسبة إقبال أقلّ، مقارنة بانتخابات التجديد النصفي أو الانتخابات الرئاسية؛ علماً أن الديمقراطيين أنفسهم حقّقوا نتائج مُبهِرة في انتخابات حكام الولايات عام 2017، قبل أن يحصدوا خيبة في انتخابات الكونغرس عام 2018، حين أخفقوا في انتزاع الغالبية في مجلس الشيوخ، على رغم تقدّمهم في مجلس النواب. وأمّا السبب الثاني، فامتلاك الولايات الصغيرة، التي يغلب عليها الطابع الريفي والمحافظ وأبناء العرقية البيضاء، الذين يمثّلون قاعدة النفوذ التقليدي لليمين الجمهوري، مكانة تمثيلية غير متناسبة في مجلس الشيوخ، وكذلك في المجمع الانتخابي.

وإذا كانت هزيمة الجمهوريين في الاستحقاقات الانتخابية المحلية على مستوى المدن والولايات، أخيراً، ترجع في جزء منها إلى نجاح خصومهم في تحويل تلك الاستحقاقات إلى استفتاء على عهد ترامب، حذّر مراقبون من أن هذه الاستراتيجية التي تركّز على الرئيس لها حدودها، بالنظر إلى أن العديد من المستقلّين والناخبين المتأرجحين، وحتى بعض الديمقراطيين، لديهم آراء قاتمة تجاه حزبهم، بقدْر نقمتهم على البيت الأبيض.

 

أيّ مستقبل للحزب الديمقراطي؟

في هذه الأثناء، تتسارع التحوّلات داخل الحزب الديمقراطي؛ فوسط تراجع حضور قيادات الحزب التقليدية في السنوات الأخيرة، خصوصاً وجوه التيار الليبرالي، كالرئيس السابق جو بايدن، ونانسي بيلوسي، في مقابل صعود جيل شاب جديد ممَّن يوصفون بالقادة «الشعبويين»، كشيريل وسبانبرغر، أو «الاشتراكيين» كزهران ممداني، تحوّلت القاعدة الناخبة للديمقراطيين – منذ الولاية الأولى لترامب – لتغدو أكثر تركيزاً، إذ باتت تنحصر بشكل أساسي بالنساء، وأبناء المناطق الحضرية وبعض المناطق الساحلية، والشرائح الاجتماعية الأكثر تعليماً وليبرالية، فضلاً عن بدء شمولها قطاعاً أوسع نسبيّاً من طبقة اليمين البيض والأثرياء، التي تُعدّ خزّاناً انتخابيّاً للجمهوريين، علماً أنّ المحافظين يشكّلون 33% من الأميركيين، مقابل 26% يعتبرون أنفسهم ليبراليين.

 

ومع انتهاء أزمة الإغلاق الحكومي، إثر توافقات جمهورية – ديمقراطية، وفق صيغة بدت أكثر ميلاً لمصلحة معسكر البيت الأبيض، بعدما ضَمِن فيها ترامب وضع حدٍّ لأزمة استمرت 41 يوماً، مقابل كسب الديمقراطيين إجراء تصويت على مشروع قانون لتمديد دعم برنامج التغطية الصحية، ظهر الرئيس حريصاً على استعادة زمام المبادرة في الملفّ الاقتصادي، والذي كان أحد أسباب الخسارة الانتخابية لمعسكره مطلع الشهر الجاري. ويبدو الديمقراطيون معنيّين في المقابل، ليس بالعمل على إبقاء حزب الرئيس في «خانة اليك» (الإحراج) اقتصاديّاً فحسب، بل بمحاولة بلورة استراتيجية تضع النقاط على الحروف، وتحديداً لناحية حسم الأولويات بين الجناحَين الوسطي والتقدّمي قبيل انطلاق السباق الانتخابي المقبل عام 2026.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل يمنع ترامب أوروبا من التحرك في شرق آسيا؟

  لعل “نذير الشؤم” الأول الذي رأته أوروبا مقبلاً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ولايته الثانية كان “المحاضرة” التي ألقاها نائبه جي دي فانس ...