بعد خسارة المغرب نهائي كأس الأمم الأفريقية للسيدات أمام جنوب أفريقيا في شهر تموز الماضي، وصلت سيدات الأطلس إلى ثمن نهائي «المونديال» للمرة الأولى في تاريخهم (ثامن منتخب أفريقي يحقق هذا الإنجاز). ورغم الخبرة القارية الجديدة نوعاً ما، يعكس الأداء اللافت والنتائج اللامعة قدرة سيدات المغرب على الذهاب بعيداً في المسابقة.
الإنجاز «النوعي» لمنتخب السيدات ليس وليد الصدفة، بل نتاج استثمارات كبيرة قام بها المسؤولون عن اللعبة في البلاد، أبرزها تشييد أكاديمية الملك محمد السادس.
تمثّلت الفكرة من وراء الأكاديمية التي افتُتحت عام 2009 بتخريج لاعبين ولاعبات قادرين على تطوير كرة القدم المغربية، وهو ما تحقق من خلال مشوار السيدات أخيراً، ومن قبله وصول منتخب الرجال إلى نصف نهائي كأس العالم التي استضافته قطر عام 2022.
تضم الأكاديمية أحدث المرافق والمعدات المتوافقة مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»، من ملاعب وعيادات طبية وفنادق، وهي المقر الذي تتدرب فيه فرق الرجال والنساء الدولية كما فرق الناشئين. تجدر الإشارة إلى عدم تركيز الاستثمارات على تطوير البنية التحتية فحسب، إذ تنوّعت لتطال رواتب الكوادر البشرية أيضاً بالتزامن مع نشر أعداد كبيرة من كشّافي المواهب في المدارس المغربية. مشروعٌ متكامل لاقى إشادة «فيفا»، واصفاً الأكاديمية بـ«جوهرة كرة القدم المغربية»، كما أنها «من أكبر وأنجح المراكز الرياضية في العالم».

ومن الأمور التي رفعت نسق الكرة النسائية أيضاً، برز تأسيس رابطة وطنية لكرة القدم النسائية (LNFF) من قبل الاتحاد الكروي عام 2019، مع حثّ مختلف الأندية على تشكيل فرق كرة قدم للسيدات للمنافسة على أعلى مستوى، من دون إغفال تنظيم دورات تدريبية للمدربين واللاعبات بشكل متواصل.

يدفع الاتحاد المغربي 70% من مصاريف كل نادٍ للسيدات في كرة القدم

وفي شهر آب عام 2020، وقّع الاتحاد المغربي لكرة القدم اتفاقاً مع دوري السيدات الوطني لجعل المنافسة احترافية، مع إقامة بطولات وطنية وإقليمية للشابات. ترافق الأمر مع رفع ميزانية الكرة النسائية بشكل عام، على أن يدفع الاتحاد 70% من مصاريف كل نادٍ، ولا سيما رواتب اللاعبات التي تم رفعها هي الأخرى بما يتناسب مع واقع الحياة في البلاد. زيادة الدعم المادّي جعل الأندية قادرة على التعاقد مع محترفات من خارج حدود المملكة أيضاً، ما رفع مستوى اللاعبات المحليات تباعاً إثر الاحتكاك.

كل هذا يعكس جدية المغرب في إرساء الأسس المتينة لكرة القدم للسيدات. العمل منصب على ترسيخ كرة القدم النسائية والارتقاء بها إلى مستوى الاتحادات الأفريقية الأخرى. وبشكل عام، يعود تألق الكرة المغربية، إناثاً وذكوراً، إلى التكامل في رؤية بنيوية متينة مع إدارة فاعلة للجهاز الفني. خطّة استراتيجية أثمرت لاعبات ولاعبين محليين عزّزوا تباعاً صفوف المنتخب الوطني وصولاً إلى المونديال.

مواجهة خاصة
تتصف المباراة بين منتخبي المغرب وفرنسا للسيدات بطابعٍ خاص على صعيد المدربين، إذ سيكون مدرب المغرب، الفرنسي رينالد بيدروس، في مواجهة منتخب بلاده الذي دربه سابقاً، في حين سبق لمدرب «الديكة»، الفرنسي هيرفي رونار، أن قاد منتخب المغرب للرجال إلى كأس العالم 2018.
وقبل المباراة المنتظرة، قال رينالد بيدروس: «إنه أمر خاص للغاية لكون فرنسا هي التالية. أعرف الفريق الفرنسي جيداً، ربما سيساعدنا هذا نوعاً ما لكنه فريق قوي ولديه لاعبات قويات». ثم أضاف «ستكون مباراة صعبة للغاية، لكن إذا حافظنا على نفس العقلية فنحن نأمل أن نتمكن من المضي قدماً». من جهته، قال رينارد في تصريحات إعلامية نقلتها صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، إنه سيواجه منتخب بلد يعرفه جيداً، وتابع: «سعيد من أجلهم، وسررت كثيراً بالمفاجأة التي حققتها سيدات المغرب. كان تضامني معهنّ غير عادي، كنت سعيداً أيضاً بما حققه منتخب الرجال في مونديال قطر 2022، بعد بلوغه نصف النهائي، لدي عاطفة تجاه المغرب والكرة المغربية، وقضيت هناك أربع سنوات لا تُنسى». هذا وتلعب اليوم الساعة 11:00 بتوقيت بيروت كولومبيا مع جامايكا.