فادي الياس نصار
عند الحديث عن ترجمات الدكتور إبراهيم إستنبولي، (من مواليد طرطوس عام 1957 وهو خريج جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو)، لأشعار “رسول حمزاتوف” الغني عن التعريف، تختصر الكلمات ذاتها بمصطلح “صدق المشاعر”، فالمترجم الطبيب “استنبولي” شغوف بأشعار “حمزاتوف” لدرجة أن القارئ يظن أن المترجم كان ساعة كتابة تلك الأشعار، أو أنه ولد في جبال القوقاز العظيمة. كذلك عندما تقرأ أعمال المفكر والروائي الروسي “ألكساندر كوبرين” (صاحب رواية سوار العقيق) فإنك تقف باحترام، وربما بخوف، وكأنك في حضرة الكاتب شخصياً، وهو يقص عليك أحداث رواياته باللغة العربية، مثله في ذلك مثل أي حكواتي “شامي عتيق”.
إضافة الى ترجماته الغزيرة والممتعة لشاعر داغستان العظيم “حمزاتوف”، نجد له ترجمات ثرية وكثيرة لكتاب وأدباء سوفييت أمثال: يوري ديمترييف، حضرة عنايت خان، ريباكوف. جيكارنتسيف، غلاسيموف وغيرهم كثر.
حاز الدكتور إستنبولي على جائزة «الفارس الذهبي» في موسكو عن مجمل ترجماته للأدب الروسي إلى العربية،كما حاز على العديد من الميداليات وشهادات التقدير.
اليوم أنصح بقرأة مؤلف الدكتور استنبولي القييم والذي صدر عام 2019 بعنوان “الانفعالات السلبية في حياتنا اليومية” والذي يقول هو عنه:
ما هو الانفعال؟
تفترض كلمة انفعال – emotion – الفعل (فالوصلة e – تعني “نحو الخارج، في الخارج”، motio – حركة)، وبهذا المعنى إن الانفعال e-motion أي “حركة نحو الخارج” – عبارة عن تظاهر عام وشامل لجميع أشكال الحياة.
كتب تشارلز داروين – صاحب نظرية التطور في عام 1872 في كتابه “التعبير عن الانفعالات عند الإنسان والحيوانات”: “إن الحركات المعبّرة لعضلات الوجه والجسد ذات أهمية بالغة لراحتنا”.
وفي وقت لاحق اكتشف سيغموند فرويد – مؤسس التحليل النفسي – أنه يمكن بلوغ الأثر العلاجي فقط بعد معايشة الانفعال. فالجسد يعيش كل انفعال على طريقته. فالفرح والسعادة – “ينعشان الصدر”، والأسى أو الحزن – “يسبب انقباضًا في الصدر”, والقرف – “يسبب شعورًا بالغثيان فيكاد المرء “يتقيئ أمعاءه” كما يقال، والخجل – يؤدي “إلى الاشتعال ويرافقه شعور بعدمةالراحة في منطقة الحجاب الحاجز” وأما الخوف – فَ “يُضعفُ القلب ويجعل البطنَ ينمكش”.
والانفعال يتطلب تعبيرًا عنه بصورة دائمة عن طريق حركات عضلات الوجه (وظيفة عضلات الوجه)، والإشارات (غالبًا بواسطة عضلات اليدين وزنار الكتف) وكذلك حركات الجذع (عضلات الجسم ككل).
ولكن التعبير عن الانفعال يحتاج بكل تأكيد إلى توفر الطاقة التي يضمنها التنفس العميق. لذلك إن التعبير الطبيعي والعفوي عن الانفعالات والمشاعر يحتاج لحالة حرة ومرنة في عضلات الوجه وكامل الجسم. وهذا بدوره يتطلب تنفساً حراً ومريحاً وعميقاً.
ويجري قمع الانفعال عن طريق تشنج العضلات وحصار تلك المقاطع من الجسد، التي تقابل الانفعال المقصود.
وفي كثير من الحالات لا تجري عملية حصار للتعبير عن انفعال بعينه فقط، وإنما القدرة على الانفعال بشكل عام، وذلك نتيجة لانخفاض إمدادات الجسم بالطاقة – من جرّاء تدني التنفس العميق لصالح التنفس السطحي. وهذا غالباً ما يصحبه استعداد لمختلف أنواع الزكام وما شابهه.
عندما نكبح أنفسنا ونقوم بتقييد التعبير عن مشاعرنا وعن مكنوناتنا سوف يؤدي ذلك، ومن دون أن نلحظ ذلك، إلى ما يلي:
• نشوء العصابات،
• خلق إحساس ثقيل كما لو أنك تعيش حياة غير طبيعية،
• قيام المرء بما لا يريد وبما لا يرغب
• يعاني المرء مبررا ذلك بأن الجميع، كذا، “هكذا يعيشون”، وأنه “ليس باليد حيلة” الخ.
• لا يحصل أقرباؤنا وأهلنا على ما يلزم من حب وحنان، لأننا ببساطة لا نجيد التعبير عنهما…
• “نبلع الإهانات” بدلاً من أن نردّ عليها…
فالطاقة المحاصرة “تدور وتدور” في داخل جسدنا بانتظار الفرصة التي تسمح لها بالخروج والتعبير عن ذاتها.
ويبقى المرء يشعر بدفقات الانفعالات غير المعبَّر عنها، لكنه مع ذلك يقاومها. وفي النتيجة يجد الجسد نفسه مضطرًا لتقديم الألم والمعاناة، بدلاً من تقديم المتعة والسعادة، و”يبدأ باكتساب” الأمراض (النفسجسمانية). هكذا يبتعد الإنسان عن جسده ويخونه (وهذا هو الاسم الذي أطلقه الطبيب النفساني المعروف لاوين على كتابه: “Betrayal of the body” – خيانة الجسد”). وما الذي يمكن أن يلحقه الإنسان بجسده سوى المرض، وذلك في حال تجاهل عقله لجسده الخاص؟
انتهى الاقتباس.
من نافلة القول أن الترجمة ليست مهنة تجارية، أو مصلحة عمل، أو حتى عبارة عن قواعد لغوية فقط، إنما هي فن نقل ثقافة أمةٍ ما إلى أمة أخرى، كما أنها إتقان حمل الأمانة الفكرية .
ولو قيض لي و أنا القاريء النهم، الشغوف بالاطلاع على ثقافات الشعوب، أن أبحث عن تصنيف للدكتور “استنبولي” لابد لي أن أضعه في مكانة المثقف الحضاري الرفيع، و المترجم المبدع الأمين على روحيةو صدقية كل حرف ينقلها من لغة إلى أخرى.
ألف تحية للدكتور ابراهيم استنبولي مترجماً صادقاً مبدعاً
ملاحظة: الكتاب صدر عن دار “دال” و متوفر في معرض الكويت الحالي.
(اخبار سورية الوطن 1-النور)