هناك لوحة كاريكاتورية للرسام العالمي “بيتر ستينر” نشرت في صحيفة “النيويوركر” النقدية سنة 1993، وحينها قُصد من خلالها إدانة العصر الجديد للتطور التكنولوجي والكمبيوتر الذي أصبح في متناول الجميع، ويمكن لكل من يمتلك هذا الجهاز أن ينتقد أي شخصية أو عمل أو حالة أو كتاب بغض النظر عن حجم معلوماته أو معرفته..
مناخٌ مُتاح
واليوم بات كل من يملك جهازاً محمولاً ناقداً وكاتباً وصاحب رأي.. طبعاً من حق أياً كان من الناس أن يبدي رأيه، ويُقدّم مقترحات.. فهو الهدف الأول من صناعة هذه الأعمال الدرامية بأنواعه.. لكن في الوقت ذاته لا يمكن الاستماع إلى عدة أصوات كأنهم يمثلون جمهور المشاهدين، وتجاهل الشريحة الأكبر.. وخاصة أنّ الكتابة اليوم، وإبداء الرأي متاح للجميع، وأن من يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي ليس من جيل الصحف الورقية الغائبة، ولم يكن أحدٌ يكتب فيها يوماً، أو يقرأ منها.. واليوم فهو يملك كامل الحرية للنشر وإبداء الرأي ومهاجمة ذاك العمل وهذه الممثلة من دون أي منطق أو دراية.. والمضحك أن البعض يصادر على جمهور المشاهدين وكأن رأيه مُنزّل لا يأتيه الباطل لا من خلفٍ أو قدّام.
نقدر آراء النقاد، وكذلك آراء الجمهور.. وهو رأي مهم لكن بشرط أن تكون هناك استبيانات حقيقية لشريحة الجمهور دون التركيز على آراء لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.. الجمهور ينتقد ليثبت وجوده وهذا حق من حقوقه، لكن هل نظر إلى إيجابيات كل عمل وسلبياته بشكلٍ موضوعي؟! أو أن النقد بات حسب الموضة الجديدة “حبيت وما حبيت”؟!..
حبيت وما حبيت
من انتقد مسلسل “ولاد بديعة” لم يقرأ ألف ومئة مشهد، ولم ينتبه إلى أداء الشخصيات، وكيف كان التطابق بين المستوى النفسي والأداء.. والأهم محاولة صنّاع العمل في أعمالهم المتتالية منح البطولة إلى المكان.
كاتبا السيناريست: علي وجيه ويامن الحجلي تحسب لهما اختياراتهما لعدة مواسم على التوالي، أماكن وعوالم جديدة لم تدخلها الدراما السورية من قبل.. المسلسل الأخير – ولاد بديعة- كان في “الدباغات”.. الكثيرون لم يزوروا هذا المكان ويستنشقوا الروائح المقززة سواء رائحة الجلود قبل معالجتها أو أمعاء الحيوانات، أو المواد الكيماوية المضرة بصحة كل من يدور في فلكها.. طبعاً المسلسل غير كامل، وهناك نقاط كان من شأنها رفع المستوى أكثر.. وقد غابت عن أذهان الكاتبين مثل استخدام الأمعاء لصناعة أوتار الآلات الموسيقية، ويمكن أن يكون هناك: بنت ملك الفرو، وبنت ملك الأمعاء.. والدخول في تفاصيل التفاصيل.. كما كان يمكن إنشاء خيوط درامية جديدة بغض النظر عن القصة وتطورها..
جمهور دراعي
المشكلة الحقيقية أننا كجمهور نتبع سياسة الدارج.. حيث ذهب الجميع يتغنى بـ”دراعي” ويحمله على أكتافه، علماً أن الشخصية لم تنطق بعشر كلمات بجميع المشاهد التي أداها “بطلنا”، ولم يقم بأفعال درامية مهمة تخدم الشخصية، وكان من الممكن إسناد الدور إلى أحد الخريجين الجدد بدل إقناع الشاب (ماجد عرنوس) أنه ممثل مهم لكن هل يستمر (دراعي) بالتمثيل، أو أننا استخدمناه لمصلحة القصة وخدمة النص، أو لنرصع الحدوتة الدرامية بشخصياتٍ مأخوذة من الأدب العالمي.. وهل يمكننا تجاهل أداء “أبو الوفا” الفنان المسرحي القدير تيسير إدريس وإنشاده ودوره رغم عدد مشاهده القليلة نسبياً.. ألم يرفع الخط الصوفي المسلسل بالمجمل على سبيل المثال..
نحن هنا لا ننكر ما قام به كل المشاركين في المسلسل، وعلى سبيل المثال لا الحصر الفنانة نادين (ليدي) الدراما السورية؛ ألم تقدم شخصية مختلفة عن كل ما قدمته سابقاً؟! وإمارات رزق التي استطاع النص والإخراج تقديمها كنجمة صف أول بأداء يحسب لها ولطاقم العمل بعيداً عن عباءة حاجز الصمت، وقتل الربيع، وكذلك الفنان رامز الأسود، ألم تنقذنا المخرجة رشا شربتجي من أدوار الشر التي لم يقدم غيرها وحصر بأدائها منذ تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحي.. وكذلك أغلب الشخصيات قدمت أداءً جميلاً وشخصيات مختلفة عما قدمته سابقاً.
بطولة المكان
وبالعودة إلى بطولة المكان؛ نذكر أيضاً مسلسل “مال القبان” الذي قدمه الكاتبان – وجيه والحجلي- والذي أدخل المشاهد إلى عوالم سوق الهال وطبقة التجّار والحمالين.. وفي الموسم الماضي مسلسلهما “على صفيح ساخن” وعوالم “نبيشة” المخلفات التي يعمل فيها شريحة واسعة من المجتمع..
للأسف أحكامنا غير منطقية.. حتى مشاهد المربع الليلي كانت منطقية ومن سياق المسلسل، وإذا كان مجال عمل الشخصية يدور في هذا النوع هل تقدم مشاهدها في معمل خياطة أو معهد تدريسي؟!.. والقائلون بأن العمل لا يصلح للمشاهدة العائلية.. للأسف الكل يشاهد الأعمال الدرامية وغيرها بشكلٍ منفرد سواء الطفل أو المرأة أو الرجل وعبر تطبيقات جديدة، ولا يمكن منع أو السماح إلا عبر التربية المنزلية والرقابة الأبوية وترشيد استهلاك الجهاز المحمول للطفل.
كما لا يغيب عن أذهانهم أن زمن الفرجة الجماعي والكلاسيكي انتهى بشكلٍ كامل خاصة بعد برامج التقنين الكهربائي المتغيرة التي فرضتها الحرب.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين