*خير الله علي
في مطلع كل عام يبدأ مسلسل عقد المؤتمرات السنوية للإتحادات والنقابات بشقيها (المهنية والعمالية )، فترصد لهذه المؤتمرات ميزانيات، وتجهز لها مدرجات وقاعات فخمة، ويحضرها الاعلام بصنوفه كافة لمتابعتها. تكثر الصور والخطابات والتصريحات والتشريفات ، ولدى اقترابنا من تفاصيل هذه الكرنفالات كلها، نجد أن الخطاب هو هو كما في العام السابق وما قبله، وجدول الاعمال ذاته، والأسئلة نفسها، والمقترحات عينها، أما الحلول …أما الإنجازات فلا تكاد تلمس أو ترى!
المتغير الأبرز في هذه المناسبات، هو تأريخ عقدها، فضلا عن تغيير هنا أو هناك في هيكلية الإدارة، أي تحديث في بعض الوجوه على مستوى رأس النقابة، أو في عضوية المكاتب التنفيذية، ويكون ذلك ناجم، غالبا، عن دورة انتخابية جديدة بوجوه معتقة، أو عن رحلة أحدهم إلى الدار الآخرة، لأنه نادرا ما تتغير الوجوه لسبب آخر.
التغييران الآخران الملموسان، والواضحان، والظاهران، واللذان لا يحتاجان إلى براهين وأدلة، لكثرتها، هما التناقص المتزايد في عدد الأعضاء الحاضرين لهذه المؤتمرات بسبب فقدان الثقة بإداراتها، وكذلك نتيجة التراجع في أداء هذه النقابات، وغياب إنجازات جوهرية جديدة لها.
من المؤسف القول إن هذه النقابات التي كانت كخلايا النحل بنشاطها وعملها ومشاريعها وإنجازاتها يوما ما، ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، قد تراجع حضورها وتأثيرها بصورة مخجلة عاما بعد آخر، وتحولت إلى كيانات ينخرها الفساد والمحسوبيات والإهمال، وساحة مباحة لتحقيق المكاسب الشخصية، حتى صارت عبأ على معظم أعضائها من جهة، وعلى الدولة من جهة أخرى، علما أن هذا التراجع بدأ منذ عقود وليس وليد الازمة أو ظروف الحرب.
لسنا هنا بمعرض تقديم تعريف لمفهوم النقابة، أو لتوضيح دورها تجاه الوطن وتجاه أعضائها كما نصت عليها القوانين، فهذا بمتناول الجميع لمن يرغب، بل لتبيان تخلف هذه القوانين في مطارح عدة، ما أدى إلى حالة شلل في هذه النقابات، وضرورة العمل على تعديلها وتطويرها كي يصبح دور هذه النقابات أكثر استقلالية وقوة ونفعا وفاعلية للوطن وللأعضاء معا.
لعل أول خطوة في هذا الاتجاه هي ضرورة توسيع دائرة حضور هذه النقابات من خلال قوانين جديدة يسمح لها بتشميل جميع العمال وأصحاب الحرف والمهن بلا استثناء، ومنحها الاستقلالية الإدارية الكاملة، وتركها تعمل بحرية ومسؤولية وطنية تحت عناوين واضحة لا لبس فيها، وغير قابلة للتأويل، بدءا من اجراء انتخابات حرة ونزيهة، وصولا إلى الإنجازات، مرورا بكل ما يجب أن تقدمه النقابة لأعضائها من مكاسب.
ربما فات بعض الجهات صاحبة القرار أهمية ما يمكن أن تقوم به النقابات في المجتمع، فهذه المنظمات لو تركت تعمل بحرية وبمعزل عن إملاءات الحكومات المتعاقبة، وتدخلها بكل شاردة وواردة، فإنها ستتحول إلى مؤسسات قوية وداعمة ومساعدة للحكومة في جوانب كثيرة، وسوف تخفف الأعباء عنها، فضلا عما ستحققه من مكاسب لأعضائها.
فالنقابة عندما تستثمر اشتراكات أعضائها بشكل صحيح في مشاريع إنتاجية ربحية، أو من خلال القروض الممنوحة للأعضاء، إضافة لما يجب أن تقدمة الدولة لها من دعم مالي هو حق لكل مواطن، على الأقل فيما يتعلق بالجانب الصحي، فإنها بذلك ستصبح قادرة على تأمين ضمان صحي لهم، ورواتب تقاعدية، ومساعدات تقدمها لهم بأشكال وأساليب مختلفة، وعدا عن كل ذلك، سوف تتعافى من داء الفساد المتعدد الوجوه فيها، ويعود إلى حده الأدنى الطبيعي كما في كل دول العالم.
وعندما تكون هذه النقابات فعالة بهذه الصيغة، فإن حالة التضخم في عدد الموظفين، والبطالة المقنعة الموجودة في مؤسسات الدولة سوف تتراجع، وأن طلب الوظيفة العامة في هذه المؤسسات سوف يقتصرإثر ذلك، على عدد من المواطنين التقنيين والمتخصصين الذين تحتاجهم هذه المؤسسات، والذي لا يشكل عددهم عامل ضغط على الحكومة، حيث السبب هنا، ودائما: هو الحصول على الراتب التقاعدي والضمان الصحي مهما كان زهيدا .
الكلام هنا يعني جميع أصحاب المهن والحرف، ولكن أكثر ما يعني الآن أصحاب الحرف الحرة كالحلاق والحداد والنجار وسائق التكسي والبلاط والمزارع والعامل في المعمل الخاص أو العام والكوفيرا والمصور ….الخ فكل صاحب مهنة أو حرفة يمكن أن يؤمن له شغله حياة كريمة مستقرة له ولعائلته فيها ضمان صحي وراتب تقاعدي مقبول، لن تشغله فكرة الجري خلف وظيفة في القطاع العام بحثا عن الضمان الصحي والراتب التقاعدي .
من كل ما ذكر يمكن القول: إن الحكومات المتعاقبة وفشل سياساتها الاقتصادية التي أرخت بظلال قاسية على حياة الناس، هي التي تتحمل مسؤولية تراجع دور النقابات في سورية عندما ربطت كافة نشاطاتها، أو جلها، بقراراتها، فلا هي رحمت الناس ولا تركت رحمة الله تنزل على الناس .
(سيرياهوم-خاص ١٢-٣-٢٠٢٢)