آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » النقد الأدبي والتطور التقني                                        

النقد الأدبي والتطور التقني                                        

 

 

عبد الكريم الناعم

 

شاعر بالدرجة الأولى، تمتاز نصوصه بخصوصيّة ، وهذا ما يطمح إليه أيّ شاعر، أي أن تقرأ نصّاً شعريّاً، ودون أن تعرف صاحبه فتقول هذا النصّ لفلان من الشعراء، أو شبيه بنصوصه،.. وهو أكاديمي ، “دكتور في الهندسة الميكانيكيّة”، وبين اختصاصه العلمي، وإبداعاته الأدبيّة فوارق نوعيّة، وهو إضافة إلى كتابة الشعر يكتب قصصا ذات أفق خاص معقّد، وله خواطر لافتة، ولستُ بصدد أن أتحدّث عنه، بل اقتضت الضرورة ذكر شيء عنه، فهو يمارس تجربة قد لا تتوفّر في بلداننا إلاّ لعدد قليل، هذا إن وُجدت مثل هذه الحالات، ويساعده على ذلك أنّه يقيم في هولاندا،.. بلد متقدّم تكنلوجيّاً، ويهتمّ بما يسمّى آفاق الذكاء الصناعي، وهو الذكاء الذي يصنعه الانسان، ويُزوّد به روبوتا تُجمَع فيه خصائص تقنيّة متفوّقة، ويُطلب من هذا الروبوت أن يجيب على ما قد زُوِّد به، فإذا به يجيب بسرعات يعجز عنها البشر، ويتعمّق في المناقشة، ويتوسّع، حتى لكأنّك تناقش دكتورا في الجامعة في مادته، وهذا ما يجعله في بعض المساحات يتفوّق على الذي برمَجه، وخطورة هذا الأمر أنّ بعض بلدان أوروبا تخطّط للاعتماد على هذه الروبوتات اعتمادا أساسا في عام 2030، وهذا يعني أنّ روبوتا واحدا قد يُغني عن عدد كبير من الموظّفين هنا أو هناك، الأمر الذي سيترك نتائج بالغة السلبيّة على الانسان، ويُحقّق للشركات الرأسمالية وفراً أكبر، على حساب الشقاء الإنساني،

لستُ بصدد مناقشة هذا الأمر إلاّ من جهة واحدة، ولكنّ ذكره استوجب بعض الكلام،

صديقنا الذي ذكرناه أعطى للكمبيوتر الفائق الذكاء قصيدة تسير على نظام العمود، وطلب منه أن يدرسها دراسة نقديّة، ونشرَ تلك الدراسة، وجاء تحليله أدبيّاً، ..تحدّث عن بعض صورها، وعن تقنياتها الشعريّة، وعن معانيها، ولا تستطيع إلاّ أن تُعجَب بما جاء به ذلك الروبوت الفائق الذكاء، والذي لفتني شخصيّاً أن ما قاله ذلك الروبوت يُشبه إلى حدّ كبير ما كنتً قرأتُه، أو سمعتًه في محاضرات قدّمها أكاديميّون، أو طلاب أكاديميون،.. فالجُمل مسبوكة، والتوصيف يدلّ على ملاحظة مُميّزة، تهتمّ بالسطح لا بالعمق، وهذا يستحضر حضور بعض النقاد ،لا سيّما لدى الذين استهلكتهم الدراسات الألسنيّة، والشّثبهة التي توقّفت عندها هي أنّ ذلك كلّه يصدر خالياً من (روحيّة النصّ)، والقيمةُ الجوهريّة لأيّ عمل نقديّ تتبدّى بتتبّع تخلُّق ذلك الروح، وتفصّله في خلايا النسيج المّبدَع، ويبدو لي أنّ الإعراض عن تلك الروحية قد يتناسب مع طبيعة التقدّم التكنلوجي الغربي بعامة،

إنّنا حين نفتقد الروح نكون أمام هيكل لا حياة فيه، وهذا يستحضر المثّال الإيطالي الشهير مايكل أنجلو الذي نحت تمثال سيدنا موسى (ع)، وحين أدهشتْه الدقة، والتفاصيل، أحسّ أن ثمة ما ينقص هذا الابداع، وهو الروح، فضربه بمطرقته وقال له :” انطُقْ”، فقد كان هذا أكثر حساسية بإدراكه أنّه فائق الدقّة ولكنه دون روح، ولا أتجنّى إذا قلت إنّ الغرب بكامله، في تقدّمه (المدنيّ) المُذهل، ولا أقول ( الحضاري).. يفتقر إلى الروح، ولا أزعم أنّ البديل متوفّر فينا الآن على الأقلّ،

إنّغياب الروح ينتشر انتشارا مقلِقا في مُعظم النتاجات الأدبيّة التي تُنشَر عندنا، وهذا يجعل الاستسهال مبدءً، لا سيّما حين يجد ما يُنشَر من نتاجات على الفيسبوك الكثير من الاعجابات المُخجِلة، وغير المؤهَّلَة أصلا،

إنّ ما سبق، لا سيّما في النقد الأدبي، يدفعنا للسؤال لماذا غاب، أو غُيّب النقد الجمالي، والذي يكتنه روح النصّ، ويستجلي ما فيه، وما قد يحتمله، بلغة راقية، تعتمد على الحساسية الذوقيّة، دون إغفال للمناهج النقديّة المساعدة، فأنت تقرأ النقد الجمالي فتشعر بلذة المُسافرَة، فبقدر ما هو سفَر في النص،.. هو نصّ أدبي رائع،.. أنّه تأليف في التأليف ذاته، تطالعه دون ملل، وتكتشف من خلاله ما لا يخطر لك ببال، وهذا يعتمد على رهافة النّاقد، وثقافته، وحساسية تلقّيه، يرفد ذلك بثقافة متنوّعة،

اللافت في النقد الجمالي أنّنا لو أعطينا نصّا شعريأ واحداً لناقدين جماليين، وطلبنا منهما دراسته جماليا، فسنجد أن ثمّة التقاء في نقاط جوهريّة، مركزيّة، ومن ثمّ سنجد أنّ كلا منهما يضرب بأجنحته في زرقة ليست زرقة الآخر، وهذا يرجع إلى التكوين العميق لكل منهما، وإلى فوارق الحساسية الفنيّة، وربّما اختلفتْ المنابع الثقافيّة، والتوجّهات، وربّما تلعب (الأيديولوجية) دوراً في ذلك، ولا أعني الأيديولوجيات الصارمة المُغلَقَة المتعنّتة، لأنها لا تتناسب مع الروح الجماليّة المتعدّدة الرحابات، بل أعني ما يحمله الناقد في داخله من رؤى وقناعات، وقد لا تكون واحدة عند كليهما، إذ لا بدّ أن يكون لمن يتعمّق ثقافيّاً، وإبداعيّا، .. قناعةٌ ما في مواجهة الكون، والنظر إليه، لا يُقبَل منه أن يفرضها، لأنّه يتحوّل بذلك إلى ( داعية)، لا مُبدِعا.. يرى في الآفاق المنفتحة مجالا أرحب، وأكثر إغراء، واستدراجا، لمن يحب السفر في تلك الأمداء، ولقد تبايَن النقّاد الجادّون، والمهمّون بذلك، بحسب اختلاف بصماتهم الثقافيّة والنفسيّة، فليس طه حسين كمثال هو عبد الكريم اليافي، واختلافهم رحمة كما يُقال ما لم يدخل مناطق التزمّت والزّعم بامتلاك الحقيقة والتفرّد بها، فإذا أُفلت النّاقدُ من ذلك الشرَك كان صورة من صور البهاء المتعدّدة في الكون، وشغَلَه اتساع الزُرقة والآفاق،، وتنوّع الألوان وغناها، والتّأمّل في الحكمة الخفيّة البديعة، .. شغلتْه عن كلّ ما يريد اختصارها، حتى ولو كانت نيّة الاختصار حسنة في نظر حاملها، وبهذا يُصبح النّاقد فوْح وردة لا شفرة همّها أن تَجرَح،

أيّاً بلغتْ قُدرة الكمبيوترات الذكيّة، والتي هي من صُنع الانسان، لن تستطيع التفوّق إبداعيّا، نعم قد تكون أسرع في الإجابة، وفي اختصار الوقت، ولكنّها تظلّ آلة صماء لاعقل فيها ولا روح، وثمّة فارق بين خالق ومخلوق، والخوف أن تُصبح هذه الآلات الذكيّة هي المسيطرة بسبب حاجة الشركات والمؤسسات الكبرى في العالم، فتُبعد الانسان، وتصبح هي السيّد، وفي ذلك خطر أن يفقد الطمّاعون، والذين لا يفكّرون إلاّ بأرباحهم.. السيطرةَ على تلك الآلات، فنكون قد دخلنا في مناطق لم نعرف في حضارتنا التي نحن فيها أشدّ قتاما منها، وبذلك يشوّهون لوحة الابداع الرباني في جمالها، وفي تنوّعها، وفي سماواتها التي لاتّحدّ، والتي كرّمَ الله فيها الانسان، وهيّاَ له هذا البستان الربّاني، .. الطبيعة،.. وجعله مُستخلَفاً فيه ، ومسؤولا عنه وعن رعايته، فليس من الأمانة الربّانيّة أن نخرّب هذا العالم لصالح جشع المال الذي لا يتوقّف نضهمه، بل لا بدّ من الأخذ بالتوازن، عملا، وفهْما، وإلاّ فنحن مُساقون إلى كارثة أن يُصبح الانسان مسمارا في آلة صمّاء لا غير …

(أخبار سوريا الوطن ١-مجلة الشارقة الثقافية )

x

‎قد يُعجبك أيضاً

مكسيم خليل يحتفل بزواج شقيقته ديانا ويثير الجدل حول ديانته

احتفل النجم السوري مكسيم خليل يوم أمس بزفاف شقيقته الصغرى ديانا خليل، حيث شارك متابعيه عبر حسابه على إنستغرام بمجموعة من الصور التي وثّقت هذه ...