آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » النهايات السعيدة

النهايات السعيدة

 

 

مالك صقور

 

 

هل وجد أويوجد في التاريخ قائد أو زعيم أو حاكم أو رئيس إلاّ واعتبر نفسه غير مسؤول عن شقاء شعبه و مصائب بلاده ؟ وأين هي الحضارة أو الأمبراطورية أو الحكومة التي سادت ومادت وهيمنت واستبدت وسيطرت من غير أن ترش وتبذر بذور هلاكها وخرابها ؟!

..

في هذه الزاوية ، سأحكي لكم عن النهايات ، ومتى تكون النهاية سعيدة !

يروى أنه عندما ضمت امبرطورية ليديا جميع الفتوحات ، وعندما بلغت العاصمة سرديس ذروة ازدهارها ، شرع حكام اليونان المعاصرون ، الواحد تلو الآخر ، يقومون بزيارة هذه المدينة ، وكان من هؤلاء صولون الأثني – وصولون هذا كان من أهم الشخصيات في حكم أثينا – وفي أثناء ذلك ، كان صولون يقوم برحلة ، قصد التغيب عن أثينا مدة عشر سنوات ، متذرعاً أنه يرغب في أن يرى العالم ، ولكنه في الواقع كان يخشى أن يرغم على نقض القوانين التي سنّها للاثنينين بناء على طلب منهم . ولم يكن في استطاعة سكان أثينا نقض هذه القوانين من دون موافقته ، لأنهم كانوا قد اتخذوا على أنفسهم عهداً بعد أداء اليمين ، أن يطبقوا هذه القوانين التي فرضها عليهم صولون مدة عشر سنوات .

ولهذا السبب ، وبحجة أنه يريد أن يرى العالم ، شرع صولون برحلته هذه ، وفي طريقه عرج على مصر ليزور بلاط الفرعون عمسيس ، ومن ثم إلى سرديس ليزور كريسوس . استقبله كريسوس ضيفاً عزيزا، وكان استقبالاً يليق به ، وأنزله في القصر الملوكي .وفي اليوم الثالث طلب كريسوس إلى خدمه أن يطوفوا بالضيف ليرى كنوزه ، وليشاهدوا عظمتها . وبعد أن رآها كلها ، بقدر ماسمح له الوقت أن يتفصحها ، سأله كريسوس قائلاً : ” أيها الضيف الأثيني الغريب لقد سمعنا الكثير عن حكمتك وعن رحلاتك في مختلف بلدان العالم ، محبة منك في الاطلاع ، ورغبة منك في مشاهدة العالم ، ولذا فإني تواق إلى أن أسألك سؤالاً وهو : مَن مِن الذين عرفتهم تعتبره أكثر الناس سعادة ؟ وقد وجه إليه هذا السؤال لاعتقاده أنه أسعد الناس .غير أن صولون أجابه قائلاً : ” إن أسعد الناس ياسيدي ، هو تلسّ الأثيني” . فاندهش كريسوس عند سماعه هذا الجواب وقال له بشيء من الحدة : ” ولماذا تعتبر تلسّ أسعد الناس؟! فأجابه : ” أولاً : إنه أسعد الناس لأنه عاش في زمن رأى وطنه يزدهر ويتقدم . وقد كان له بنون على جانب من الجمال والصلاح ، وعاش إلى أن رأى أحفاداً لكل أولاده . وهؤلاء الأحفاد عاشوا وكبروا . ثانياً:لأنه عاش حياة نعتبرها في بلادنا حياة هانئة مريحة ، وكانت نهاية حياته مجيدة تدعو إلى الفخر والاعتزاز . ففي معركة وقعت بين الاثينين وجيرانهم من سكان اليوسس هب لنجدة مواطنيه فدحر الأعداء ، ومات شجاعاً في ساحة المعركة . فأقامت له أثينا مأتماً شعبياً في البقعة ذاتها التي سقط فيها شهيدا ً، وأبنوه تأبيناً يليق به “. ،،

وبعد أن انتهى من حديثه ومديحه بتلسّ وتبجيله له ، أعاد كريسوس السؤال ، ومن يأتي في المرتبة الثانية بعد تلسّ ، متوخياً أن يفوز هو نفسه بهذه المرتبة . فأجاب صولون : ” يأتي في المرتبة الثانية : كليبوس وبيتو ، فهذان أخوان وكانا قويين جسدياً ومادياً ، وقد فازا بجوائز الألعاب الرياضية . وقد سُجلت لهما هذه المأثرة : عندما أقيم مهرجان عظيم تكريما ً للإآلهة هيرا في مدينة ارغوس ، وقد دُعيت أمهما لحضور هذا المهرجان ، ولكن صادف أن الثيران التي يجب أن تجر العربة لم تعد من الحقل في الموعد المحدد . فخشي الأخَوان من الوصول إلى مكان الاحتفال متأخرين .فقاما بوضع النير على كتفيهما وجرّا عربة أمهما مسافة كبيرة جداً ، ووقفا أمام منصة المهرجان ، حيث شاهدهما الجمهور . فتجمع الناس حول العربة وأكبروا القوة الجسدية لهما ، كما أن نساء ارغوس غبطوا الأم التي تباركت بعمل ابنيها المجيد . أما الأم فقد كانت فرحتها لا توصف . وبسبب هذه المأثرة التي اجترها ولداها ، وقفت أمام صورة الآلهة وتضرعت إليها أن تمنح ابنيها كليبوس و بيتو اعظم البركات التي تمنح للبشر . وهكذا ، اعتبر أهل أرغوس أنهما أفضل الناس ، فنحتوا لهما تمثالين ، وقدموهما إلى معبد دلفي .

وما أن أنهى صولون حديثه ، حتى استشاط كريسوس غضباً ، وقال : ” إذن ، أيها الضيف الأثيني الغريب ، أين أنا من السعادة ؟ وماهي سعادتي التي تعتبرها شيئاً لا وجود له ، حتى أنك تأبى أن تضمني في مصاف العامة من الناس ؟

فأجابه صولون :” أيها الملك كريسوس ..إنك تثير قضية الإنسان ، قضية الإنسان الذي يدرك أن القوى السماوية المسيطرة علينا قوى تتأجج فيها الغيرة وحب الأذى واإزعاج الإنسان . إن المرء الذي يعيش حياة مديدة يشاهد كثيراً ، ويختبر كثيراً حتى أنه يرى من العبث اختيار السبيل أو تقرير المصير . إنني اعتبر السبعين سنة أقصى مدى لحياة الإنسان . هذه السنون السبعون – إذا استثنينا الأشهر النسيئة – تحتوي على 25200 يوم ؛ وإذا أضفت شهراً نسيئاً كل سنتين كي تستقيم الفصول فتقع في أزمانها الطبيعية ، فيحصل لديك بالإضافة إلى السبعين سنة ، خمسة وثلاثون شهراً ، أي بزيادة 1500 يوم . أي يكون عدد الأيام في السبعين عاما 26250 يوماً ليس فيها يوم يشبه سابقه ، بل يختلف عنه في ما يحدث فيه من أمور ، وما يجلبه من حوادث . إذن بوسعك أن تقول أن الإنسان وليد الصدف بكل ما في الكلمة من معنى . أما فيما يتعلق بك شخصياً أيها الملك كريسوس ، فإني ادرك جيداً أنك على غنى عظيم ، وأنك سيد شعوب وأمم عديدة . أما فيما يتعلق بسؤالك عن السعادة ، وهل أنت سعيد ، فإني اجد نفسي غير قادر على اعطائك جواباً إلى أن اسمع عن خاتمة حياتك وأنك انهيتها سعيداً . لست أشك في أن المرء الذي يفوز بثروة عظيمة ليس أقرب إلى السعادة من المرء الذي ليس عنده سوى الكفاف من العيش ، إلاّ إذا كان الحظ حليفه ، فإنه يظل يتمتع بلذائذ العيش إلى أن يحين أجله . إذ إن كثيرين من اعظم أثرياء الناس لم يكن الحظ دوماً حليفهم.

هكذا خاطب صولون الملك كريسوس ، ولم ينل صولون عطاء ً ومالاً ، ولم يجلب له ثناء وفخراً . فكان وداع الملك له وداعاً فيه كثير من الفتور ، لأنه ظن أن رجلا كصولون لا يأبه للحياة الحاضرة بل يشدد على أهمية خاتمة الحياة .

إذن ، السعادة في رأي صولون هو اليوم الأخير من الحياة . وهذا ينطبق على كل الناس ، ولكن مضمون سؤال الملك كريسوس وجواب صولون يعني بالدرجة الأولى الحكام والرؤوساء والملوك والأباطرة .. لكن أغلب هؤلاء لا يعتبرون ، ولم يقرؤوا التاريخ ..ولو قرؤوا التاريخ واستوعبوه ، لكانوا تجنبوا الأستبداد والظلم ، وعملوا على إسعاد شعوبهم وتقدمها وازدهار الأوطان… إذن ، الشعوب هي التي تخلد العظماء نتيجة أعمالهم ، والشعوب هي التي تصنع التماثيل .. والآمثلة عبر التاريخ كثيرة جداً ..

فما أكثر العبر وأقل الاعتبار .

(موقع اخبار سوريا الوطن-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السلم الآهلي مسؤولية الحكومة والمواطنين ومطلب مشترك لهما

    عبد اللطيف شعبان     من حق المواطن أن يعيش كريما معززا في وطنه، وجميع دساتير الدول تضمن ذلك لمواطنيها، وكثيرة هي الحاجات ...