| حسن صعب
تكشف الكميّات الهائلة للنفط السوري المنهوب، والتي يتم بيعها في العراق أو تركيا، أن الإدارة الأميركية الحالية، كما السابقة، تعوّل كثيراً على استغلال النفط السوري وسرقته، لدعم الجماعات المرتبطة بها.
توطئة
تمارس القوات الأميركية المحتلة لأجزاء من شمال وشمال شرق سوريا، وتحت غطاء دعم القوات الكردية والإدارة الذاتية في مواجهة تنظيم “داعش” الإرهابي والنظام السوري، تمارس عمليات نهب منظّمة لكميّات ضخمة من النفط السوري الخام (ومشتقّاته)، وذلك في إطار ما يُزعم أنها “اتفاقية شرعية” بين شركة أميركية متخصصة وإدارة الحكم الذاتي الكردي.
ويمكن عدّ هذه العمليات الأميركية عدواناً مباشراً على السيادة السورية وعلى الثروات والمقدّرات التي هي ملكٌ للشعب السوري. وهي تستكمل الحصار المفروض على سوريا منذ عدة سنوات في إطار ما يسمّى “قانون قيصر”، والذي أدّى إلى معاناة كبرى للشعب السوري على مختلف الصعد.
وبالتالي، هل يجدر توصيف عمليات النهب الأميركي للنفط السوري بغير هذه الصفة، وما هو حجم هذه العمليات حتى تاريخه، والقيم المباشرة والإجمالية لتلك العمليات، والسبل الأنجع لمواجهة تداعياتها الكارثية على السوريين بمختلف شرائحهم.
تطوير صناعة النفط السوري.. أم نهبه؟!
بدأت “قصّة” عمليات النهب الأميركي المنظّم والمعلن للنفط السوري في النصف الثاني من العام 2020، في عهد الرئيس دونالد ترامب، إذ وقّعت الإدارة الذاتية لمناطق شمال شرقي سوريا، التي يسيطر عليها الكرد، اتفاقاً مع شركة أميركية، لتطوير حقول نفطية. كما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مصفاتين.
وقالت مصادر إن الإدارة الذاتية أبرمت مع شركة “دلتا كريسنت أل أل سي” الأميركية اتفاقاً مدّته 25 سنة قابلة للتجديد. وأوضحت أن الاتفاق يشمل حقول رميلان النفطية الواقعة في أقصى شمال شرقي سوريا.
وتقدّر الآبار في منطقة رميلان بأكثر من 1300، علاوة على وجود عدد محدود من حقول الغاز في المنطقة ذاتها. ويمنح الاتفاق الشركة الأميركية الحق في تحديث آبار النفط في مناطق سيطرة الكرد، الواقعة شرقي الفرات.
وفيما ندّدت دمشق بالاتفاق، لم تعلّق الإدارة الذاتية الكردية ولا “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أميركياً على ذلك. لكنّ مسؤولين في واشنطن كانوا تحدّثوا عن اتفاق “لتطوير حقول النفط” من دون ذكر اسم الشركة الأميركية أو تقديم مزيد من التفاصيل.
وذكرت الخارجية السورية في بيان أن سوريا تدين “بأشدّ العبارات” الاتفاق الموقّع، مؤكدة أنها تعدّه “باطلاً ولا أثر قانونياً له”. وأضافت أن الاتفاق “يعدّ سرقة بين لصوص تسرق ولصوص تشتري” ويشكّل اعتداء على السيادة السورية.
وكانت سوريا تنتج نحو 380 ألف برميل نفط يومياً قبل نشوب الحرب. ولكن، بعد سرقة النفط السوري من جانب الولايات المتحدة، تضرّر الاقتصاد السوري وأصبحت سوريا تستورد النفط ومشتقّاته لسداد حاجاتها الأساسية.
وقال الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترامب إن عدداً صغيراً من الجنود الأميركيين سيبقى “حيث يوجد نفطهم”، رغم انسحاب عسكري من شمال شرق سوريا. وقالت وزارة الدفاع الأميركية، أواخر العام الماضي، إن عائدات حقول النفط ستذهب إلى “قوات سوريا الديمقراطية”.
نهب النفط منذ بداية الحرب على سوريا
في الواقع، لقد حصلت أيضاً عمليات نهب أميركية شبه منظّمة قبل المرحلة المذكورة آنفاً، أي منذ احتلال جماعات “داعش” والتنظيمات المسلّحة الأخرى بعض المناطق وحقول النفط الغنية في شمال وشرق سوريا خصوصاً، ما بين العامين 2015 و 2019.
فبالإضافة إلى تدريب المقاتلين، شاركت القوات الأميركية التي تحتل جزءاً من الأراضي السورية، في نهب حقول ومنشآت النفط في منطقة الفرات. وقامت الشركات العسكرية الأميركية الخاصة بزيادة عديد أفرادها، إذ تجاوز عدد مرتزقة الشركات العسكرية الخاصة في سوريا 3500 شخص.
ووفقاً للجنرال الروسي سيرجي رودسكوي، فإن المجموعات الإرهابية “نظّمت إنتاج النفط السوري وبيعه من حقول نفط كوناك، العمر وتاناك، الواقعة شرق الفرات، في خطة إجرامية تهدف إلى نهب الثروة الوطنية السورية”؛ وعائدات هذه السرقات “تم إنفاقها على دعم الجماعات المسلّحة غير الشرعية، ورشوة شيوخ القبائل العربية لمناهضة الحكومة السورية”.
في أواخر العام 2022، أدانت وزارة الخارجية السورية استمرار الولايات المتحدة في سرقة النفط السوري، وأكدت الاحتفاظ بحقّها في الحصول على تعويضات من واشنطن عمّا نهبته وتسبّبت فيه من خسائر. وشدّدت الوزارة على أنّ “استمرار أميركا بسياستها الدنيئة المتمثلة بسرقة النفط السوري يُمثّل قرصنةً ومحاولةً للعودة إلى عصور الاستعمار”.
وطالبت الوزارة “مجلس الأمن الدولي بإدانة هذه الأعمال الأميركية والعمل على وضع حدّ لها”، لافتةً إلى “الاحتفاظ بحقّها في الحصول على تعويضات من الولايات المتحدة عن كلّ ما نهبته وما سبّبته من خسائر”.
أرقام مهولة لقيمة النفط المنهوب
اتّهمت سوريا الولايات المتحدة بسرقة ما قيمته نحو 20 مليار دولار من النفط والغاز على مدار أكثر من 11 عاماً. وكشفت وزارة الخارجية السورية عن قيمة الخسائر المباشرة لاعتداءات القوات الأميركية على أراضيها، موضحة أنها تبلغ 25.9 مليار دولار، منها 19.8 مليار دولار حجم خسائر النفط والغاز المسروق.
وقد طالبت الخارجية السورية الأمم المتحدة بالتحرّك العاجل لوقف انتهاكات القانون الدولي وأحكام الميثاق التي ترتكبها الولايات المتحدة، وضمان التعويض عنها، وإنهاء وجود القوات الأميركية في سوريا. كما دعت إلى إعادة حقول النفط والغاز التي تسيطر عليها القوات الأميركية للدولة السورية، والرفع الفوري وغير المشروط للإجراءات القسرية، بما يتيح الارتقاء بالوضع الإنساني وتوفير الظروف المناسبة للعودة الطوعية الآمنة والكريمة للمهاجرين واللاجئين.
في العام الحالي، واصلت قوات الاحتلال الأميركي عمليات سرقة النفط السوري، إذ سرقت دفعةً جديدةً من النفط السوري من حقول الجزيرة السورية، ونقلتها إلى قواعدها في العراق.
وذكرت وكالة الأنباء السورية أنّ “رتلاً يضمّ 23 آلية، بينها شاحنات مغطّاة وصهاريج معبّأة بالنفط المسروق، اتجهت من الأراضي السورية إلى العراق عبر معبر المحمودية غير الشرعي في ريف اليعربية”.
وخرجت 34 آلية أخرى على دفعات، بينها شاحنات وصهاريج محمّلة بالنفط المسروق أيضاً، عبر معبر الوليد غير الشرعي في ريف اليعربية. وأفادت الحكومة السورية بأنّ “القوات الأميركية ومرتزقتها يسرقون نحو 66 ألف برميل يومياً من المنطقة التي تحتلّها شرقي سوريا”.
في 5 كانون الثاني/يناير الماضي، أشارت مصادر محليّة إلى أن “رتلاً مؤلّفاً من 36 صهريجاً محمّلاً بالنفط السوري المسروق أخرجته قوات الاحتلال الأميركي إلى قواعدها في شمال العراق عبر معبر المحمودية”. وأضافت المصادر حينها أنّ “رتلاً آخر من 24 شاحنة وصهريجاً، ترافقها عربات عسكرية أميركية تحمل نفطاً وقمحاً من منطقة الجزيرة السورية، سرقتها قوات الاحتلال وأخرجتها عبر معبر الوليد غير الشرعي”.
بعد أسابيع قليلة، اتهمت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” القوات الأميركية بمواصلة سرقة النفط السوري من حقول الجزيرة، وأن “قافلة مؤلّفة من 148 آلية تابعة للاحتلال الأميركي، بينها 80 صهريجاً مخصصاً لنقل النفط الخام المسروق من الحقول السورية، و60 آلية بين برّادات وشاحنات ترافقها 8 مدرّعات عسكرية، توجهت عبر معبر الوليد غير الشرعي إلى شمال العراق”.
وفي شهر نيسان/أبريل الفائت، نقلت الوكالة عن مصادر أهلية قولها: “إن رتلاً للاحتلال الأميركي مؤلّفاً من 77 آلية، بينها 32 صهريجاً معبّأة بالنفط المسروق من الحقول السورية، إضافة إلى 6 مدرّعات عسكرية، خرج من ريف الحسكة عبر معبر الوليد غير الشرعي في اتجاه قواعد الاحتلال إلى الأراضي العراقية”.
في الشهر التالي، أيضاً خرج رتل مؤلّف من 42 صهريجاً محمّلاً بالنفط السوري المسروق على دفعات في اتجاه العراق.
ولفتت المصادر إلى أن قوات الاحتلال كثّفت، بالتعاون مع ميليشيا “قسد” المرتبطة بها، عمليات سرقة النفط خلال الأسابيع الأخيرة من حقول الجزيرة، متعمّدة نقل الكميات المسروقة إلى قواعدها في العراق عبر دفعات وبأوقات متقطعة.
“قسد” تُنكر جرائم سرقة النفط السوري
بعد سنوات من السرقة الممنهجة للنفط والغاز والقمح السوري، وبيعها عبر وسطاء مع شمال العراق وتركيا بأرقام وواردات مالية فلكية حُرم منها الشعب السوري، ورداً على التصريحات الأخيرة للخارجية الصينية لها بسرقة ثروات سوريا بالتواطؤ مع “التحالف الدولي”، خرجت ما تسمّى “الإدارة الذاتية” التابعة لـ “قسد” ببيان تردّ فيه على هذه التصريحات وتنفيها، مشيرة إلى أن تصريحات الخارجية الصينية وبعض الشركات، ومنها شركة “غولف ساندز” البريطانية التي كانت تعمل في مجال البحث والاستخراج النفطي في سوريا، هي “عبارة عن مواقف سياسية”.
وتابعت “الإدارة الذاتية”، وهي التي باعت ما يقارب 400 ألف طن قمح إلى تجّار في شمال العراق منذ عامين، حارمة الأهالي من رغيف الخبز “بأن كميات القمح الموجودة، وفي ظل سنوات الجفاف التي تمر بها المنطقة، تكاد لا تكفي حاجة الأهالي. أما بالنسبة إلى النفط، فإن هذه المنطقة تم تحريرها من داعش والإرهاب بعد سنوات طويلة من المقاومة، وأن معظم هذه الآبار تم تدميرها، وهي خارجة عن الخدمة، والطاقة الإنتاجية ضعيفة؛ وكل ما هو موجود بالكاد يتم استهلاكه للحاجة المحلية، والقسم الآخر يتم استخدامه من أجل الداخل السوري..”.
وكان المدير التنفيذي للشركة البريطانية، جون بيل، وفي تصريح له في موقع “إنيرجي فويس”، قد كشف عن جزء بسيط من الكميات التي تسرقها “قسد” من النفط في المنطقة التي كانت تعمل فيها الشركة قبيل الحرب على الإرهاب، والمسمّاة “البلوك 26” شمال شرق سوريا، قائلاً “إن قسد تنتج نحو 20 ألف برميل يومياً منذ عام 2017 من البلوك 26، أي أنها أنتجت أكثر من 41 مليون برميل من النفط بشكل غير مشروع، بمتوسط سعر 70 دولاراً للبرميل، بقيمة إجمالية تقريبية تُقدّر بنحو 2.9 مليار دولار أميركي من البلوك 26 وحده”.
خلاصة
بيّنت الوقائع الموثّقة المذكورة آنفاً، أن الولايات المتحدة تمارس، ومنذ سنوات، جريمة كبرى ومتمادية بحق الشعب السوري والدولة السورية، تتعلق باحتلال مناطق واسعة وحقول نفطية عديدة، هي بمنزلة شريان حياة رئيسي للسوريين، خاصة في مرحلة ما بعد الحرب، وما بعد الزلزال المدمّر الأخير(فبراير/شباط 2023)، وتشديد الحصار الأميركي الظالم في إطار ما يسمّى “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا”.
وعلى قاعدة أن لكلّ جريمة عقاباً، فإنه يمكن لنا تصوّر خارطة طريق واضحة لتحميل الجانب الأميركي كامل المسؤولية عن جريمة نهب النفط السوري المتمادية، وعواقبها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الخطيرة على حياة ومصير شعب بأكمله.
ومن أبرز معالم خارطة الطريق المفترضة:
أولاً-تهافت الغطاء السياسي والقانوني لعمليات نهب النفط السوري من جانب الأميركيين وحلفائهم الكرد، من خلال الادعاء بوجود اتفاق لا أحد يعلم من هم أطرافه أو ما هي مضامينه؛ والأهم ما هي القواعد القانونية التي ارتكز إليها، حيث جرى عقده بين قوّة محتلّة وقوّة تابعة لها، وفي غياب الطرف الأساسي المعني، أي الدولة السورية.
ثانياً-تكشف الكميّات الهائلة للنفط السوري المنهوب، والتي يتم بيعها في العراق أو تركيا عبر وسطاء وسماسرة، أن الإدارة الأميركية الحالية، كما السابقة، تعوّل كثيراً على استغلال النفط السوري وسرقته، لدعم الجماعات المرتبطة بها بالدرجة الأولى، وأن الوجود العسكري الأميركي، ولو المحدود في بعض مناطق شمال شرق سوريا، لا يهدف إلى محاربة بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي والجماعات المرتبطة بإيران فقط، كما يشيع الإعلام الأميركي والغربي.
ثالثاً-إن مواجهة تجلّيات الجريمة الأميركية المتمادية وانعكاساتها يجب أن تستند إلى خطة أو رؤية سياسية وقانونية متكاملة، مدعومة بوقائع ودلائل مثبتة حول سرقة (وليس تطوير) الأميركيين المحتلّين وأتباعهم للنفط والقمح السوريين، كما مرّ آنفاً، وإلى إجراءات وتحرّكات سياسية ودبلوماسية حثيثة على مستوى الداخل السوري، كما على المستويين الإقليمي والدولي (بدءاً من هيئة الأمم المتحدة)، من أجل فضح الانتهاكات الأميركية المتمادية للسيادة السورية، والتي تتضاعف تداعياتها على الشعب السوري في كل لحظة.
وتبقى الوسيلة الأهم، وهي المقاومة بأشكالها وأساليبها المتاحة كافة، من جانب العشائر والمكوّنات الشعبية المختلفة في المناطق السورية المحتلّة، وتحت رعاية الدولة السورية وإشرافها، من أجل استهداف القوات الأميركية المحتلة وطردها من سوريا، واستعادة آبار النفط المنهوبة، تمهيداً لإعادتها إلى كامل طاقتها الإنتاجية، والتي سيستفيد منها الشعب السوري حصراً ومن دون منازع.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين