د. مازن جبور
حديث الرئيس بشار الأسد مع الصحفي الروسي فلاديمير سولوفيوف، جاء معبراً عن السبب الرئيس للحرب على سورية، وهو عدم التنازل عن المصلحة الوطنية السورية مقابل ترغيب الغرب أو ترهيبه، فكانت القيادة السياسية السورية بذلك أمينة على سورية وشعبها، ومدافعاً شرساً يقود السوريين في وجه حرب إرهابية استهدفت وجودهم، فكانت لمواجهتها آثار مؤلمة، آلمتهم وآلمت وطنهم.
ما زال الرئيس الأسد كما كان دائماً، همه الموضوع الوطني انطلاقاً من أنه العامل الجامع للسوريين، وفي هذا تأكيد على أن الخروج من الأزمات السورية الراهنة يقع على عاتق السوريين أولاً وأخيراً، فمعادلة التنازل عن المصالح الوطنية مقابل الدعم الخارجي أمر مرفوض من قبل السوريين وقيادتهم، وفي وقت تحاول جوقة الحرب الإعلامية على سورية، الترويج إلى أن القيادة السورية قدمت تنازلات لروسيا أو إيران أو الصين مقابل دعم سورية في محاربة الإرهاب، يشدد الرئيس الأسد على أن الدعم الخارجي مقابل التنازل عن المصالح الوطنية مرفوض تماماً، سواء كان هذا الدعم غربي أم غير غربي، بما معناه لأي جهة دولية كانت، صديقة أم عدوة، ويقول الرئيس الأسد: «الموضوع الوطني هو الذي يجمع الناس وهذا هو الدرس الأول: ألا تُبادل أو لا تتنازل عن مصالحك الوطنية مقابل دعم خارجي غربي أو غير غربي، والمصالح الوطنية أولاً وثانياً وثالثاً وعاشراً وبعدها تأتي العلاقات الخارجية».
انطلاقاً مما سبق، يؤكد الرئيس الأسد أن العلاقة مع روسيا تعززت اليوم أكثر فأكثر، بفعل موقفها من الحرب الإرهابية على سورية، وهذا الموقف اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومن ثم فإن أي موقف سوري من الشأن الداخلي الروسي وعلى رأسه بقاء الرئيس بوتين في رئاسة روسيا، هو موقف طبيعي نابع من الحرص على المصلحة الوطنية السورية، إذ إن التغيير في روسيا قد يؤدي إلى تغيير في الموقف من سورية ومن الحرب الإرهابية الغربية عليها، ومن ثم ضرر بالمصلحة الوطنية السورية، ويقول الرئيس الأسد: «لو نظرنا لروسيا على أنها دولة تقف معنا في سورية بحربنا ضد الإرهاب فنحن نتأثر بهذا الموقف ولا نستطيع أن ننظر للوضع بروسيا على أنه شأن داخلي، وهذا شيء مؤكد، فبالنسبة لنا فإن وجود أو غياب الشخص الذي أخذ قرار الوقوف ضد الإرهاب في سورية، له تأثير كبير بالنسبة لنا وبكل تأكيد سنتأثر بكل تغيير، ولا داعي لكي تسأل من هو الشخص المفضل في هذه الحالة».
إذاً، يضع الرئيس الأسد المصلحة الوطنية السورية على أنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه في رسم العلاقات الخارجية السورية مع الغرب أو الشرق أو أي دولة كانت في أي بقعة من الكرة الأرضية، وهو بذلك يرسل رسالة للجميع وفي مقدمتهم الغرب المعادي لسورية، أن أي استعادة للعلاقات مع سورية يجب أن تلحظ جيداً المصلحة الوطنية السورية، ولا يمكن أن يتم بناء علاقات جيدة بين الدول من دون احترام المصالح المشتركة، ومن هذه الرؤية يمكن فهم عدم قدرة دمشق على بناء علاقات جيدة مع الغرب الذي يقيم علاقاته على قاعدة البيع والشراء، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية التي لا تقبل حتى بأوروبا شريكاً لها بل تابعاً، ويؤكد الرئيس الأسد ما سبق بالقول: «نحن نحاول أن نبني علاقات جيدة مع الغرب منذ خمسين عاماً وكان هناك مسؤولون جيدون عاقلون، البعض منهم لديه أخلاق ولكنهم لم يتمكنوا من فعل شيء لأن المنظومة السياسية عندهم هي منظومة بيع وشراء وليست منظومة مصالح مشتركة كما يقال، وهذا جانب، ومن جانب آخر لن يقبلوا بروسيا شريكاً فهم لا يقبلون بشركاء، وأميركا لا تقبل حتى بأوروبا شريكة».
على مدار السنوات السابقة، سنوات الحرب على سورية، قدم الرئيس الأسد أنموذجاً للسوريين في التفاؤل بالقادم على سورية، ولأن هذا القادم الجميل يبنى بقيادته على أسس متينة، تؤسس للأجيال القادمة دولة قوية متينة متماسكة، كان الرئيس الأسد وما زال يبني تفاؤله من تمسكه بالمصالح الوطنية السورية وبالمبادئ السورية، ويشدد على عدم التنازل عنها أو التهاون فيها، حتى في أحلك الظروف وأكثرها ألماً التي مرت على سورية وشعبها، انطلاقاً من أن التركيز يكون على الربح المستدام ولو في المدى البعيد وليس على الخسارة الآنية، على أن تكون الوحدة الوطنية هي أساس هذا البناء، وفي هذا دعوة للسوريين إلى التمسك بوحدتهم الوطنية وبمبادئهم وعدم التأثر بالهزات العابرة رغم المصاعب التي يتعرضون لها، وأن يكونوا طموحين في مستقبل مشرق، ويؤكد الرئيس الأسد ذلك بقوله: «عندما تتمسك بمصالحك الوطنية وبمبادئك فربما تدفع ثمناً وتتألم، وربما تخسر على المدى القريب، لكن على المدى البعيد سوف تربح، سوف تربح الوحدة الوطنية ولاحقاً لا بد أن تتغير الأحوال وتربح كل شيء تطمح إليه في وطنك».
إن المصلحة الوطنية السورية تتحقق في القضاء على الإرهاب على أراضيها والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلالها وخروج القوى الأجنبية المحتلة من أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وفك الحصار الاقتصادي والعقوبات الأحادية الجانب عن شعبها، ومن ثم فإن كل من لديه الاستعداد للعمل مع سورية لتحقيق تلك المصالح الوطنية التي ضحى وما يزال يضحي الشعب السوري من أجلها، مرحب به وببناء علاقات خارجية معه، أما عقلية الاستعمار والهيمنة التي يتبعها الغرب والقائمة على التدخل السافر والمشين في الشؤون الداخلية لسورية، مرفوضة بالمطلق، فالحل السياسي في سورية لن يكون إلا وليد عملية وطنية خالصة يملكها ويقودها السوريون أنفسهم من دون أي تدخل خارجي، وتلتزم بمبادئ الحرية والاستقلال واحترام سيادة الدول.
كاتب سوري
سيرياهوم نيوز1-الوطن