تستهلك المباني نحو 40% من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي، وتبيّن أن نصف هذا الاستهلاك يعود إلى عدم كفاءة النوافذ الزجاجية التقليدية من ناحية استجابتها للحرارة، وهذا ما دفع الباحثين إلى العمل على تطوير نوع جديد من النوافذ، يطلق عليه اسم النوافذ الذكية السائلة، التي يُرتجى منها الإقلال من استهلاك الطاقة وتشكيل عازل للصوت والضجيج.
ولفهم كيفية عمل هذه التقنية لابد من شرح بعض المصطلحات العلمية..
– السعة الحرارية..
السعة الحرارية (Heat Capacity) هي كمية الحرارة التي يجب إضافتها إلى المادة لرفع درجة حرارتها بمقدار درجة مئوية واحدة، وتقاس هذه الكمية بـ”الجول”.
ويرتبط هذا التعريف بالسعة الحرارية النوعية (Specific Heat) الذي يحدد مقدار الكمية في الكيلوغرام الواحد. ويُعتبر الماء ذا سعةٍ حراريةٍ عالية جداً، لأنه يمتص الكثير من الحرارة قبل أن يبدأ عملية التسخين، كما أنه يفقد كمية كبيرة من الطاقة عندما يبرد.
هذا يعني أن الماء يتطلب المزيد من الطاقة الحرارية لزيادة درجة حرارته مقارنة بالسوائل والمواد الأخرى.
ويعود الاختلاف في السعة الحرارية من مادة إلى أخرى إلى الطاقة الحركية للجزيئات في المادة. كما يعود السبب في قدرة الماء العالية على امتصاص الحرارة إلى الترابط الهيدروجيني بين جزيئات الماء، فيحتاج إلى كمية كبيرة من الطاقة لجعل جزيئاته تنكسر.
وعندما يبرد الماء الساخن، تستغرق العملية بعض الوقت؛ فتتباطأ حركية جزيئات الماء ما يؤدي إلى انخفاض درجة حرارته.
وهذه الخاصية التي يتميز بها الماء هي ما تجعله مهمًّا في اعتدال المناخ وتنظيم الظواهر البيئية كالتغيرات المفاجئة في درجة الحرارة.
كما تستفيد منها بعض الصناعات خاصة في أنظمة التسخين المركزي المستخدمة في المباني وفي تبريد محركات السيارات.
– الهلام المائي..
تنتمي مادة الهلام المائي (Hydrogel) إلى مجموعة البوليمرات، التي تتميز حبيباتها بقدرتها على امتصاص كميات كبيرة من الماء والاحتفاظ بها، ويوجد منها الهلام المائي الدقيق (Micro- hydrogel)، وهو صغير جدًا يقاس بوحدة المايكرومتر، أي بجزء من مليون من المتر. وهو غير قابل للذوبان في الماء، وقادر على الانتفاخ بدرجة عالية، وللهلاميات المائية تطبيقات كثيرة خاصة في المجال الطبي.
– نتائج واعدة..
بعد عشر سنواتٍ من البحث والاختبار، طور علماء من جامعة نانيانغ التكنولوجية في سنغافورة (NTU)، نافذة ذكية من النوع المذكور بطريقةٍ سهلةٍ، وذلك بوضع خليط سائل بين لوحين زجاجيين. ويتكون المخلوط من الهلام المائي الدقيق، الذي شكل تصنيعه أهم التحديات لهم خلال تلك الفترة، إضافة إلى الماء وعامل مساعد على الاستقرار، وتبين عند الاختبار أن النتائج كانت جيدة من حيث توفير الطاقة بنسبة تصل إلى 45% في المباني، وتخزين كمية كبيرة من الطاقة الحرارية، وتقليل الضوضاء بنسبة 15% وتنظيم انتقال الطاقة الشمسية. كما أن هذا النوع من النوافذ جعل استخدام الطاقة أكفأ بنسبة 30% مما هو في الزجاج منخفض الانبعاثات الموفر للطاقة المتاح تجارياً في الأسواق.
والكفاءة في استخدام الطاقة أمر مربح من الناحية الاقتصادية، لأنها تخفض رسوم الكهرباء، وتخفض أيضاً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بتوليد الكهرباء.
– كفاءة الطاقة..
تنتقل الحرارة من خلال النوافذ الزجاجية بسهولة، ما ينعكس سلباً على استهلاك الطاقة في تدفئة المبنى وتبريده. وعلى الرغم من إسهام النوافذ التقليدية الموفرة للطاقة ومنخفضة الانبعاثات في تقليل استهلاك الكهرباء للتدفئة والتبريد بسبب تحكمها بطيف الأشعة تحت الحمراء الذي ينتقل إلى داخل المبنى، لكنها لا تتحكم في الضوء المرئي، وهو جزء مهم من ضوء الشمس الذي يساهم في ارتفاع درجة حرارة المبنى.. علاوة على أن هذه النوافذ باهظة الثمن بسبب الطلاءات الخاصة بها.
في المقابل، يقدم هذا الخليط حلاً ناجعاً لهذه المشكلة.. فعند وضع الخليط بين اللوحين الزجاجيين وتعريضه إلى حرارة الشمس يتحول إلى معتم، وبالتالي يحجب ضوء الشمس؛ وعندما يبرد يعود إلى حالته الأصلية الصافية. ونتيجة السعة الحرارية العالية للماء يمكن الاحتفاظ بكمية كبيرة من الطاقة الحرارية بدلاً من انتقالها إلى المبنى خلال فترة النهار، الذي تكون فيه الأجواء حارة جداً.
وخلال فترة الليل يتم تفريغ هذه الحرارة ببطء في المبنى من أجل التدفئة، تعتمد آلية عمل هذه النوافذ السائلة على تنظيم انتقال الحرارة من المنازل وإليها بين ارتفاع درجات الحرارة نهاراً وانخفاضها ليلاً.
– عزل الصوت..
وللتلوث الضوضائي، خاصة في المدن، انعكاسات سلبية على الصحة، كاضطرابات النوم، وفقدان القدرة على التركيز والتأثير على الجهاز العصبي.
وتعود هذه المشكلة إلى ضعف العزل الصوتي في النوافذ التقليدية، وهذا ما أدى في الوقت الحالي إلى استخدام النوافذ ذات الزجاج المزدوج لعزل الصوت، حيث توجد فجوة هوائية بينهما تساعد على ذلك؛ وكلما زاد سُمك الزجاج وزادت مسافة الفجوة كلما كان العزل أفضل.
لكن في حالة النوافذ السائلة، يتم استبدال الهواء بالهلام المائي الذي يزيد من عزل الصوت بشكل أفضل، ما يوفر فائدة إضافية غير موجودة في النوافذ الحالية الموفرة للطاقة.
فعسى أن تكون النوافذ الذكية السائلة، وغيرها من الابتكارات الخضراء، خطوة لإنقاذ مجتمعات اليوم.